موقف الغرب من الربيع العربي يتجلی في غزو فرنسا لمالي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام علی رسول الله و بعد : قال تعالی ( ألم تر إلی الذين أوتوا نصيبا من الکتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت و يقولون للذين کفروا هؤلاء أهدی من الذين آمنو سبيلا أولئک الذين لعنهم الله و من يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) هذه الآية تشير إلی ما وقع من بعض اليهود أعماهم الطمع في استئصال المسلمين حتی قالوا للمشرکين
” إن عبادة الأصنام أرضی عند الله مما يدعو إليه محمد ، و أنتم أهدی سبيلا ” فهل لنا فيهم من عظة ؟! و الذي نفسي بيده إن الموت تحت جنازر الدبابات ونيران الطائرات و في غياهب السجون أرحم ألف مرة من عيش يوم واحد تحت حکم بغير ما أنزل الله نرتضيه ونتحاکم إليه . أود أن تکون هذه الکلمات واضحة بما يکفي للذين يتآمرون علی الشريعة في مالي المسلمة و يطبلون ترحيبا بمجيء عباد الصليب لهذه المنطقة من العالم الإسلامي بدءا بالأنظمة ومرورا بالجيوش وانتهاءا بالمنظمات التي تدعي أنها حقوقية و تدعوا للمشارکة الفعلية في قتال المسلمين . إن ما نشاهده اليوم من تواطؤ واضح و مفضوح مع هذه الدويلة الصليبية الحقيرة التي کانت تحتل أراضينا بالأمس إحتلالا مباشرا وظلت و لاتزال تحاول طمس هويتنا الإسلامية و نهب ثرواتنا وخيراتنا وزرع الفرقة و الشقاق بيننا، يدل علی أننا لم نستوعب الدرس بعد و أننا لم نستفد من الماضي و أن فينا من لا يزال مصرا علی محاربة الله و رسوله و المؤمنين . خليط من المتردية و النطيحة و ما أکل السبع ، صليبيون و حکام خونة و عقول مريضة ( ختم الله علی قلوبهم و علی سمعهم و علی أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم ). إختلاف يشرفنا : نؤمن بأن عز الأمة ونصرها لايکون إلا بالرجوع لدينها، و أن الحکم لله وحده و ليس للشعب، و أن ديننا و سنة نبينا فوق کل اعتبار، و أن تحکيم شرع الله سيظل مطلبا لا تنازل عنه تحت أي ظرف و في أي حال ، و أن الجهاد ماض إلی يوم القيامة بعز عزيز أو بذل ذليل، و أن المسلمين جميعا متساوون في الحقوق و الواجبات ، و أنه يجري علينا ما يجري علی إخواننا في العالم الإسلامي کله ، و نکفر بالحدود الدولية المصطنعة ، و نؤمن بأن الله وعدنا بالنصر . ونتشرف بأننا نخالف غيرنا من أبنائنا و أسيادهم ممن يری أن البعد عن الدين و إبعاده عن السياسة و الحکم بل و عن المجتمع هو السبيل الوحيد للرقي بالأمم و ازدهارها ، ونتشرف أيضا بأننا نخالفهم في تشجيع الفن ” الرقص و الغناء و غيره مما يخالف شرع الله ” ، و أننا نخالفهم في الإختلاط بين الرجال و النساء ، و نخالفهم في الحرية في التهجم علی المقدسات الدينية . لسنا کفرنسا الصليبية التي أساءت إلی النبي صلی الله عليه و سلم و منعت المسلمات فيها من ستر أنفسهن بالحجاب فأفعالها و أفعال غيرها من عباد الصليب في هذا الباب أکثر من أن تحصی فنحن لم ننسی تدنيس المصحف و لاهدم المساجد و لا کتابة آيات القرآن علی النساء اللاتي يمارسن البغاء ضمن مقاطع في أفلام يشرف عليها منتجون و ممثول معروفون وکبار في نظرهم، وتنشر في دور السنما في العالم. لم ننسی أذية الأقليات المسلمة من الروهينغيا و غيرهم عبر قتلهم و حرقهم و مطارتهم و هدم مساجدهم و حرق مکاتبهم و القضاء علی تراثهم بالقوة في محاولة لطمس ثقافتهم و القضاء علی دينهم من طرف من هم أخس و أحقر من فرنسا تحت أنظار