الرئيس الموريتاني وأحلام البقاء في السلطة! / محمد الأمين ولد الفاضل
الزمان انفو – نظم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مؤتمرا صحفيا في القصر الرئاسي مساء الخميس الموافق 20 سبتمبر 2018، أي بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية التي تم تنظيم شوطيها الأول والثاني في يومي 1 و15 سبتمبر.
وقد كان من المفترض أن يظهر الرئيس ولد عبد العزيز في هذا المؤتمر الصحفي وهو في غاية الارتياح بعد فوز حزبه بأغلبية مريحة، وكان من المفترض به ـ وهو الذي يُتوقع له أن يخرج من السلطة بعد عدة أشهر ـ أن يتحدث في مؤتمره الصحفي بلغة غير حادة وبخطاب يدعو إلى التهدئة، وإلى بناء جسور الثقة مع كل الفاعلين السياسيين، فمن المعروف بأن المُودِّع لا يتحدث عادة أمام مُودِّعيه بلغة حادة أو متشنجة.
ذلك هو ما كان متوقعا حسب منطق الأمور، ولكن الذي حدث كان هو العكس تماما، فقد تحدث الرئيس خلال مؤتمره الصحفي بلغة حادة ومتشنجة في كثير من الأحيان، فاتَّهم وتوعد وقد نال حزب الإسلاميين في موريتانيا (تواصل) النصيب الأكبر من التهم والوعيد.
فلماذا ظهر الرئيس ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي بهذه الصورة وبذلك الخطاب المخالف للتوقعات؟
يُدرك الرئيس ولد عبد العزيز ـ أكثر من غيره ـ بأن التمديد والبقاء في السلطة من بعد اكتمال المأمورية الثانية هو أمرٌ غير ممكن، وبأنه في أحسن الأحوال سيشكل مخاطرة كبيرة لن ينجو هو من ضررها، ولذلك فمن المستبعد أن يُقرر ولد عبد العزيز البقاء في السلطة من بعد اكتمال مأموريته الثانية، ولكن ذلك لا يعني بأن ولد عبد العزيز لا يطوفه من حين لآخر طائف يشوش عليه أفكاره، ويُزَيِّن له البقاء في السلطة من بعد اكتمال مأموريته الثانية. هذا الطائف الذي يطوف الرئيس من حين لآخر يأتيه على شكل ثلاث صور أو ثلاثة سيناريوهات مختلفة سنستعرضها في هذا المقال.
بمنطق وترتيبات الوداع فقد كان من المفترض أن يخصص ولد عبد العزيز الأشهر المتبقية من مأموريته الثانية لبناء الثقة وتعزيزها مع كل الأقطاب السياسية، ولتهيئة الأجواء المناسبة للحظة للخروج من الرئاسة، ولكن الطائف الذي يزوره من حين لآخر هو الذي يمنعه من ذلك، وهذا الطائف يظهر ـ وكما قلت سابقا ـ في ثلاث صور أو سيناريوهات:
السيناريو الأول: البحث عن صفقة
حاول ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي أن يُذَكِّر من جديد بأن رفع سن الترشح ما يزال ممكنا، وقد أقحم ذلك الموضوع في المؤتمر الصحفي دون أن تكون هناك مناسبة للحديث عنه. لقد أراد ولد عبد العزيز بذلك أن يعرض من جديد صفقة تمديد المأموريات مقابل تمديد سن الترشح، وهو الشيء الذي كان قد حاوله في العام 2015 من خلال وثيقة أصدرها الوزير الأول في يوم 14 يناير 2015، وكانت توجد بتلك الوثيقة كل مطالب المعارضة تقريبا، وجاء في بندها الثامن ما نصه ” إجراء تعديلات دستورية لإلغاء تحديد السن الأقصى للترشح لرئاسة الجمهورية”. كانت تلك النقطة بمثابة الطعم الذي وُضع في الوثيقة لاستدراج الزعيم التقليدي للمعارضة السيد أحمد ولد داداه، والذي كان قد سارع إلى رفض المس بسن الترشح مقابل المس بالمأموريات، الشيء الذي أدى إلى تراجع حماس السلطة للحوار، وبدأت حينها تضع العراقيل تلو العراقيل حتى لا ينظم أي حوار على أساس تلك الوثيقة التي تضمنت عروضا مغرية للمعارضة. اليوم يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأنه لا شيء قد تغير، على الأقل بالنسبة للسيد أحمد داداه الذي كان قد رفض تعديل سن الترشح مقابل فتح المأموريات، فهو اليوم أشد رفضا لصفقة سياسية من هذا النوع.
