نواذيبو/أبو العباس ابراهام
الزمان انفو –
——-
كنتَ، لا زلتَ مُحبّاً للتطلّع والمعرفة، قد راسلتَني تسألني هل تطرّقت لنواذيبو في أعمالي وعما يمكنُ أنْ أنجدَكَ به في استكناه بواكير المدينة. وقد وعدتُكَ خيراً؛ ثمّ حالت الظروف فالسياسة بيننا؛ ثمّ ما عُدتُ أراك. آملُ أنّك بخيْر. وأضع لك هذه الرسالة في قارورة بحريّة علّها تجدك.
قد تعرّضت لهذا بالتفصيل في مخطوطي. وأهمّ من درس نواذيبو قُبيْل وبعد الاستقلال كان المرحوم شارل توبيه (1925-2017)، وبالأخصِّ في عمله، Le Sahel، في 1992، الذي سبقته أعماله الأكاديمية عندما كان باحِثاً جغرافياً وأستاذاً جامعياً بجامعة دكار (جامعة الشيخ أنتا جوب، لاحقاً). إلاّ أنّ الراحِل لم يكن رائداً؛ فأوّل من درس المدينة، ولكن لغرض استعماري وليس فقط أكاديمي، كان آ. غريفَل. وقد نشر غريفَل ورفيقه أر شيدو عملهما A travers la Mauritanie occidentale في مُجلّديْن في باريس ما بين 1909 و1011. وقد أوصى غريفيل ببناء مدينة في ذلك الرأس الساحِلي. وقد رخَضَ وزير المستعمرات، سانت أتيين، هذا المُخطط في 1905 وسُميّت المدينة عليه. ولم يحل 1908 إلاّ وكانت المدينة تضمّ مستوصفاً وحصناً عسكرياًً ومركزاً للأرصاد ومنارة بحريّة. وقد سميتُ هذه الأنشطة بالاستعمار البحري، حيث التقت مصالح المستثمرين في السمك مع اللوبيات الاستعماريّة. ثمّ إنّ البيضان والحراطين، الذين ظلّوا يعرِفون المنطِقة بـ”نواذيبو”، التي ربّما عنت المكان القفر والموحش (وهذا تخميني الذي قد لا يقوم عليه الدليل)، قد تقاطروا إلى المدينة متبادلين مع الفرنسيين. وما حلّ الاستقلال حتى كان بالمدينة ما يربو على 2700 نسمة، قيل إنّ 2000 منها من البيضان و300 أو يزيد من السنغاليين وحوالي 270 من الأوروبيين، وأكثريّة هؤلاء من جزر الكناري، ولكن يُحوكِمُهم الفرنسيين. وهذا شبيه بقصة “الأقدام السوداء” في الجزائر وغيرها. وقد ظلّ الإسبان يُسيطِرون على لكَويرة وهي من مُركّب نواذيبو ومركز للتبادل معه. ثمّ إنّ أحداث 1966، كما حدث في نواكشوط قد انعكست على الثراء الثقافي بالمدينة فعاد السنغاليون إلى بلادِهم، وإن توافَد سُكّان الضفة من الموريتانيين إليها.
كانت مشكلة الماء مطروحة وقد عطّلت نمو المدينة في الثلاثينيات والخمسينيات ولكن الفرنسيين والكناريين نجحوا مِراراً في تحليّة مياه المحيط وإمداد المدنية بالمياه، مع أنّ هذا فشل مرتيْن. أمّا البقية فتاريخ. ظهرت الثروة المنجمية في أواخر الخمسينيات وبُني الميناء التجاري في 1960-61 وميناء المعادن بعيد ذلك من خلال ميفرما.
لن أطيل عليك في بقيّة التاريخ فأنتَ تعرِفه. أما تاريخ ما قبل القرن العشرين فبرأيي أنّه لا يزيد على المناوشات والنهب الذي كان يقوم به البرتغاليون ثمّ حولوه إلى تبادل غير بيعد من نواذيبو الحالية. وكما تعرف فإّ صراع الإنجليز مع الفرنسيين وتغلّب الصحراويين قد دفع بالنشاط التبادلي إلى المراسي الجنوبيّة فضعّف ذلك من تلك الساحلية.
إنّه لا يخفى علي أنّك سألتَ عن الموضوع في إطار بحثِك عن سرِّ المدانة النواذيبيّة. وليس شأني الإجابة على هذه الأسئلة الجوهرانية وإنّما تسليحك بالمعلومة التي تخوّل لك طرح الأسئلة.
المخلِص دوماً،
ع.