أزواد: حين يكون سقف الطموح “النوم في مكان آمن”
الأخبار (فصالة) – “غاية ما أطمح إليه أن أنام في مكان آمن، شكرا لموريتانيا لأنها قبلت استقبالنا، لقد أحيتنا من جديد بعد أن يئسنا من الحياة، لقد صبت علينا النيران وكادت أصوات الطيران الفرنسي تقضي علينا، أما وصول الجيش المالي إلى مضاربنا فهذا أخطر سناريو يمكن أن نتصوره، إنه حكم –بلا استئناف – علينا جميعا بالإعدام”. كهذا يتحدث أحد اللاجئين الطوارق وقد نزل لتوه من متن إحدى عابرات الصحارى قادما من قرية صغيرة تقع على بعد حوالي 80 كلم من تمكبتو، ومعه حوالي مائة فرد من عائلات مختلفة غالبيتهم من نفس القرية.
استراحة أمام مفوضية الشرطة بعد أكثر من ثلاثين ساعة من السفر وعدة أسابيع من الخوف والترقب… (الأخبار)
نساء وأطفال وعجزة تكدسوا فوق ما خف حمله من الأمتعة، بعد أن ابتسم لهم الحظ بالعثور على سيارة من عابرة للصحاري، فكان مدينة فصالة الموريتانية هي الوجهة. أمام مفوضية الشرطة في فصالة يتنفس الجميع الصعداء فقد وصلوا مكانا يمكنهم أن يناموا فيه بأمان، ينزل الجميع عن السيارات بعد رحلة دامت أكثر من ثلاثين ساعة، رغم أن مسافتها لا تتجاوز 250 كلم تقريبا، لكن ترابط السيارات ورغب الأسر في السير معا، وعدم توفر التسجيل ليلا داخل الأراضي الموريتانية زاد من فترة السفر.
ينتظر اللاجؤون انتهاء إجراءات التسجيل قبل اعتمادهم من قبل المنظمات الإغاثية والسماح لهم بدخول مخيم “الانتظار” (الأخبار)
مسنون من العرب ومن الطوارق يشرفون على تسجيل أطفالهم وزوجاتهم ليحق لهم دخول مخيم “الانتظار” في فصالة، إن وفقوا في إكمال عملية التسجيل مساء فسيتاح لهم السفر غدا إلى مخيم امبره، إما إذا تأخرت عملية التسجيل فسيكون عليهم الانتظار 24 ساعة أخرى دون أي مساعدة من أي طرف، فالمنظمات الإغاثية لا تمنحهم أي إعانات قبل وصولهم إلى المخيم المركزي قرب باسكنو. يحاول الجميع ملأ فراغه كل حسب ما يناسبه، فالأطفال يتجولون داخل المخيم، يجعلون من حاويات الماء سيارات، ومن العصي بنادق، ولا تتوقف عمليات المطاردة بينهم ربما في استعادة لمشاهد تركوها خلفهم على ثرى وطن أصبح البقاء فيه طريقا سالكا إلى الموت. أما النساء فيلجأن إلى ملأ الوقت بالتحضير لقادم الأيام، بترتيب ما سمحت الظروف باصطحابه من الأمتعة، أو طبخ وتحضير من وجد من الغذاء، مع القيام بمهمة صنع الشاي للرجال، فهو خير معين على مواجهة موجات البرد التي تعرفها ليالي فصالة خلال هذه الفترة.
تبحث الأمهات عن ما بقي من زاد بعد رحلة الهرب من جحيم الحرب، عساه يخفف من جوع الأطفال في انتظار مغادرة محيم الانتظار في فصالة (الأخبار)
ومما يزيد من معاناة اللاجئين أن جلهم يرى أن الأزمة لن تفرج قريبا، وتزيد حدة التشاؤم لدى المتقدمين في السن، بسبب التجارب السابقة مع الحكومة المالية. ويمضي الرجال أوقات الانتظار في مخيم فصالة بتداول أخر التطورات على الأرض، ويستعيد المسنون تجارب اللجوء السابقة، وآخرها تجربة بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، حينها أنشأن مخيم “امبره” قرب باسكنو، قبل أن يتحول إلى تجمع سكاني صغير، ويقع اليوم بجانبه مخيم امبره الجديد، والذي يأوي الآن ما يقارب 100 ألف لا جئ أزوادي.