العالم . الجهاد ماض إلی يوم القيامة : إن الذين يوجهون سهامهم المسمومة إلی أهل الجهاد يتناسون حقيقة عملية دل عليها القرآن في قوله تعالی ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة و من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما و ما لکم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال والنساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها و اجعل لنا من لدنک وليا و اجعل لنا من لدنک نصيرا الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله و الذين کفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن کيد الشيطان کان ضعيفا ) وسطرها المجاهدون علی الأرض عبر عملياتهم النوعية و انغماسهم المباشر في أعداء الدين طلبا لإحدی الحسنيين دون أدنی تفکير أورغبة في العودة و الرجوع . عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلی الله عليه وسلم يقول (( لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون علی الحق ظاهرين إلی يوم القيامة )) . رواه مسلم ولأن الجهاد ماض إلی إلی يوم القيامة ولأن أبناء أمتنا أيضا قد عرفوا بالتضحية والبطولة والإباء فإني أقول للذين يطبلون للغزاة لا تفرحوا کثيرا بمجيء الصليبيين و لا بما حققوه حتی الآن – إن کانوا حققوا شيئا أصلا – وذلک لجملة من الأسباب : أولا : لأن مدن الشمال المالي لم تسقط انتزاعا و إنما انسحب منها المجاهدون و أعلنوا ذلک قبل أن تدخلها فرنسا أصلا و توزعوا في جبال الصحراء استعدادا لحرب استنزاف طويلة ستطال فرنسا الصليبية و کل من تورط في هذه الحرب من قريب أو بعيد . ثانيا : لأنه عملا بقوله تعالی ( و ماکان المؤمنون لينفروا کافة فلولا نفر من کل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) و انطلاقا من تجارب سابقة و حروب ماضية مرت بالأمة فإن أهل الإيمان لايلقون بثقلهم في مکان واحد أبدا . و لهذا فإني أبشر الأمة المسلمة بأنه حتی لو ضربت فرنسا جبال الصحراء بالقنابل فسوتها بالأرض و وضعت في کل شبر من الصحراء جنديا من جنودها أو من جنود أذنابها ممن تورط معها في حربها الصليبية – ولن تستطيع ذلک- فإن لها يوما ستخرج فيه بإذن الله ذليلة راغمة تجر أذيال الخيبة والهزيمة بأيدي أسود الصحراء أو علی أيدي غيرهم تماما کما خرجت من أفغانستان، و أن ميدان المواجهة الحقيقي لم تعد فرنسا تتحکم فيه أو تحدده . و أود أن يکون ذلک واضحا للجميع و أما الخونة الذين يحاربون المشروع الإسلامي بالسجن و القتل فإني أسألهم هل يعجبکم حال بن علي عميل فرنسا الأول و راعي ديمقراطيتها المزعومة ؟! وهو الذي زج بالآلاف من شباب الأمة العامل داخل السجون وقتل آخرين و عذبهم و شردهم ظنا منه أنه بهذا سيقضي علی مطالبتهم بتحکيم الشريعة و التزامهم بالدين . هل يتمنی أحدکم أن يفر مثله ذليلا مذعورا حين لم يشفع له التاريخ و لم ترحمه الجغرافيا ورفضت فرنسا نفسها استقباله ؟! أم أنکم تفضلون نهاية کنهاية القذافي الذي ظن أنه سينجو بفعلته في بو سليم ؟! والذي قتل الفا و مائتين من الشباب المسلم العامل في يوم واحد و بدم بارد داخل سجنهم، و أسرف في السجن والتعذيب والقتل في أماکن أخری ظنا منه أنه بالقتل سيقضي علی أي صوت مطالب بتحکيم الشريعة. رحل القذافي وبن علي و علي صالح ومبارک فرعون مصر وربما يتبعهم غيرهم في القريب العاجل لأنهم لم يفهموا الدرس جيدا . درس کتبه الشباب المسلم بدمائه الزکية : قال تعالی ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضی نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا ) نعم إنه شباب الأمة المسلم شباب قال الشاعر عنهم : ملکنا هذه الدنيا قرونا * وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء * فما نسي الزمان و لا نسينا حملناها سيوفا لامعات * غداة الروع تأبی أن تلينا إذا خرجت من الأعماق يوما * رأيت الهول و الفتح المبينا و کنا حين يأخذنا ولي * بطغيان ندوس له الجبينا تفيض قلوبنا بالهدي بأسا * و ما نغضي عن الظلم الجفونا فشل ذريع و اصطياد في المياه العکرة : بعد أن فشلت فرنسا الصليبية في حصار المجاهدين داخل المدن وجرهم إلی المواجهة المباشرة غير المتکافئة في أماکن مفتوحة حيث تلاشو واختفو في أسلوب عسکري غريب أذهل الفرنسيين و أفقدهم صوابهم و أصبحوا يبحثون عن أشباح لايعرفون موقعهم و هل هم في الشمال أم في الجنوب و لاکم عددهم و عدتهم في صحراء شاسعة مترامية الأطراف خبروها جيدا و عرفوا مسالکها ومسالک غيرها في المنطقة عکس الغزاة الفرنسيين الغرباء . و للتغطية علی فشلهم والتأکيد علی عدائهم صبوا جام غضبهم علی التراث الإسلامي في تمبکتو فحرقوا بمعية أذنابهم کتبها الثمينة ومخطوطاتها الفريدة والقيمة التي حافظ عليها المجاهدون مع بداية الثورة هناک و حرسوها طيلة حکمهم و لم يکتفي الصليبيون بذلک بل قاموا بمعية أذنابهم بأعمال تصفية وحملات إبادة و نهب طالت السکان الأصليين في المنطقة من العرب والطوارق و الفلان وغيرهم من أهل الشمال عملا بسياسة فرق تسد – بعد سياسة الأرض المحروقة التي بدأوا بها غزوهم – و أملا في إحياء فتن تتخذ منها فرنسا مطية وسببا آخر لتحقيق أهدافها ومخططاتها الدنيئة مقدمة نفسها کمنقذ في حال نجاح مساعيها الإجرامية . ولکنهم سلکوا الطريق الخطأ و تجلی ذلک في أسلوبهم الفضوح واعتداءهم الممنهج و المنظم علی قبائل کان لها دورها المهم في نشر الإسلام في القارة ، و أخص بالذکر قبيلة ” فلان ” الذين يمثلون غالبية ساحقة في غرب إفريقيا و لهم دور أساسي و مهم في نشر الإسلام فيها، و هذا هو السبب الحقيقي وراء استهدافهم و معاقبتهم و الذي لا يعرفه الکثير من الناس أن هذه القبائل – الزنجية ظاهرا – بسبب اختلاطها ببقية الإخوة الأفارقة هو أنها عربية في الأصل تنتمي إلی الشرفاء و ذلک يعلمه مشايخ الفلان و شيوخ القبائل فيهم و نسابوهم وحتی الإنسان الفلاني العادي و في التاريخ الإسلامي أدلة تثبت ذلک بما لايدع مجالا للشک إضافة إلی ذلک فإنهم مجاهدون قديما وحديثا معروفون ببسالتهم و شدتهم في الحروب و أذکر هنا الآخ القائد الشهيد کما نحسبه و الله حسيبه ” عثمان صل ” الملقب بحسان الفلاني الذي استشهد في بداية دخول المجاهدين للمدن الأزوادية الکبری تقبله الله في الشهداء و أسکنه فسيح جناته . و رغم ذلک ظل الفلان مهمشون في کل هذه الدول قبل أن يعودوا بقوة إلی الساحة السياسية و منهم الرئيس السنغالي ماکي صل الذي اختار التخندق في صف الصليبيين عکس أجداده . أما القبائل العربية الأخری و الطوارق فلا أحتاج للحديث عنهم في هذه العجالة و عن ما عانوه و يعانوه حتی اليوم من ظلم فرنسا الصليبية و هم أيضا أقدر و أجدر برد الصاع عليها صاعين بإذن الله و قد برهنوا علی بسالتهم و قوتهم وثباتهم في المعارک و ولائهم لله و لرسوله و المؤمنين . حرب من نوع آخر : طالعتنا بعض المنظمات ” الحقوقية ” و أنا أتحفظ علی هذا التوصيف رغم احترامي للعمل الإنساني و تقديري