في الاستراتيجية/عباس ابراهام
الزمان انفو –
إلى حدِّ الآن لم نفهَم ما جرى في حراك المأموريّة الثالثة في يناير الحالي. إلى الآن لا يوجد حتّى اسمٌ صحفي لتلك الأحداث الغامضة (صفة “الحراك الصُّهيْبي” ليست جديّة، علاوة على أنّها اختزاليّة وقدحيّة). والسبب يعود إلى عجز الصحافة الوطنيّة عن استكناه ما يدور ليس فقط في أروقة السلطة، بل وحتّى في كواليس المجتمع.
دافعتُ عن نظريَتيْن هما: ١- أنّنا كنّا بصدد بالون اختبار أوْ محاولة تغنّج سلطوي ٢-أن صراعاً شبّ داخِل مكوِّنات النظام انتهى بانتصَار قوى التناوب على قوى التمديد (ربّما بفعل قوى غير مرئيّة، ولكن فعّالة). لكن لا توجد بلورة ميدانيّة.
لم تعد توجَدُ لدى المعارضة، ولا الموالاة، قُدرة دقيقة على قراءة الوضع. وقد أدّى اعتماد المعارضة على التحليل غير المحترِف إلى إخفاقات بيّنة في استراتيجيات صناعة الخطاب وفي قراءة الأحداث ثم في الأداء السياسي في قضيّة “اطويلة” و”الرحيل” وانتخابات ٢٠١٣ و٢٠١٤ واستفتاء ٢٠١٧ وانتخابات ٢٠١٨. توجد “مكاتِب دراسات” أو خلايا تفكير لدى بعض المعارضة ولكنّ المادّة التي تُقدِّم هي غالباً مادّة مهلهلة وغير محترِفة، علاوة على أنّه لا توجد طريقة لتسليسِها في نظام اتخاذ القرارات الحِزبيّة. وكتابة الرأي في البلد اليوم لا تُنير الفاعِل السياسي وتقوم عليها غالباً نخبة خرقاء (حتّى لا نقول أسوأ).
جزءٌ كبير من التغيير في ٢٠١٩ سيعتمِد على قراءة أحداث يناير ٢٠١٩ قراءةً صحيحة. فما بدا أنّه معجِزة التغيير في الكونغو الدِّيمقراطيّة يتبيّن قُدُماً أنّه اتفاق تقاسُم سلطة ما بين النظام القديم والمعارضة التاريخيّة ضدّ قوى من النظام والقوّة الثالِثة غير المُصنّفة. المعارضة اليوم ماضيّة في سياسة المُغالبة. هذا جيّد. ولكن ماذا عن سياسة الاتفاقات التاريخيّة؟ أنا مع المغالبة ولكنّ مكانتي ليست رهناً بأية إبل. ويمكنني- وأعتزِم حتّى- أنْ أعيش بقيّة عُمري معارِضاً. ولكن ماذا عن القوى المسؤولة؟ ماذا عن البراغماتيّة؟ لا بدّ من تفكير استراتيجي عميق.
إنّ انفجار الأغلبيّة كما اختراق المعارضة من قبل قوى ريْعيّة ليكسر ثنائية المعارضة والموالاة. ثمّ إنّ تحالف المعارضة اليوم هو تحالُف ضدّ تمكين ذاتِه (وهو بالأغلب اتفاق على تأميرِ الغير). كلّ هذه الأشياء تتطلّب أياماً تفكيرية في الاستراتيجية. التفكير أوّلاً ثمّ الصراخ ثانياً.