قراءات واستنتاجات غريبة!
الزمان انفو –
كتب : محمد الأمين الفاضل –
هناك قراءات واستنتاجات وتفسيرات للأحداث في منتهى الغرابة والاستفزاز، ومن ذلك ما توصل إليه طفل مشاكس بعد رحلة إلى بلدة فقيرة مع والده الغني، ومنها ما توصلت إليه الحكومة الموريتانية بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 1 و15 سبتمبر.
الطفل والاستنتاجات الغريبة
يحكى فيما يحكى أن أبا ثريا كان يملك قصرا فخما، قرر ذات يوم أن يأخذ ابنه في رحلة إلى بلدة فقيرة في الريف لا يسكنها إلا الفقراء، وكان الأب يريد من تلك الرحلة أن ينبه ابنه إلى أنه يعيش في نعيم ورخاء قد حُرم منه الكثير من أطفال الفقراء. قضى الأب وابنه أياما في ضيافة أسرة فقيرة جدا كانت تسكن في مزرعة بالبلدة الفقيرة وفي طريق العودة دار بين الأب والابن الحوار التالي:
الأب : كيف كانت الرحلة ؟
الابن : كانت رحلة رائعة
الأب : هل شاهدت يا ابني كيف يعيش أهل هذه البلدة، وكيف كانت تعيش الأسرة التي أقمنا عندها؟
الابن : نعم يا أبي لقد شاهدتُ كل ذلك، فالأسرة التي أقمنا عندها تملك أربعة كلاب ونحن لا نملك إلا كلبا واحدا، وهي تملك بركة ماء لا حدود لها ونحن في منزلنا لا نملك إلا حوض سباحة صغير، ونحن نضيء حديقتنا الصغيرة بمصابيح، أما هم فإنهم يضيئون حديقتهم ذات المساحة الشاسعة بنجوم تتلألأ في السماء، وباحة منزلنا ضيقة في حين أن باحة منزلهم تمتد مع الأفق.
ظل الوالد يستمع لمقارنات الابن الغريبة دون أن يعلق عليها، وذلك من قبل أن يختم الابن حديثه بالاستنتاج التالي:
لقد عرفتُ يا أبي كم نحن فقراء، وكم هم أغنياء!!
الحكومة والاستنتاجات
(1)
دعا الشيخ محمد الحسن ولد الددو إلى الابتعاد عن التزوير والتصويت للأتقى والأصلح، ودعت رابطة العلماء الموريتانيين بلغة صريحة إلى التصويت لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فاستنتجت الحكومة من ذلك أن الشيخ محمد الحسن ولد الددو قد تحدث في السياسية، ولذا وجب إغلاق مركزه وجامعته، وأن رابطة العلماء لم تتحدث في السياسة، وإنما تحدثت في دين الله الخالص.
يُعَرِّف الموقع الرسمي لرابطة علماء موريتانيا الرابطة بأنها “منظمة غير حكومية أنشئت بموجب القرار رقم: 0124 الصادر من وزارة الداخلية والبريد والمواصلات في 11 ابريل 2000 وهي هيئة تطوعية غير سياسية”. هذه الهيئة التطوعية وغير السياسية يُنفق عليها من أموال الشعب الموريتاني، لذا فإن انحيازها لحزب سياسي دون آخر لا يمكن أن يقاس بأي حال من الأحوال بانحياز عالم كالشيخ محمد الحسن ولد الددو إلى حزب سياسي، هذا إذا افترضنا بأن الشيخ الددو كان يقصد مرشحي حزب تواصل عندما دعا للتصويت للأصلح والأتقى، وهل يعني هذا الفهم الغريب أنه إذا دعا الداعي للتصويت للأسوأ والأفسد أنه يكون بذلك قد دعا لخصوم حزب تواصل، أي لمرشحي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؟!
(2)
خرجت الحكومة عن بكرة أبيها في الحملة الانتخابية، وتركت المواطنين يعانون، وخرج الرئيس بنفسه في هذه الحملة واستغل طائرة عسكرية في تنقلاته، ولم تستنج الحكومة أي مخالفة في ذلك رغم أن الوزراء يتقاضون رواتبهم من أموال الشعب الموريتاني، ومن الضرائب التي لا تستثني المعارضين، بل إن نصيب المعارض الذي تأكدت معارضته من الضرائب يكون في كثير من الأحيان أعلى من نصيب الموالي. في المقابل، لما شارك عدد من أساتذة وموظفي مركز تكوين العلماء في الحملة الانتخابية لصالح حزب تواصل استنتجت الحكومة من ذلك بأن مركز تكوين العلماء يخلط بين التعليم والسياسية، ولذا وجب إغلاقه. فلماذا لم تُغْلق الرئاسة والحكومة ومؤسسة الجيش وكل الإدارات الرسمية التي شارك العديد من أفرادها في الحملة الانتخابية؟ أليست مشاركة وزير أو جنرال في حملة انتخابية أشد خطرا من مشاركة أستاذ يعمل في مركز تعليمي أو جامعة خاصة؟
(3)
كثيرة هي المؤسسات التي تمارس أنشطة مشبوهة، ويأتي تمويلها من جهات مشبوهة، وتُدار بطرق مشبوهة، وللوقوف ضد هذا النوع من المؤسسات المشبوهة، وللوقوف ضد الإلحاد والتطاول على مقدساتنا الدينية استنتجت الحكومة ـ وعلى طريقة الطفل صاحب القصة أعلاه ـ بأنه لابد من إغلاق مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله بن ياسين!!
