ولد محمودي يستحضر “موريتانيا نوفيل” وبداياته مع مهنة المتاعب
الزمان انفو – بأسلوبه الشيق كتب الأخ والزميل محمدالأمين محمودي عن بظاياته في ممارسة مهنة المتاعب،حين كانت الصحف الحرة تعد على أصابع اليد قبل قرابة ثلاثة عقود..في تلك الفترة كان لدينا في موريتانيا مشروع واعد قبل تجهز عليه وزارة الداخلية بأجهزتها الأمية وخلاياها السرية والعلنية وتقضى على أهم الصحف حينها ليهاجر من لم يمت حسرة ومرضا من المبدعين وتتوقف البقية عن العطاء لتستسلم لقبضة المجتمع وظروفه القاهرة..قلبلون فقط لم يستسلمو ولسان حالهم يردد مع “الحكيم ” أملي أكبر من جهدي وجهدي أكبر من موهبتي وموهبتي يجينة طبعي ولكنني أقاوم..
“الزمان انفو” تعيد لكم ما كتبه محمودي لتشارككم متعة القص:
قدر لي اليوم ان اكون في مقهى من نوع خاص..ربما دخلت غير منتبه للمكان..طلبت قهوتي..ثم من خِلل في الجدار خرج لي المرحوم عبد الله سوماري حاملا اضبارة الأرشيف، ثم هاهي الشقراء الطويلة “كارين” تتحرك بسرعة لجمع المحررين.. يبدو ان المطعم اقيم على شاهد قبر مجلة “موريتاني نوفيل” العريقة..
قبل عقدين من الزمن كانت “امن” العجمية ترد من هذا المكان على الاتصالات، وكان والدها القُفة المسن المالي آغ الطاهر يترجم مواد النسخة العربية الى الفرنسية، كان شيخا وقورا بقفة فوق رأسه تشبه باروكات اللوردات او القضاة في بعض الأقاليم الأوروبية..يحمل حقيبة جلدية لاتفارقه ويتكلم فرنسية انيقة.
هناك في الركن الى جانب المقاعد يقف عبد الله ول اشفاغ المختار مدخنا ربما سيجارته الأولى ويوزع النكات والسخرية على الجميع، وطبعا سيمر الطيب المختار اشبيه وكأن الأمر لايعنيه لكنه يعنيه ولايسره في اغلب الأحوال.وهنا في نفس الشرفة مثلت على الوافد الجديد سيدمحمد تتا دور الشخص المهم او المدير..وخلف ذلك الجدار الصغير يتحدث سالم مجبور بصوته الجهوري مع باه عبد الكريم عن فتاة تعرفا عليها ذات خرجة..عبد الكريم هو اول شخص يتحول بقدرة المخابرات والشحن العرقي من حاكم اداري الى محاسب لجريدة وليدة…مختبر بابا افال هو اول مختبر لتحميض الصور في عالم الصحافة..هنا قاعة التحرير حيث نجتمع صبيحة كل يوم وهنا كنا نقوم بالعمل الصحفي على أسس مهنية استمدت من صحف فرنسية عمل لصالحها اباه وكارين السالك..غرفة الطباعة والماكيت حولها العجوز اليوناني الى مطبخ حلت فيه البندورة و الجزرة محل العصا التي كان النظام يعامل بها الأقلام والكتابات والتحقيقات..اذكر انني مرة ارسلت في تحقيق ركبت فيه السيارات والجمال حتى اعماق ايكيدي بحثا عن زيجة رعاة اثير حولها جدل كبير..ثم اذكر انني عرفت لأول مرة وفي هذا المكان بالذات ان الرشوة قد تأتي على شكل اشهارات او اشتراك تشجيعي يستفيد منه الصحافي قبل ان تتحول علاقته مع المشترك او الداعم الى صداقة واخوة وحماية.
الجريدة التي اشتركت في خدمة الوكالات الدولية وقدمت نموذجا رائعا صودرت مرات ومرات ثم حرمت لثلاثة اشهر، وبعد العودة بعدد جديد تم تحريمها ايضا لمدة مشابهة..اتذكر ان اباه ولد السالك نشر بيانا تحدث فيه عن انه سيعود حين يكون الجو مناسبا، لكن لم يعد وتفرق محرروه وعماله ايادي سبأ.(مرة حين كنت في بلجيكا اتصلت علي كارين التي تقيم هناك: محمودي اقيم مأدبة عشاء على شرف بعض اعلاميي اوروبا وارجو ان تحضر..حين حضرت اكتشفت انها كانت تبحث عن شخص يمكنه ان يعد لهم الشاي الموريتاني..قمت بالعمل كالغلام ففي النهاية من علمك حرفا فهو مولاك كما يقولون)..انتظرنا عشرين سنة لكنه لم يعد..اليوم ربما يكون عاد لكن في ثوب عجوز اغريقي يبيع البن بأغلى ثمن ..اخبرته انه يبيع بنه وعصائره على شواهد قبور اقلام وعلى مقبرة لحرية التعبير..لم يكترث وربما لم يفهم..لكنه موقن لاشك في قرارة نفسه انها ليست المرة الأولى التي يدفن فيها المال والبن والمادة روح الانسان و حريته في التعبير والتحرر من ظلم الانسان الآخر.
محمدالأمين ولد محمودي