هويتنا بين التراث والعولمة…؟؟/ تربة بنت عمار
لقد حاولنا تحت هذا العنوان أن نطرح قضية حساسة وذات صلة كبرى بذواتنا,وما نعيشه من حاضر ونواجهه من مستقبل …!وهنا سوف نقدم بعض الإشكالات بصيغة تساؤلات,أردناها أن تساهم في إنارة هذه الجوانب ذات البعد الفكري العميق,ونظرا لكوننا لا ندعى الرصانة العلمية,ولا التأطير المنهجي,لكن أضعف الإيمان هو أن نتساءل أين نحن من طوفان العولمة؟ وكيف نستطيع أ ن نبرز معالم هويتنا بين مخزوننا التراثى وغزو العولمة لنا؟ .
لكي نرسم حدودا لاتقوقعنا في زنزانة ماض أصبح يستحيل العيش فيه, وبين حاضر فرضته آليات العولمة ((إن العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية في التصادم والتنافر والصراع إذ تسعى العولمة إلي خلق وحدة ومنظومة متكاملة ,في حين تدافع الهوية عن التنوع والتعدد , كمانجد العولمة تهدف إلي القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة, بينما الهوية تسعي إلي الإعتراف بعالم الأختلاف وترفض الذوبان )). وفي بعض تعريفات العلاقة بينهما: ((يأخذ مفهوم الهوية علي الغالب دور الطريدة بينما يأخذ مفهوم العولمة دور الصياد , فالعولمة تطارد الهوية وتلاحقها وتحاصرها وتجهز عليها ثم تتغذى بها,وفي دائر ة هذه المطاردة تعاند الهوية أسباب الذوبان والفناء وتحتد في طلب الأمن والأمان , وتتشبث بالوجود والديمومة والاستمرار ))
. وانطلاقا من هذه المطاردة القائمة بين الهوية والعولمة يجب أن نحدد المنهج الذي ينبغي العمل به لكي لاتصير هويتنا الحضارية وإرثنا الثقافي من نصيب اصطياد العولمة , وهنا يجب أن نعود قليلا لنفكك قدسية التراث , الذي هو الرصيد الأساسي والمكون الأول لجوهر الهوية , وعند إذ نستطيع أن نحصن ذواتنا بتراث نقي غير مثقل بالتراكمات والتجارب البشرية التي أصبح جزء منها منتهي الصلاحية …!
من خلال طرح هذا الأشكال الأخير يقتضي السياق توضيح الفكرة،وما المقصود بالتراث المقدس لنا كأمة ذات جذور دينية قوية،وما المقصود بالتراث المنتهي الصلاحية ؟ فلكي لا نظل أمة تبكي علي أطلال درست وخلت من أهلها والآخر يغزوا الفضاء ويبتكر أحدث التقنيات…!
وهنا يجب أن نفرق بين التراث الديني وغيره من التجارب البشرية الأخرى، وفي هذا السياق يقول محمد عابد الجابري ” تراثنا قد يكفينا في ميدان الروحي الديني،عقيدة وشريعة،إذا نحن عرفنا كيف نمارس التجديد بالصورة التي تتناسب مع واقع عصرنا “
(حوار المشرق والمغرب حسن حنفي والجابري ص:75 )
وقد كان هذا المجال ميدانا تبارى فيه جيل من العلماء والمفكرين,نحى بعضهم منهج الشطط في نقد التراث برمته , مثل :طه حسين وعبد الله أركون ونصر أبو زيد,وقد ظل هذا التيار محدود التأثير يعمل في دوائر ضيقة,بينما انتهج غالبية العلماء والمفكرين منهج الاعتدال والتفريق بين مكونات التراث,وقد تبنى هذا الاتجاه غالبية المثقفين,وقد تزعمه محمد الغزالي وبلتاجي وغيرهم,وكان منهجهم الفقه المعتدل المستنير.
وقد فرق د. عماد الراعوشي بينهما بقوله : “التراث الإسلامي مصطلح شامل يتسع لكل ماله علاقة بالإسلام من نصوص القرآن والسنة النبوية واجتهادات العلماء السابقين في فهم هذه النصوص وتطبيقها علي الواقع , وقد حصل خلاف حول ما إذا كان التراث دينا مقدسا يجب الالتزام به,أو نصوصا واجتهادات مرتبطة بأزمانها وأماكنها الغابرة , تعامل علي أنها تاريخ ينقل لنا تجربة بشرية قابلة للنقد والتعديل والتطوير بما يتناسب مع الزمان والمكان والظروف الخاصة بكل عصر…”.
وبما أن عملية التجديد نحن في أمس الحاجة إليها لكي لا تلتهمنا أمواج العولمة, حيث يقول الجابري أيضا:
” إذا استطعنا أن نتحرر من تأثير سياسة الماضي في رؤانا واستشراقاتنا,واتجهنا بالتالي نحو قضايا الحاضر والمستقبل , نواجهها بروح نقدية تصدر عن اعتبار المقاصد والغايات, فإننا نستطيع فعلا أن نكتفي بتراثنا في هذا المجال , مجال العقيدة والشريعة, لأن تراثنا في هذه الحالة سيغدو ليس فقط ما تركه لنا الأجداد من اجتهادات , بل أيضا ما اهتدينا إليه نحن من حلول لنوازل الحاضر والمستقبل , وبذالك يصبح تراثنا يضم اجتهادات الحاضر إلي جانب اجتهادات الماضي, هذا النوع من الاجتهاد الذي يرتبط فيه الحاضر بالماضي ويتجاوزه هو المضمون الحقيقي لمفهوم التجديد في الإسلام , وما عدا ذالك من تجارب بشرية جزء من تراث الإنسانية ” (الجابري حوار المشرق والمغرب ص:73).
هذا بالنسبة للتراث الديني,أما التراث الثقافي فإنه بحاجة لعملية غربلة وتنقية في مواجهة تحديات العصر,لكي نستطيع الحفاظ علي هويتنا الثقافية,وخصوصيتنا الدينية في وجه طوفان العولمة …!!
يتواصل ……