محاذير التحول المرتقب / بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

الزمان انفو –
ترتفع أنظار متابعي الشأن العام، لاحتمالات أوجه اللعبة الرئاسية في يونيو 2019، حيث ستنتهي عهدة ولد عبد العزيز دستوريًا، مما يطرح السؤال هل سيحترم الدستور، أم سيُقدمُ على تغييره وإدخال البلاد في مرحلة لها محاذيرها بامتياز .
وبحكم الطبيعة الصريحة، سأجد نفسي مضطرًا للتعامل مع القارئ، ضمن ما يغلب على ظني وتصوري الخاص، بالدرجة الأولى.
فأنا شخصيا بحكم معطيات كثيرة، أتوقع أن يقدم ولد عبد العزيز مُقترحا لتعديل الدستور، يُكرس إلغاء القفل الدستوري، ويتيح له فرصة الترشح لمأمورية ثالثة، مثيرة بحق للجدل.
وقد يكون المقترح بعد مسيرات ومطالبات شعبية فلكلورية طبعًا، ببقاء الزعيم المفدى ،في دفة الحكم، لتتولى كتيبته البرلمانية، وبسرعة، تمرير المقترح، ولعله دون عناء، بطبيعة إذعانها وطاعتها التامة، لمقترحات الجهة السلطوية المتغلبة، وتحت ضغط المصالح ربما وغيرها.
وقد ينجح النظام القائم وقد لا ينجح في تمرير عُهدة ولد عبد العزيز الرئاسية الثالثة، المثيرة للجدل، لدى جهات داخلية متعددة، ستعبر عنها بطرق وصيغ، هي الأخرى، قد لا تقل خطورة وإثارة عن مشروع هذه المأمورية الثالثة المخيفة.
وهنا أجد نفسي مضطرًا، على احتمال وقوع هذا السيناريو، الذي أرجح أن يقدم عليه ولد عبد العزيز وحلفاؤه من العسكر والمدنيين، على السواء.
أجل مضطرا للتنبيه لما يلي:
1ـ ينبغي أن يُراجع محمد ولد عبد العزيز نفسه، قبل الإقدام على هذه المسرحية، غير المأمونة العواقب.
فإن كان في حكمه خيرٌ للبلاد والعباد، فقد حكم الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بصورة مباشرة وغير مباشرة، منذ يوم الأربعاء 03 أغسطس 2005.
ولنفترض أنه قدم الكثير وبقي عليه الكثير وأخطأ في كثير من الجوانب، وأثرى هو وبعض ذويه وبعض مقربيه من المدنيين والعسكر، على السواء، على وجه فاحش مثير، وعلى حساب السواد الأعظم، من هذا الشعب الفقير المسكين المغبون، المخدوع باستمرار.
فليتذكر ولد عبد العزيز، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وليتذكر محكمة التاريخ، العادلة المنصفة أحيانا، وليعلم أنه جلب الكثير من الشر والذكر غير الطيب على نفسه وأسرته وعشيرته وشركائه في الحكم، وسيكون أفضل له مغادرة كرسي الحكم بسلام ،بإذن الله، وإن قبِل ذلك، فهو القانون وهو المُتاح دستوريا.
فالعُهدتان “الدستوريتان” انتهتا تقريبا، وغيرُ ذلك، تكلُّف وتصنُّع وتعسف مكشوف جلي.
ولعلمك السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، إن ذاكرة الموريتانيين ضعيفة والناخب الموريتاني لم يستيقظ بعد إلا في مواطن قليلة محدودة، مثل حي عرفات بالعاصمة انواكشوط ،الذي أرهقك أنت وحكومتك، حتى بعد تعسف دور ثالث، كما أرهقك أهل انواذيبو.
فربما إن احترمت الدستور وخرجت بطريقة حكيمة من هذا المأزق السلطوي العمومي الحرج، سيذكرك التاريخ بالخير، حتى لا تصبح بوتفليقة موريتانيا، فالإسم متقارب والجارة الشقيقة الجزائر على حدودنا، وأوجه التقارب كذلك في أمور أخرى.
فالدولتين المتحكم الرئيسي فيهم هو الجيش، والثروة الحالية لدى الجزائريين غازية، والثروة محل الطمع والطموح عندنا المرتقبة، كذلك غازية، ولا أستبعد للأسف أن تكون خطواتنا حثيثة نحو النموذج الجزائري، مع فارق الطابع القبلي المهيمن في موريتانيا.
