بلعمش يكتب في تأبين الراحل الشيخ المختار
الزمان انفو –
بهدوء طبعه رحل فاكرموه بتبسيط توديعه –
كان الشيخ ولد حرمه رحمه الله، عقلا علميا ففشل في فهمنا بسبب تحدينا للعلم و المنطق و تبلدنا في التعاطي مع نواميس البقاء..
كان عقلا اجتماعيا، ففشل في فهمنا بسبب ردود فعلنا المبجلة لكل من يحتقرنا و يذلنا و يستغل جهلتنا لتكذيب تاريخ أمجادنا..
كان عقلا دينيا فحار بين ما نقوله و ما نفعله : كان في تصوفه الاجتماعي قبل الديني، شرود ذهن من لا يريد أن يعود..
كل عبقرية الراحل الشيخ ولد حرمه .. كل مهاراته الفذة .. كل ثورته المكبوتة المعرية لحقيقته المكبلة بتعاليم تربيته الدينية و الاجتماعية الصارمة ، تعرت كلها حين مارس الكتابة..
كانت الكتابة باعه المقموع و قدره الكاشف عن حقيقته ؛ إن مارسه قتل و إن تنكر له مات ..
ما كان يعرف كيف يحافظ على توازنه الاجتماعي حين يكتب ولا يبالي بما تخلق له أفكاره الجريئة من انعكاسات سياسية..
كانت الممارسة الوحيدة التي يجد فيها ذاته و التي حرمته الالتزامات الوظيفية و الاجتماعية من التفرغ لها..
ما كان يعرف كيف يهادن الأباطيل أو يعقد صلحا مع الأكاذيب حين يكتب
ما كان يهمه حين يكتب سوى أن يقذف شحنته بما فيها من حقائق صادمة و وجع إبداعي..
و فقط حين يكتب، كان يظهر كنسخة متطورة من والده رحمهما الله، مع اختلاف الزمن و المحيط و المفاهيم ، في شجاعته و تحديه للعالم أجمع .. في وفائه للحقيقة مهما كلفت و في عدم الاكتراث بما تصنع له من أعداء..
لم يكن في جسارته تكلف رغم هدوء طباعه و لين جانبه كما لو كان يؤسس قواعد فن التلازم الإبداعي.
و لأنه صادق حد الصفاء، صدق بطيبة نفس، أكاذيب ولد عبد العزيز متجاوزا اسباب استحالة صدقها ، رفضا للرجم بالغيب و نأى بنفسه بخجل الكرام و إيباء الشجعان ، حين تأكد له زيف مشروعه و سوء نواياه.
لقد حدثني أكثر من مرة عن خيبة أمله بشجاعة من يعترف بأخطائه و تواضع من يعرف كيف يراجع و يحاسب نفسه
و كلمني في أكثر من مرة بنبرة وداع مريرة ( و كان يفهمني لا أدري كيف ، أنه يخصني جدا بما يقوله لي) أنه يتألم لما يحدث في موريتانيا ، لا بسبب تعقيد ظروفها الاقتصادية و إنما بسبب انحراف نخبها و شذوذ الممارسات السياسية فيها و انزلاق هذا المجتمع البدوي المحافظ في هاوية مدنية مجنونة في ظروف فقر مزرية لا تساهم في ضبط إيقاع الانضباط الاجتماعي..
كان حزينا على حال موريتانيا حد اليأس، متحفظا في استخدام النعوت إيمانا بأن لا يأس مع الله..
رحم الله الشيخ ولد حرمة كان كريم الطبع أبي النفس، دمث الأخلاق : كان إذا حدث أصدق و إذا وعد أنجز و إذا أؤتمن صان العهد..
كان رحمه الله، ظاهرة اجتماعية في تواضعه ، في ابتسامته الوديعة، في احترامه لآراء الآخرين حتى لو كانت على أسفل سلم الاستهجان..
رحل الشيخ ولد حرمه إلى عالم تسكنه روحه من زمن بعيد إيمانا و احتسابا و تصوفا، ليترك عالما عاش بين تناثر أكاذيبه غريبا ..
كان يعرف كيف يكذب على نفسه في الحكم على الآخرين و يرفض أن يكذب على الآخرين في سوى الحكم على نفسه..
لقد خانته الظروف و خانته المعارف و خانته الإخوة و كان يكفيه فخرا و شرفا أنه رغم كل ذلك لم يخن سوى محاسبة من يخونه..
اللهم ارحمه و اغفر له و تجاوز عنه و اسكنه فسيح جناتك مع الشهداء و الصالحين.
سيدي علي بلعمش