قصاصات ابروكسيل/محمدالأمين محمودي
اذاعة الصوت الواحد
في اطار البحث اليومي عن العمل،وبعد خروجي من مركز ايواء اللاجئين ببروكسيل،قررت ان اجوب الشوارع وان اذرع عاصمة الاتحاد الأوروبي بحثا عن اموال ارسلها للأهل،اذ كنت دائما اسمع اهل البلدة يتحدثون عن بعض المهاجرين بتحسر وشق جيب احيانا: “للأسف ابن فلانة والعياذ بالله هاجر ولم يرسل ولم يتصل والراجح انه تنصر”..هذا الصدى كان زادي وانا اسير في اكوام الجليد، اقرأ اللافتات وابحث عن المطاعم العربية بعد تجربة مأساوية في مطعم صيني اعتقد انني حدثتكم عنها في احدى القصاصات،حين اطرق جميع الأبواب ابحث عن من يقبلني نادلا او واقفا دائما على المجلى لغسل الصحون تلك المهنة المريحة والضامنة للتدفئة البخارية والتغذية المجانية واوروهات تعيش كبرياءها حين تتسمى بالأوقية..لا أحد يريد نادلا لونه غير مصنف ويبدو انه ارهابي محتمل رغم حصوله على الأوراق التي تثبت انه غير مطلوب ولامشكلة له مع السلطات..في نفس الوقت الذي اتجول فيه يرن الهاتف: معكم ” الأوربيم” يجب ان تحضروا يوميا لنقدم لكم عروض العمل حيث لن يكون مقبولا ان نمنحك الاعانة الاجتماعية بصفة ابدية فأنت لاتشكو علة بدنية ولاذهنية”..اوكى سأحضر.
في المصلحة المختصة بتشغيل العاطلين لاتناسبني العروض المقدمة غالبا،لشروط فيها او لاجحاف او لعلة في ملكاتي وخبرتي.
مرة قرأت عن اذاعة عربية تسمى اذاعة المنار،اتجهت رأسا الى العنوان،التقيت مديرها البلجيكي من اصل مغربي احمد بده وهو احد المستشارين البلديين وفي طريقه ليصبح شيئا لم يتبلور حينها،عرضت عليه العمل تطوعا فرحب بالفكرة،وقبل على الفور فالظاهر ان لا منافس لي فالمكان صامت الا من صوت بث مسجل..اذاعة وفي عاصمة الاتحاد الأوروبي هذا حلم اي حالم بأن يواصل عمله الاعلامي الذي كان يزاوله في بلده.
اتضح ان المطلوب هو سد الثغرات وملء الفقرات الفارغة بأي شيئ،وبما انني يومها مازلت نصف امي في الشبكة العنكبوتية كان علي ان اسد الفقرات ببعض الأشعار التي احفظها،او بآيات قرآنية فأنا في النهاية اقدم موجزا يترجمه الرجل ويبعثه لي عبر اخيه صاحب المطعم المقابل،وباستثناء سد الفراغات والموجز،اعد يوميا ” طائفة من البلاغات والاتصالات الشعبية الخاصة بالمهاجرين المغاربة،وكنت اتعمد استخدام كلمة” اقول” لتكرار البلاغ المدفوع الثمن كنوع من الحنين لصوت ولد بونة.
بعد اسبوعين او ثلاثة،سلمني الرجل المفتاح كأنه ” ركلى اعلي البوتيك” بالحسانية،وصرنا لانلتقي الا لماما بعد ان يتهرب مني ويماطل ويسوف بشأن المستحقات.مع انه كان في غاية الطيبة والسخاء حين يكون في يوم سعده.
اقمت في القبو السفلي،وكان شقيقه صاحب المطعم يرسل لي الطعام والقهوة،اذكر ان المخرج عبد الرحمن احمدسالم زارني فيها وقضى معي اياما في ذلك القبو البارد وكذا بعض الأصدقاء..اعد لهم الشاي على طريقتنا، وبين كأس واخرى،اصعد لأتحدث لمدة تتحدد حسب الفراغ،الى ان تكون حصة البلاغات المهمة والتي تغذي ماديا الاذاعة،فعندها اجلس ساعة كاملة،اخبر الناس عن موتاهم وطلاقاتهم وزيجاتهم وتخرج الأبناء والتحويلات المادية،الى آخر ذلك من بلاغات عرفناها بذات الطريقة وان بتعمية وتمويه تفرضه طبيعتنا في موريتانيا..هناك لاتورية ولاكناية فالناس يعيشون بمنتهى الوضوح والصراحة.
المهم انني حسنت من وضعي واشتريت بدلات لائقة،ومارست شغلا اتحرك بموجبه دون عناء يذكر داخل مائة متر مربع في طابقين..البرمجة تتم على شكل اغان واشهارات والبقية علي،وانا من سيشحنها بمايريد من المقبول هناك.
كانت تلك الاذاعة على قصر المدة مهمة جدا حيث تعرفت عبرها على الميكروفون ومفاتيح العمل الاذاعي الجميل،على الأقل من الناحية الفنية،فلاشيئ الذ من ان تسمع الناس بعض الأخبار والغناء والشعر والرسائل وغيرها ثم حين تنظر الى الطاقم تجدك وظلك جالسين لوحدكما وتحت اعين رقابة حقيقية يمكن ان تزج بك في السجن حين تخالف قانونا لم تقرأ عنه ولاتعرفه..عناية الله كانت حاضرة ولولاها لارتكبت الحماقات التي نرتكبها على مدار الساعة في جرائدنا ومواقعنا الالكترونية.