فموريتانيا، إن ظل فيها ولد عبد العزيز رئيسا سيصبح المستفيد الأكبر مجددا، وخصوصا مع استخراج الغاز 2022، كبار قادة الجيش وجناح من قبيلة الرئيس، وغير ذلك في المقابل، “بدون” تقريبا، وسيعرض ذلك النفوذ والتفاوت الدولة والمجتمع إلى هزات خطيرة.
السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الوقت مناسب الآن للتفكير، ولكن التفكير السريع والحاسم.
فالعزم غير المحسوب على التحمل المستمر للأمانة ليس إشارة تعقل ولا حكمة ولا وطنية على الإطلاق، فكفى ما سبق، سواءً ادعيتم أنه إنجازات أو ادعى غيركم أنه عثرات.
فهو في كلا الحالتين، تجربة حكم، مثيرة للجدل بحق.
قال الله تعالى جل شأنه: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا”
2ـ إن أبيتم إلا الإقدام على المأمورية الثالثة، فإن ذلك يستدعي التنبيه لعدة مُعطيات:
اـ حق التظاهر السلمي مكفول دستوريا.
ب ـ الشارع المُعارض في أغلبه هذه الفترة “تواصلي”، والمسارعة إلى حل حزب تواصل، كردة فعل غير مستبعدة، أكبر متضرر منه نظام ولد عبد العزيز ومشروع التعددية الديمقراطية الموريتانية، مهما كانت نواقصه وثغراته الجمة.
ج ـ الدخول في مُعترك المواجهة مع السلطة قد يجر إلى التفكك، وعدم الحذر من الفتك بالمعارضين المُسالمين للمأمورية الثالثة، قد يجر، لا قدر الله للحرب الأهلية ومعطيات معقدة، غير محسوبة.
3ـ المؤسسات الأمنية والعسكرية، والجيش بوجه خاص، ينبغي أن يحرص على دوره الجمهوري الأمني الناضج، إن أمكن، بعيدًا عن التحامل على المتظاهرين أو القفز على السلطة.
فالعنف لا خير فيه، والانقلابات ودوامة الانقلاب المتكرر والانتقال المتكرر، قد جُربت من قبل، ولم تجدِ نفعًا إطلاقًا، وإن حصل انقلاب في هذه الفترة، فقد يؤدي إلى حرب أجنحة داخل المؤسسة العسكرية، قد لا تنطفئ ألسنة لهبها في وقت مبكر، وقد لا تُبقي الحوزة الترابية متماسكة، لا قدر الله.
وفي موريتانيا المعول عليه بإذن الله، هو القاسم الإسلامي المُشترك وطابع التسامح وكراهية العنف وتماسك الجيش، يقول الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، ضمن حوار مع قائد سابق لكتيبة الأمن الرئاسي، “موريتانيا إن دخلت في مرحلة خطيرة، فالمعول عليه هو المؤسسة العسكرية، بسبب طابعها التنظيمي”.
معشر العسكر، ينبغي أن تحرصوا حرصًا تامًا على تراتُبيتكم في التنظيم والأوامر، فبقاء لحمة المؤسسة العسكرية والجهاز الأمني، هو الحد الأدنى من الأمل في بقاء دولة موريتانيا متماسكة، مهما كانت النواقص والثغرات والمُلاحظات الأخرى.
والمأمورية الثالثة لصالح ولد عبد العزيز، لا خير فيها، لأنها ستتيح التلاعب مرة أخرى بالدستور، وستفرغ الديمقراطية الموريتانية من مضمونها، وستتيح لبعض أقارب الرئيس الحالي وبعض حلفائه من العسكر والمدنيين على السواء، المزيد من التلاعب المُغيظ، بمقدرات الدولة المعنوية، والمادية بوجه خاص.
إن موريتانيا مُقبلة على مرحلة فارقة تتطلب من الجميع، الحرص الشديد على سعة الصدر والباع والبعد عن العنف والمبادرات الفردية، غير المؤسسة، دينًا وأخلاقا وحكمة.
وما بين الحرص على المكاسب الديمقراطية والدستورية، مهما كانت نواقصها، وتبرير التلاعب بالدستور والخوض في مأمورية ثالثة مثيرة، سيجري الكثير من النقاش والإختلاف الحتمي المشروع، وأرجو من رئيسنا ونخبتنا وجيشنا وسائر المواطنين، أن لا نعبر إلى ضفة الخلاف السلبي والصدام الفعلي، الممهد للسير، نحو أفق قاتم من العنف اللامحسوب، لا قدر الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى