ولد بكار يكتب عن الظلم والمحسوبية والنهب والفوضى في ظل نظام ولدعبدالعزيز
الزمان انفو – نعيش هذه الأيام على وقْع فضائح مدوية وذات صيت سيّء تقشعر منه الأبدان:
ستة وزراء بطريقة استعجالية يوقعون عقد منح تراث وطني لصهر الرئيس،فقط لأنه صهر الرئيس، لا توجد أي ميزة أخرى، وهي نفس الميزة التي منحته امتيازات عالية في اسنيم من دون أي مؤهلات، في حين تغلق أبوابها في وجه الكفاءات بسبب صعوبة الولوج إليها في الإساس، ويعيش خريجو الجامعات الدولية الأكفاء من أبنائنا بطالة قاتلة تحرمهم من العيش الكريم في وطنهم. إننا لسنا بصدد صفقة مربحة أو غير مربحة “يا هذا ،يا وزيره”، بل عطية مِن مَن لا يملك لمن لا يستحق. هذه جريمة تاريخية وتبديد مال عمومي حتى عندما يقف أصحابها أمام العدالة، غدا أو بعد غد، فسيظل التاريخ يوبخهم كأسوأ نموذج لتولي المسؤولية على نحو غير أخلاقي ولا مسؤول. إنهم لن يفلتوا من عدالة الله وعدالة الشعب ومن نظرات التوبيخ ، كما أن عزيز -حتى لو ذهب لمنزله- فسوف يظل التاريخ يرمز له بالفساد وبعدم الوفاء للشعب الذي صوت عليه وهو لا يعرف عنه أيّ شيء، فقط لأنه وعدهم بالإصلاح ومحاربة الفساد والوطنية، وها هو -عكسا لكل ذلك- يأخذ مسارا مناقضا ومناهضا لكل تلك الوعود، وتنزل سياسته بالشعب إلى الحضيض، ويعاملهم بالاحتقار، ويفرض عليهم الفقر والمذلة والبطالة والجوع والعطش والخوف، بينما هو ومحيطه وأفراد أسرته أصبح كل واحد منهم أغنى من نظيره في القارة كلها. وها هو يمنح لكل موظف خدمه في الفساد أوسمة شرف ويخلده في الترقيات خاصة الذين خدموه في تحصيل المال بلا قلب وبلا رحمة مع الاستعداد للاستمرار في ذلك ولو بالمشي على جثث أهلهم. لقد عين وزيرا أولا للمرة الثانية مكافأة له على ما قدم لأجله من خدمات مطرودة من حسن التسيير ومن الشفافية، بعد صفقات التراضي الفاضحة في صوملك والرخص الصاخبة في وزارة النفط وتدمير اسنيم التي تركها جاثمة على ركبتيها تعاني من سكرات الإفلاس بسبب أعباء النهب في حين أن سعر الحديد اليوم يقبع بين سبعين وثمانين دولارا، وقد مرت عليها ٣٠ سنة وهي واقفة لا تخاف دركا ولا تخشى وسعر الحديد لا يكاد يصل ٣٠ دولارا. إنه في الحقيقة لم يكن هو من يسير مداخيلها، بل يتلقى الأوامر ويعمل بها مهما كان ذلك مضرا بالشركة، وهو اليوم يتلقى ثمن ذلك من بين كل الذين عملوا لخدمة النظام كوزير أول خارج سياقه السياسي (تكنوقراطية لمرحلة سياسية) وليتابع مسار العمل بالتعليمات ولو كانت مضرة في مرحلة تتطلب الإصلاح والتقويم، تماما مثل سابقه الذي تشهد عليهATTM -ENER وسونمكس والنفاذ الشامل وصفقات العلف وصفقة قصر المؤتمرات وشركة الأشغال العامة وغيرها. كما رشح وفرض برلمانيين من صنعه ووفق طموحه وتطلعاته سيروا ملفات خطيرة واستأثروا بها لأنفسهم في إطار علاقتهم به، وقد ظل ملف الهجرة غامضا: فهل هو لمحاربة الهجرة أم لتوطين المهاجرين مقابل أموال تؤخذ من الخارج، وفِي مقدمتهم رئيس البرلمان الحالي، كما حافظ على أُطر سيئين وزراء لا يملكون من الكفاءة إلا الجسارة على الشعب في دفاعهم الغبي عن الفساد، دفاعا من أقبح ما قيل في الدفاع، وكأن أصحابه ليس لهم ما يلتفتون إليه في ماضيهم ولا ما يتطلعون إليه في المستقبل لبلدهم وكأن التاريخ بالنسبة لهم هو حقبة عزيز، ولا يملكون من الإرادة أو المبادرة إلا ما يحطمون به الدولة أو يدافعون به عن تحطيمها أو ما يضاعفون به الضريبة ويقتلون به روح المبادرة ويحاصرون به المواطن والموظفين والمؤسسات والتجارة والصناعة، ومع ذلك هم أصحاب الكلمة الفصل والفعلة النافذة والاقتراح المقبول، لأنهم يراقبون خلجات سيدهم وعروتهم، ويسبقونه لطموحه، ويعرفون ما يدور في خلده. إنها البطانة الغافلة التي تعمل بما يلامس هوى سيدها وسيدتها. إنه زمن الرداءة لاشك، بل هي شهادة لشعب منطفئ، حيث لم يعد في البلد دور للكفاءات ولا للتخطيط ولا للبناء، كل ماهناك هم أربع مجموعات هي من يسير البلد :
– مجموعة للتحصيل،
– ومجموعة تحكم بأحكام ظالمة وجائرة،
-ومجموعة تنهب،
-ومجموعة تحرس هذا النظام بصفته هذه من دون تغيير أو تحريف مُكَونة من أبواق دعائية متنوعة وطواقم أمنية.
أما بقية الشعب والموظفين فهم ضحية هذا النظام، وقد تم ظلم الكثيرين منهم وحرمان الكثيرين وضياع الكثير من الفرص السياسة والاقتصادية على البلد. الكل على اطلاع من هذه الوضعية التي تحرجه من حيث الضمير وتزعجه وتقض مضجعه، وهي تتجه بالبلد إلى الهاوية، ويريدونها أن تتوقف. نعم، لابد لهذه السخرة أن تتوقف، لكنهم يفضلون توقفها عن طريق التناوب ولا يريدون الانتقام ، أو زوال النظام والإبقاء على نفس الوضعية ، أو تغيير في الأشخاص والإبقاء على نفس التوجهات والمضمون، لأن البلد في واقع حاله لا يتحمل ذلك: لا استمرار نفس النهج، ولا الفوضى أو الفشل أو ما يقرب منهما. ولا يوجد من يريد ذلك رغم الظلم والشقاء الذي فُرض على الشعب، ورغم الحرمان الذي فُرض على السياسيين المعارضين والهجرة التي فرضت على رجال الأعمال وعلى الشباب، فلا يوجد من يريد حبس البلد في دوامة ذلك المسار (تصفية الحسابات والحقد على الناس بسبب النجاح وحرمان الآخرين بسبب مواقفهم، ووو)، ولا يريدون ردة الفعل من جنس ذلك العمل. إن البلد، أكثر من ذلك، يواجه تحديات عميقة، وتتطلب حالته التعامل مع أولويات ملحة، ويحتاج لرؤية وطنية متوازنة تقدر حجم التحديات والمخاطر وتعترف بأهمية الانسجام والاستقرار . هذه هي وضعية البلد لا خلاف. إن العدو الحقيقي لهذا الشعب ذلك الذي يحاول الاعتراض على التناوب أو فرض خلف له. لا ولن يوجد استقرار إذا ما تم طعن تطلعاتنا نحو الديمقراطية والتناوب. ولا يوجد من يضمن الاستقرار في كنف هذه الممارسات. الشعب قد يصبر، لكنه أيضا قد يثور عندما تتجاوز الأمور حدود المعقول. لا يمكن للجنرالات ولا لأي قوة صده عندما يتمرد .
محمد محمود واد بكار
Plus