اعلام موريتانيا يفتح نافذة على التمرد الاسلامي في الصحراء
نواكشوط ـ من لوران بريور: بعد فترة قصيرة من اجتياح مسلحين ينتمون للقاعدة لمحطة غاز عملاقة في قلب الصحراء الجزائرية الشهر الماضي واحتجازهم لمئات العاملين كرهائن فتح قائدهم هاتفه المحمول الذي يعمل بالأقمار الصناعية ليتصل بصحافي على بعد الاف الأميال. قال محمد محمود ولد أبو المعالي رئيس تحرير وكالة نواكشوط للأنباء (ونا) وهي موقع اخباري الكتروني في العاصمة الموريتانية على الساحل الغربي الأفريقي المطل على المحيط الأطلسي ‘قال لي..أنا أبو البراء وهذا رقمي. اتصل بي وقتما تريد. ‘بعد ذلك تحدثنا مرارا’.
ودفعت الأخبار الحصرية التي نشرها أبو المعالي عما يحدث داخل منشأة إن أميناس للغاز ومن بينها مطالب المهاجمين بوقف الغارات الجوية الفرنسية على المتمردين الاسلاميين في مالي المجاورة الصحف ومحطات التلفزيون الأجنبية الى الاعتماد بشدة على ونا خلال أسوأ عملية احتجاز رهائن في السنوات القليلة الماضية. وأبرزت قدرته على الاتصال بالخاطفين بحرية كيف تفتح وسائل الاعلام الموريتانية ومن بينها موقعا صحراء ميديا والأخبار المنافسان الرئيسيان لوكالة ونا نافذة على العالم الغامض للجماعات الاسلامية التي تعمل في الصحراء الواسعة التي يغيب عنها القانون. ومنذ فترة طويلة تكافح موريتانيا الواقعة في الطرف الغربي للصحراء ولها حدود مع مالي والجزائر تهديدا اسلاميا داخل أراضيها. ومساحة موريتانيا هي ضعف مساحة فرنسا ولا يزيد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة وخلال العقد الأخير تسلل إلى اراضيها الصحراوية متشددون قتلوا العشرات من جنودها وأربعة فرنسيين. وأصبح الصحافيون الموريتانيون الذين يشتركون مع الجهاديين الصحراويين في اللغة والدين وأحيانا ينتمون لنفس القبيلة القناة التي ينقل من خلالها الجهاديون رسالتهم إلى العالم. ومن مزايا وسائل الاعلام الموريتانية أنها تصدر باللغتين العربية والفرنسية مما يتيح للأخبار أن تتنقل مباشرة إلى غرب أوروبا. كما أنها تعتبر من بين أكثر وسائل الاعلام في المنطقة استقلالا ونشاطا. ومنذ الانقلاب العسكري عام 2005 قطعت موريتانيا خطوات واسعة على طريق حرية الصحافة وتتفوق كثيرا عن الجزائر في هذا المجال حاليا. وتقول منظمة مراسلون بلا حدود إن موريتانيا تتمتع بأكبر قدر من حرية الصحافة في العالم العربي. وبينما فر صحافيون آخرون بعد أن استولى الاسلاميون على السلطة في شمال مالي احتفظت صحراء ميديا بمراسل في مدينة تمبكتو القديمة ليوثق كيف فرض تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي تفسيرا متشددا للشريعة الاسلامية. ويقول أبو المعالي ‘ينظر إلى الصحافة الموريتانية باعتبارها أكثر انفتاحا واستقلالية من الصحافيين في البلدان المجاورة.’ وأضاف ‘أعضاء هذه الجماعات رأوني وأنا أتحدث. كان باستطاعتهم أن يسمعوني وأنا أقدم التقارير في الاذاعة أو يقرأوا مقالاتي. من هنا كان اتصالهم بي.’ وبالنسبة للمتشددين الذين يعملون في مناطق صحراوية نائية فإن الاتصال بمنبر اعلامي وسيلة أسرع لتوصيل رسالتهم من محاولة تحميل بيان أو شريط فيديو على الانترنت. وقال آرون زيلين الزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني الذي يدير موقع (جهادولوجي.