السيناريو الثاني: التهديد أولا ثم التفاوض ثانيا
أرسل ولد عبد العزيز خلال مؤتمره الصحفي رسائل تهديد مبطنة لحزب الإسلاميين في موريتانيا (تواصل)، وهو الحزب المعارض الأكثر تمثيلا في البرلمان، وتلك الرسائل ما هي إلا مقدمة لرسائل أخرى من قبيل ساعدونا في المأمورية الثالثة أو في تعديل النظام السياسي وسنوقف رسائل التهديد بشكل فوري، وإن لم تساعدوننا في ذلك فإن مصير حزبكم سيكون الحل، وسيتم سجن قادتكم في هذه الظرفية الدولية التي تشجع على ذلك. لن يستجيب حزب تواصل لرسائل التهديد هذه، وقد رفضها بالفعل على لسان رئيسه، وكان ذلك على هامش المؤتمر الصحفي الذي نظمه الحزب صبيحة الجمعة 21 سبتمبر، أي في اليوم الموالي لمؤتمر ولد عبد العزيز.
السيناريو الثالث : تأزيم الأوضاع
وهذا هو أخطر السيناريوهات الثلاث التي تشوش على تفكير ولد عبد العزيز، ويتمثل هذا السيناريو في تأزيم الأوضاع وتوتيرها من أجل خلق ظروف استثنائية تُشرع إلغاء الانتخابات الرئاسية وهو ما سيسمح لولد عبد العزيز بالبقاء في السلطة من بعد اكتمال مأموريته الثانية. هذا السيناريو يتطلب رفع شعار الحرب على الإرهاب والتدخل العسكري لموريتانيا في مالي كسبا لود الغرب وخاصة فرنسا، وقد بدأت تحركات فعلية في هذا الاتجاه. كما يتطلب أيضا كسب ود دول الخليج (السعودية والإمارات) من خلال إعلان حرب على الإخوان، وقد ظهرت بوادر ذلك من خلال الخطابات الأخيرة للرئيس ولد عبد العزيز، كما ظهرت من خلال المقال الغريب في التوقيت والمضمون والذي أوجب فيه القيادي البعثي محمد يحظيه ولد أبريد الليل الوقوف مع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان والسيسي، أي الرؤساء الثلاثة الذي يحاربون الإخوان المسلمين بشراسة، ومحمد يحظيه ولد أبريد الليل يُعَدُّ منظر انقلاب 6 أغسطس 2008، والذي جاء بولد عبد العزيز إلى الرئاسة. ومن قبل مقال ولد أبريد الليل ظهرت سلسلة مقالات يكتبها الأمين العام المساعد للحكومة، وقد دعا فيها وفي أكثر من مرة إلى حل حزب تواصل.
اللافت في الأمر أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي كان قد قطع العلاقات مع إسرائيل بعد انقلابه، وجعل من ذلك إنجازا كبيرا وحُقَّ له ذلك، قد تحدث خلال مؤتمره الصحفي عن إسرائيل بلغة غير معهودة، وقال بأنها أكثر إنسانية من التيارات الإسلامية. هذه اللغة غير المألوفة سنجدها أيضا في مقال ولد أبريد الليل عند حديثه عن إسرائيل، وقد حاول ولد أبريد الليل في مقاله أن يقول بأن عدو العرب الحقيقي والذي يجب أن يحارب من الآن هو تركيا وإيران.
هذه اللغة الجديدة التي تحدث بها الرئيس ولد عبد العزيز والقيادي البعثي ولد أبريد الليل، والتي قللا فيها من خطورة إسرائيل بالمقارنة مع الإسلاميين ومع دول مثل تركيا وإيران، ربما تكون قد جاءت لكسب ود أمريكا، وربما يكون ذلك في إطار سيناريو البقاء في السلطة من خلال تأزيم الأوضاع.
يعلم الرئيس ولد عبد العزيز صعوبة تحقيق أي واحد من هذه السيناريوهات الثلاث، فالأول والثاني لابد لتنفيذهما من قبول الطرف الثاني وهو الشيء الذي لن يحصل. أما الثالث فهو بمستوى من الخطورة تجعل من الصعب على الرئيس ولد عبد العزيز أن يقدم عليه، فهو يعرف بأنه إن أقدم عليه فقد شَرَّع لانقلاب عسكري لن يتأخر كثيرا.
يعلم الرئيس ولد عبد العزيز بأن هذه السيناريوهات الثلاث لن يتحقق أي واحد منها، ولكنها على الرغم من ذلك فما تزال تشوش على تفكيره، وتوقعه في مواقف محرجة كالقول بإنسانية إسرائيل، وهي بالإضافة إلى ذلك كله، فإنها تمنعه من الانشغال في هذا الوقت الثمين بتهيئة الأجواء الطبيعية لخروج آمن وهادئ من السلطة.
في الشهر الثاني من هذا العام، وتحديدا في يوم 11 ـ 02 ـ 2018 نشرتُ مقالا على مدونات الجزيرة تحت عنوان ” الرئيس الموريتاني.. معضلة الخروج من السلطة!”، وقد جاءت في هذا المقال فقرة تقول ” يعلم الرئيس ولد عبد العزيز بأن الخروج من السلطة في العام 2019 سيكون مكلفا، وبأن البقاء فيها سيكون أكبر كلفة، ولذلك فهو لم يعد يعرف ماذا يفعل بالضبط، وسيزداد ارتباكه وضوحا كلما اقتربنا من منتصف العام 2019، موعد الخروج من الرئاسة.”
حفظ الله موريتانيا