لأهله و للعاملين فيه ، طالعونا ببيان ” سياسي ” غريب ! و لک أن تقول بيان حرب کأنه صادر عن وزارة الدفاع أو الداخلية أو قيادة الأرکان و ليته کان کذلک لأني لن أکلف نفسي ساعتها عناء التعليق عليه و لکنه ممن يفترض أنها منظمات حقوقية – أو قيل ذلک – و هو ما تکذبه نشاطاتها حيث تهجم البيان علی الدعوة السلفية المبارکة و دعا لمحاربتها و محاربة الحجاب الشرعي – تماما مثل ما تفعل فرنسا التي تمنع الحجاب – و لتشکيل لجان شعبية تقوم بما يسمونه الدفاع عن النفس ضد تسلل الوهابيين، کما دعا بيانهم الدولة للمشارکة المباشرة في الحرب الفرنسية في المنطقة و کل ذلک بدعوی الحفاظ علی المؤسسات الديمقراطية و العلمانية علی حد تعبيرهم، و عبر البيان عن شجبهم بقوة لخطب بعض المساجد الموريتانية التي قالوا إنها تعبر عن حجج ” الإرهاب ” و دعا بيانهم الموريتانيين للغناء و الرقص و غيره في إطار ما يسمونه ثقافة تتحررية مضادة ردا علی ما سموه ” المقبرة السلفية ” و رغم أني لا أميل إلی التعليق علی هؤلاء إلا أني في الحقيقة أشفق عليهم و أسأل الله تعالی لي و لهم الهداية و الرشاد . و أتمنی أن لايکون بيانهم هذا في إطار السباق القائم اليوم لإظهار الولاء للصليبيين و تحسين صورتهم – بعد ما انکشفت أطماعهم- طلبا لدريهمات و فتات زائل . و إنما نقلت کلامهم هنا لعل أحد علمائنا أو دعاتنا في داخل موريتانيا يلتقيهم و يحاورهم أو علی الأصح يعلمهم . و مع هذا فإني أقول لهم من باب النصح لا من باب التحجير علی الأفکار و مصادرتها ” إنکم تلعبون بالنار ” . أنصار الدين تعفو عن الجنود الماليين المحاربين وفرنسا وأذنابها يقتلون المدنيين المسالمين : لقد شاهد العالم کله کيف آخی المجاهدون بين مختلف شرائح المجتمع الأزوادي و حکموا الناس بالشريعة الإسلامية علی أساس من العدل و الإنصاف الذي ساوو فيه کل المسلمين دون تمييز و اتسعت عدالتهم و رأفتهم بالناس حتی شملت الجنود الماليين الذين کانوا يحاربونهم حيث تم العفو عنهم بعدما کانوا أسری لدی المجاهدين و تم إطلاق سراح قرابة الألف جندي خرجوا بالمئات علی شکل طوابير کبيرة تم تصويرها من طرف وسائل الإعلام المحلية والدولية بل و قابلتهم هذه الهيئات الإعلامية و کان ذلک بشفافية تامة و أسلوب حضاري راقي يعکس عدالة القضية و کرم أهلها فمنذ سيطرتهم علی الشمال وحتی تاريخ خروجهم لم يمنعوا أي صحفي من تغطية الأحداث أولا بأول و قد کانت تصلنا أخبارهم کما تصل العالم کله عکس ما تقوم به دويلة المخنثين الصليبية من منع للصحفيين قصد إبعادهم لإخفاء جرائمها . بعد دولي حقيقي و هام ” تحکيم شرع الله ” : منذ إنطلاق شرارة الثورات المبارکة ظهرت قوة سياسية عجيبة جديدة تماما علی الساحة الإسلامية و أثبتت هذه القوة فاعليتها و قدرتها علی التغيير حيث اقتلعت أنظمة بجذورها ما کان أحد يحلم بسقوطها سريعا بهذه الطريقة و لأن سقوط هذه الأنظمة في يد من يصنفهم الکفار بأنهم ” أعداء ” يهدد بسقوط أوروبا و أمريکا و غيرهما و بتغير موازين القوی الدولية تماما ، فإنهم تعاملوا مع هذا الوافد الجديد بذکاء بالغ يعکس مستوی خوفهم و حذرهم من نتائج هذه الثورات . و لهذا السبب بالذات تحزبوا ضد الثورة الإسلامية الخالصة في مالي و سخروا کل إمکانياتهم للقضاء عليها قبل أن تکون مثالا يحتذی به في دول أخری حتی يجعلوها عبرة لمن يعتبر ، و ليکون في ذلک رسالة واضحة لأي دولة تريد الخروج عن سلطانهم و قوانينهم و أنظمة حکمهم إلی شرع