تبحث الأمهات عن ما بقي من زاد بعد رحلة الهرب من جحيم الحرب، عساه يخفف من جوع الأطفال في انتظار مغادرة محيم الانتظار في فصالة (الأخبار)
ومما يزيد من معاناة اللاجئين أن جلهم يرى أن الأزمة لن تفرج قريبا، وتزيد حدة التشاؤم لدى المتقدمين في السن، بسبب التجارب السابقة مع الحكومة المالية. ويمضي الرجال أوقات الانتظار في مخيم فصالة بتداول أخر التطورات على الأرض، ويستعيد المسنون تجارب اللجوء السابقة، وآخرها تجربة بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، حينها أنشأن مخيم “امبره” قرب باسكنو، قبل أن يتحول إلى تجمع سكاني صغير، ويقع اليوم بجانبه مخيم امبره الجديد، والذي يأوي الآن ما يقارب 100 ألف لا جئ أزوادي.
ركب هؤلاء فوق أمتعتهم على متن سيارة تويوتا لاندروزر، وتركوا خلفهم المئات ممن لم يحالفهم الحظ في العثور على وسيلة نقل تبعدهم عن جحيم الحرب (الأخبار)
محمد وهو أحد سكان مدينة ليره يقول إن تجربة الحرب الحالية كانت أكثر مرارة، “فالخوف طال الجميع بفعل القصف الشديد الذي تعرض له مدينتنا، لقد خفنا أن تخسف الأرض من شدته، أو أن تشتعل النار في المدينة كلها”. ويقول محمد إنه قرر اللجوء مع أسرته إلى موريتانيا، وعند سؤاله عن توقعه لنهاية الأزمة، يقول: “والله لا أعرف، الفرنسيون لن يظلوا هنا للأبد، فقد جربوا احتلال المنطقة سابقا، والجيش المالي لن يبقى وحده، لا أعرف أين ستسير الأمور، لكني متخوف من تطورها بشكل مأساوي، وأن يطول أمدها بشكل يجعل خسائرها غير محصورة”.
الشاي أحد ثوابت يوميات سكان الصحراء، وأفضل معين في مواجهة موجات البرد في مخيمات اللجوء… (الأخبار)
ويطالب محمد الحكومة الموريتانية “بالاستعداد لإيواء كل الأزواديين، فاستمرار الأزمة يعني مزيدا من اللاجئين، لأن بقاءهم هناك يعني الإعدام رميا بالرصاص، إن تجربتهم مع الجيش المالي تدفعهم لتجنب انتظاره، توقعوا دفعات جديدة من اللاجئين في بوادي تمبكتو وليره وكندام وغيرهم من المناطق”. وإلى جانب محمد يجلس رفيقه الخليفة – وهو منم من منطقة ليره – اضطر لمغادرة المنطقة وترك أسرته وأبنائه في بادية شرقي ليرة، يقول الخليفة إن الأوضاع هناك خطيرة، وإن جميع السكان في خطر، مضيفا أن عايش مختلف مراحل الصراع في المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي، لكن الحرب الأزمة الحالية مختلفة في كثير من تفاصيلها عن التجارب السابقة. ويؤكد الخليفة أن يتوقع أن يطول أمد الأزمة الحالية، قائلا: “لو كنت أتوقع أن تنتهي قريبا لما غادرت مضارب أسرتي، لقد جئت إلى لأسجل نفسي، وسأبحث عن سيارة للعودة إليهم والإتيان بهم إلى هنا، لقد تركت أطفالي الصغار مع قطعاننا هناك، أدعو الله أن يحفظهم، لكني حتى الآن لا أعرف مصيرهم”. داخل مخيم “الانتظار” في فصالة يكون لكل تفصيل قيمته، ولكل شخص حكايته ومعاناته وطموحاته، لكنها في الغالب تتضاءل –بفعل ظروف الخوف – لتقف عند سقف النوم في مكان آمن، والحصول على غطاء وغذاء، حتى ولو كان مجرد غطاء بلاستيكي لا يقي حرا ولا بردا، وعدة كيلوغرامات في الشهر، فالمهم بالنسبة لأغلبية اللاجئين هو الابتعاد قدر المستطاع عن مواقع الصواريخ الفرنسية، ورصاص الجنود الماليين.