استقرارنا على المحك /بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
الزمان انفو – تتعيش عاصمتنا نواكشوط منذو سنوات ،عجزا متفاقما فى مكافحة الأوساخ .حيث كانت عملية التنظيف أحيانا فرصة للثراء المجاني ،دون أداء خدمة التنظيف المطلوبة، على الوجه الأكمل .بل أضحت الجهة الجنوبية من العاصمة مقرا مزمنا للقاذورات و الأوساخ النتنة و الجيف ، و قرب المحطة الكهربائية الرئيسية على الطريق مباشرة، تتواصل غالبا عملية حرق الأوساخ، المضرة بالساكنة المجاورة المغلوبة على أمرها !.كما تجرى عملية الحرق هذه على القرب من محطة الكهرباء .فماذا لا قدر الله لو تسربت النيران للمحطة الكهربائية ،ذات الطاقة المعتبرة ، أم أن الناس أمنهم لا أهمية له . للأسف بصراحة عاصمتنا بامتياز عاصمة الأوساخ فى كل مقاطعاتها !.و فى فترة الخريف تتحول هذه القاذورات إلى مغذى للأمراض و الحمى الخريفية الغامضة ،التى أضحت هذه السنة شائعة روتينية فى مختلف أطراف الوطن .مرة يسمونها حمى تيارت ،مرة يقال أنها حمى الضنك .و فى هذا الجو استقالت تقريبا الجهات المعنية صحيا ،حيث لم تتمكن من إيقاف هذه الحمى المزمنة الغامضة ،التى باتت تزور مواطنى هذا البلد ،كل خريف بوجه خاص .حتى أن بعض الأنانيب الموصلة للدواء لجسم المريض ،و المستوردة من دول عرفت بالتلاعب بالشروط الصحية المتعارف عليه دوليا ،تسبب هي الاخرى الحمى و تزيدها … !. بالنسبة للصحة عموما مازالت كثير من الحالات يضطر أصحابها ،من رأس هرم السلطة إلى أسلفه للسفر للخارج .ففى مثل هذا اليوم١٣ أكتوبر ٢٠١٢ أصيب الرئيس محمد ولد عبد العزيز فى حادثة مازالت غامضة على رأي الكثيرين ،فنقل مباشرة و فوريا إلى فرنسا للعلاج ،و قبل أيام انتقل رئيس البرلمان الحالي الشيخ ولد باي للعلاج إلى فرنسا و إلى فرنسا يعود أيضا مجددا ، لاتمام التداوى هناك بإذن الله ، شفاه الله . إذن إجماع رسمي و شعبي على عدم كفاءة قطاعنا الصحي للتغلب على حالات مرضية عديدة معقدة،بل و بسيطة أحيانا .و قبل يومين فحسب، أجريت عملية فى دكار لسيدة ترك فيها الدكتور الجراح سيد ولد إسلم المثير للجدل “مكب نفايات” !. الصحة عموما فى موريتانيا مهزلة مدوية ، تنزف على أثرها الدماء و الأموال ،لصالح عيادات و مستشفيات دول الجوار و دول بعيدة أخرى ،على حساب كفاءة و مصداقية قطاعنا الصحي المتعثر بامتياز .أما تجار الأدوية فيستوردون للتربح أولا ،و مهما انتمى أحد مشاهير جزاريهم لتواصل مؤقتا أو انسحب لاحقا للحزب الحاكم ،فهم الأجدر بالمتابعة القضائية ،و هي المفقودة غالبا فى هذا الوطن المسكين المحتقر ،و محل التآمر الأسطوري الغريب المحير .إنها الأمانة و المسؤولية التى تخلى عنها الجميع تقريبا، لصالح الاستقالة المهنية الفاضحة ،التى تصب غالبا لخدمة و ترسيخ الأنانية و التربح الضيق المرضي !.أما التعليم فحدث و لا حرج ،حتى الشباب اليافعين، حرموا من التسجيل فى الجامعات و حوصروا فى جامعات أخرى بالخارج .إلى أين المفر ؟!.أما القطاع الحزبي و الاعلامي .فهو للأسف على محك التفخيخ ،لا قدر الله .فالحاكم العربي بطبعه لا يقبل أن يضايق بصورة جادة فى الكعكة الانتخابية و لا يقول له قائل كلمة الحق .لهذا السبب وجهت رسائل الانذار العملية و التهديد شبه الصريح، بحل أكبر حزب معارض ممثل فى البرلمان .حزب تواصل ، ذى الخلفية الاسلامية المسالمة ،المكرس للتعايش مع الجميع ،حتى السلطة القائمة .و فى هذا المنحى من التهديد و استغلال السلطة و النفوذ أغلقت مؤسسات تعليمية رائدة ،مثل مركز تكوين العلماء ،دون تقديم مبررات ملموسة مفحمة للرأي العام المتذمر فى أغلبه من إغلاق تلك المؤسسات .فنحن فى دولة قانون و مؤسسات -حسب ما يروج -و لا ينبغى أن تسيرنا إرادة فرد ،إلا فى حدود ممارسة صلاحياته، بصورة إيجابية حكيمة متوازنة .ثم إن حل أكبر حزب فى البرلمان يعنى تعطيل التعددية و إجهاض الديمقراطية الموريتانية ،بغض النظر عن ايجابياتها أو سلبياتها !. و المتضرر من هذا بصورة أظهر و أعمق هو النظام الحالي، قبل حزب تواصل ربما !.فموريانيا ليست مصر و لا تحد الكيان الصهيوني .و تكرار تجربة الرئيس السابق معاوية فى هذا الصدد لن تجلب إلا الخراب على الجميع ،كما حصل من قبل ،نهارا عيانا ،فى سنتي ٢٠٠٣ و ٢٠٠٥ . فالحركة الاسلامية بجميع تجلياتها و فروعها فى العالم الإسلامي و العالم أجمع قدرا مقدورا ،و الغرب و أنظمته المرتهنة ، إما أن يتعايش مع النموذج العنيف و إما أن يتعامل مع النموذج الحضاري المحنك المسالم .و على الصعيد المحلي الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان طيبا حذرا فى جانب التعامل مع الإسلاميين و القائمين على الدعوة و مؤسساتها المختلفة ،و لكن التذمر من صعود تواصل النسبي فى انتخابات أيار و تحريض بعض السفهاء الموتورين الحاقدين ، هو ما جلب إليه ربما هذا التحول الذهني و النفسي الخطير على نظامه السياسي و إستقرار بلدنا و تماسك مجتمعنا ،مهما كان ذلك الاستقرار ناقصا أو هشا رخوا ،كالمعتاد .للأسف البالغ . اللهم سلم سلم .