(4)
لقد وصل الطفل باستنتاجاته الغريبة إلى أن الأسرة الفقيرة جدا هي أسرة غنية جدا، وأن والده الغني جدا هو فقير جدا. شيء من هذا حصل مع الحكومة التي ترى بأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي حصل على 89 نائبا هو حزب فقير جدا يحتاج للمساعدة من خلال التضييق على خصومه السياسيين، وأن حزب تواصل الذي حصل على 14 نائبا هو حزب غني جدا. في هذه الجزئية فإنه يجب إنصاف الحكومة، فأداء نائب واحد من المعارضة قد يفوق أداء عشرة نواب من الموالاة، ولذلك فإننا إذا ما قدمنا إحصائية تعتمد على مستوى الأداء لا على العدد، فإنه سيكون لتواصل 140 نائبا في الجمعية، ولحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، أقل من تسعة نواب، وتحديدا 8.9 من النواب.
(5)
يبقى أن أقول بأن الحملة التي يتعرض لها الشيخ محمد الحسن الددو وحزب تواصل هي حملة ظالمة، ولا يمكن تبريرها لا دينيا، ولا سياسيا، ولا قانونيا، ولا أخلاقيا، ولذلك فعلى المدافعين عن النظام أن لا يتعبوا أنفسهم في البحث عن تبرير لهذه الحملة الظالمة. ويمكنني أن أجزم بأن المضايقات التي يتعرض لها اليوم حزب تواصل ستتحول إلى احتضان وإلى إشادة بالتيار الإسلامي إن قرر حزب تواصل أن يساير النظام في مشاريعه المتعلقة بالبقاء في السلطة.
لمن يشكك في ذلك فإليه هذه القصة التي سأختم بها هذا المقال:
تقول القصة ـ وحسب الرواية الرسمية ـ بأن رجل الأعمال محمد ولد أنويكظ لما كان معارضا في العام 2009 كان يعد واحدا من كبار رموز الفساد وناهبي المال العام في البلد، وقد تم اعتقاله في شهر ديسمبر من العام 2009 بتهم تتعلق بنهب المليارات من خزائن الدولة فيما عُرف حينها بملف البنك المركزي.
هذا الرجل الذي كان في العام 2009 من كبار رموز الفساد هو نفسه الرجل الذي سيصبح من خيرة رجال الأعمال الوطنيين لما أصبح مواليا، ولذلك فقد تم توشيحه بوسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني، وكان ذلك في يوم 28 نوفمبر من العام 2015.
في الفترة التي كان فيها رجل الأعمال محمد ولد انويكظ من كبار المفسدين تم توشيح رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو ـ وكان يومها موالياـ بوسام الشرف الوطني (رتبة كوماندور في نظام الاستحقاق الوطني)، وكان ذلك تحديدا في يوم 28 نوفمبر 2009.
هذا الكوماندور في نظام الاستحقاق الوطني تحول لما عارض النظام إلى مفسد ومتهرب من الضرائب وإلى خائن للوطن، بل وإلى “دولة معادية” يحقق مع كل مواطن موريتاني تلقى منها مالا قل أو كثر، واليوم تتعرض أملاك ولد بوعماتو إلى المصادرة، الشيء الذي أدى إلى إغلاق أهم مستشفى خيري في موريتانيا.
فهل يعقل في دولة تحكمها الشريعة أو القانون أو المنطق أو الأخلاق أن يسجن رجل أعمال في ملف فساد في العام 2009 ويوشح بأعلى وسام في العام 2015، وأن يوشح رجل أعمال آخر بأعلى وسام في العام 2009 ليتحول من بعد ذلك إلى مفسد ومطارد فتصادر أمواله، وتغلق مؤسساته الخيرية؟
لا يمكن أن يحدث هذا إلا في دولة يحكمها مزاج متقلب.
حفظ الله موريتانيا…