الله عز وجل . ثورة مخنوقة : عندما تفطن عباد الصليب لقضية الثورة وخطرها عليهم و أنها قد تعيد المسلمين إلی سابق عهدهم و قوتهم ، قرروا في خطة خبيثة و ماکرة خنقها حتی تخور قواها ثم الإجهاز عليها و قتلها بعد ذلک و هذا هو ما يحدث الآن تماما . فعندما اکتشفوا أن طابع الثورات العربية طابع إسلامي و تجلی لهم ذلک في الفوز الساحق للإسلاميين في الإنتخابات – مع التنبيه أن قسما کبيرا في الصحوة لايشارک في الإقتراع أصلا – و أن المسلمين سئموا و ملوا من التبعية للغرب و اتضح لهم الکثير من مشاريعه التي قسمت المسلمين – بعد الکيد للخلافة بالمکر و الخديعة و الجاسوسية – إلی دويلات و من دويلات إلی أحزاب و من أحزاب إلی تشکيلات وزرعت بينهم الضغائن و الأحقاد و نشرت فيهم الفواحش و الرذيلة و ألهتهم بالغناء و الإختلاط داخل مدارس و مراکز التعليم و حاربت لغة القرآن العربية و کل ذلک لمنع المسلمين من أسباب قوتهم الحقيقية و هي الرجوع إلی دينهم و سنة نبيهم ووحدة صفهم . عندما اکتشفوا أن طابع الثورات کذلک قرروا منحها لجماعة الإخوان المسلمين و اختاروا هذه الجماعة کبديل لابد منه – مکره أخاک لا بطل – هو أقرب للتوازن في نظرهم علی أن يتم شل الإخوان عبر مجموعة من الإتفاقيات و القوانين التي کانت موجودة أصلا خلال حکم الأنظمة السابقة ، إضافة إلی ذلک فإن منهج الإخوان يتبنی أصلا الديمقراطية و يحترم مايسمی بالقوانين و المواثيق الدولية الجائرة ، ويعتمد حاکمية الشعب و مستوی التمثيل کمبدئ إلزامي للفصل في الحکم بين الناس ” حتی و لو خالف ذلک الشرع ” و مع أن هذا المبدأ ظلم عظيم إلا أن کل ذلک لم يشفع لهم لسبب بسيط ” هو أنهم من أبناء الصحوة الإسلامية ” فظل شکل آخر من الإرهاب الفکري حاضرا و مدعوما بقوة من من الغرب الصليبي بهدف خنق الثورة تمهيدا للإجهاز عليها و قتلها و تجلی ذلک في عامل النسخة المحدثة من الأنظمة القديمة مثل ما يسمی بجبهة الإنقاذ في مصر و أشکالها في تونس و غيرها . و قد تحيرت سابقا عندما علمت کيف أن جماعة إسلامية تحکم بهذه البساطة دولة مهمة کمصر بما فيها من القوة و الکفاءات و الأهم من ذلک کله قربها من الکيان الإسرائيلي اليهودي الغاصب الذي يقع علی مرمی حجر منها ، ولکن لما تأملت أکثر وجدت أن المساکين لايحکمون مصر فعلا و لا تونس و إنما هم صورة رمزية لا حياة فيها مکبلة تماما ، و تجلی ذلک في قول بعض قادة الإخوان بأن ما حدث لا يتعدی کونه انتفاضة فقط و لکنني أخالفم الرأي بالقول إنها کانت ثورة حقيقية غير أنها تحتاج تضحية و مصابرة و فهما و استيعابا لحقيقة الأعداء ، و لا أظن أحدا فهم ذلک بقدر ما فهمه الإخوة في سوريا . الإجهاز علی الثورة وقتلها : تتابع المکر و الکيد بالمسلمين و توالت محاولات التنغيص عليهم و حرمانهم من الفرح بما حققوه عبر الثورات المبارکة ، وساهمت أخطاء فاحشة و خطيرة في عدم نجاح تجربتهم منها علی سبيل المثال دخولهم تحت راية عمية جاهلية و عدم إصرارهم و صبرهم إبتداءا علی تحکيم شرع الله و الکفر بغيره من القوانين و الأنظمة الطاغوتية . و قد نجح الکفار في مصر و تونس وليبيا إلی حد کبير في حصار مکاسب الثورة و تقدموا في مشروع القضاء عليها و قتلها بالمکر و الکيد . و الأحداث الأخيرة و الإضطرابات أکبر دليل علی ذلک مع العلم أن زوال أنظمة لا تکفر بالطاغوت و لا تحکم شرع الله أمر غير مأسوف عليه . نصيحة للمسلمين في سوريا و العراق : بناءا علی ما تقدم فإني أنصح المسلمين في