نت) لمراقبة أنشطة الاسلاميين على الانترنت ‘المنتديات الجهادية المعتادة تحتاج كلمة سر لذا عليك أن تعرفها كي تتمكن من استخدامها… استخدام وسائل الاعلام الموريتانية يتيح الوصول إلى جمهور أكبر بكثير’. ونشرت المواقع الموريتانية المتنافسة الثلاثة سلسلة من البيانات وشرائط الفيديو الخاصة باسلاميين مرتبطين بالقاعدة تعلن عن خطف واعدام أجانب لتصبح جزءا رئيسيا من الاستراتيجية الاعلامية للتنظيم. وحتى جماعة بوكو حرام المتشددة في شمال نيجيريا استخدمت الاعلام الموريتاني لنشر شرائط فيديو. يقول محمد فال ولد عمير رئيس تحرير صحيفة ‘لا تريبون’ الأسبوعية ‘كل هذه الجماعات الجهادية المسلحة لديها متحدثون موريتانيون’. وأضاف عمير ‘يعمل لدى وسائل الاعلام هذه صحافيون من المرابطين الذين درسوا الدين أحيانا مع نفس الرجال الذين تحولوا إلى جهاديين ويقاتلون حاليا في شمال مالي’ مشيرا إلى قبائل يقودها المرابطون وهم رجال دين يلقون الاحترام في غرب افريقيا. واجتذبت اتصالات وكالة ونا بالجهاديين معظم الاهتمام ودار حولها جدل أيضا. فبعد هجوم حقل الغاز الذي قتل فيه 38 رهينة و29 متشددا انتقدت صحيفة ‘الوطن’ الجزائرية المستقلة التي أفلت رئيس تحريرها مرتين من محاولتي اغتيال على يد متشددين اسلاميين وكالة ونا ووصفتها بانها ‘قناة متميزة للدعاية الارهابية’. ويقر أبو المعالي بوضعه الفريد. فهو من بين حفنة صحافيين التقوا بأكبر قيادي للقاعدة في أفريقيا مختار بلمختار الجزائري الجنسية الذي أسس كتيبة الملثمين التي نفذت الهجوم على إن اميناس. وكان أول اتصال له مع بلمختار عام 2011 عن طريق البريد الالكتروني والاتصالات الهاتفية ونشر مقابلة طويلة كشف فيها بلمختار أن الأسلحة التي خرجت من ليبيا بعد سقوط الزعيم الراحل معمر القذافي تغذي الجهاد في الصحراء الان. ثم في العام الماضي رتب أبو المعالي اجتماعا مع بلمختار من خلال صلاته مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في مالي. انتظر أسبوعين قبل استدعائه إلى بلدة جاو في شمال مالي التي كانت تحت سيطرة الاسلاميين في ذلك الوقت قبل ان تستعيد قوات مالي وفرنسا السيطرة عليها هي ومدينة تمبكتو. وقال أبو المعالي ‘عندما التقيت بلمختار في جاو لم أنشر المقابلة لكن عرفت الكثير عنه وعن جماعته وكيف يعملون’. وأضاف ‘رأيت رجلا هادئا..للغاية يستمع كثيرا ويتحدث بصوت خفيض. التقيته لمدة ساعتين لم يتحرك خلالها تقريبا من مقعده طيلة المناقشة’. وقدمت الأخبار الحصرية التي نشرتها ونا خلال احتجاز الرهائن في الجزائر أدلة محيرة عن صلات مباشرة بين الملثمين والقاعدة. وكررت الكتيبة نفس المطالب الرئيسية للقيادة المركزية للقاعدة المتمثلة في الافراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن المصري الجنسية المحتجز في السجون الأمريكية لدوره في هجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993 وطبيبة الأعصاب الباكستانية عافية صديقي التي ترتبط بصلة قرابة مع خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 أيلول (سبتمبر). واستدعت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية التي تشرف على وسائل الاعلام الموريتانية أبو المعالي واتهمته بالاضرار بعلاقات موريتانيا مع الجزائر. ودافع عن نفسه قائلا انه رفض طلب الاسلاميين التحدث على الهواء في الاذاعة أو في بث مناشدات حية من رهائنهم كما فعلت وسائل اعلام أخرى ومن بينها قناتي ‘فرنسا ’24 و’الجزيرة’. كما رفض نشر مناشدة الخاطفين للجيش الجزائري بعدم مهاجمة مسلمين. وأضاف ‘طلبت منهم أن يبلغوني رسالتهم وقلت لهم اننا سننشرها في سياقها… بالنسبة لي الأمر بسيط أنا صحافي مستقل’. (رويترز)