سوريا و العراق بلزوم الراية الواضحة و الإلتفاف حول أولياء الله الذين همهم و هدفهم الواضح و المعلن هو نصرة المسلمين، و إعادتهم إلی محل الصدارة و الريادة، و جهاد أعداء الدين، و نشر القسط و العدل بتحکيم شرع الله ، فنصر الله الدولة و النصرة و المسلمين عموما و لعل هاتان الثورتانا بطبيعتهما الخاصة تمثلان تصديقا للحديث الذي فيه إخبار بحصار العراق و الشام کعلامة لظهور خلافة راشدة علی منهاج النبوة نسأل الله أن نکون من جنودها، ففي صحيح مسلم عن أبي نضرة ؛ قال : کنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال : يوشک أهل العراق ألا يجبی إليهم قفيز و لا درهم .قلنا : من أين ذاک ؟ قال : من قبل العجم يمنعون ذاک . ثم قال : يوشک أهل الشام أن لايجبی إليهم دينار و لا مدي . قلنا من آين ذاک ؟ قال : من قبل الروم . ثم سکت هنية ، ثم قال : قال رسول الله صلی الله عليه و سلم : (( يکون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا . لايعده عدا )) . قوة المسلمين : قال تعالی ( محمد رسول الله و الذين معه أشداء علی الکفار رحماء بينهم تراهم رکعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلک مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل کزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوی علی سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الکفار و عد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما ) . إن قوة المسلمين الحقيقية هي في دينهم الذي يأمرهم بإخلاص العبادة لله عز و جل و الوقوف صفا واحدا في وجه الشرک و الکفر و أهله و لا يکون ذلک إلا بتحقيق معنی لاإله إلا الله و العمل بمقتضاها . أما قوتهم المادية علی الأرض و دفاعاتهم ضد أعدائهم فأکثر من أن تحصی و يکفيک منها أن تعلم أن المحرک الحقيقي الأبرز لإقتصادات العالم کله بالدرجة الأولی هو مال المسلمين و نفطهم و غير ذلک من ثرواتهم الطبيعية المنهوبة کالغاز و الذهب و الحديد و اليورانيوم و غيره . و أن توقف هذا النهب المنظم لأسبوع واحد إلی شهر ، کفيل لوحده بإعلان إفلاس الدول الغربية المنهارة اقتصاديا بفعل ما يحاولون إقناع الناس بأنه أزمة ديون سيادية . و سأحاول أن أخص هذا الموضوع ببحث مستقل إن تيسر لي ذلک . و في الختام : فإني أدعو المسلمين جميعا إلی الرجوع إلی دينهم علی أساس من فهم السلف الصالح و القرون المزکاة و أن يستفيقوا من غفوتهم و يقفوا صفا واحدا ضد عدوهم ” عدو الأمس و اليوم ” الذي کان و لا زال يستهدفهم بالحملات الصليبية المتلاحقة – المباشرة و غير المباشرة – تحت ذرائع وحجج ساقطة متغيرة بتغير الزمان و المکان ، و أن يحدث کل منا نفسه بالغزو و يحدث أهله بالغزو و يحدث جيرانه بالغزو لإرهاب أعداء الله و استنقاذ المستضعفين ، قال تعالی ( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوکم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليکم و أنتم لا تظلمون ) و لابد من العمل علی أسباب ذلک المعينة عليه من العلم و العمل بشقيهما الديني و المادي لکي نکون قادرين علی النهوض بأمتنا وتحقيق دعوتنا فنحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلی عبادة رب العباد و من ضيق الدنيا إلی سعتها و من جور الأديان إلی عدل الإسلام .
کتبه الأسير أبو أيوب المهدي أحمد سالم بن الحسن محکوم عليه بخمس سنوات لمحاولته اللحاق بالجهاد في العراق قضی منها ثلاثة إلا قليلا .