حول القمة العربية بتونس / إسلمو ولد سيدي أحمد
الزمان انفو –
عُقِدت القمة يوم 31 مارس/ آذار 2019م، في الدورة العادية الثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية، تحت شعار: “قمة العزم والتضامن”.
مع أنني عودتُ القراء الكرام على استباق انعقاد بعض القمم العربية بمقالات تعطي تصورا عن تطلعات المواطن العربي وما ينتظره من القمة، فقد فضلتُ هذه المرة أن أبني وجهة نظري على مُخرَجات أعمال القمة (من مقالاتي السابقة-على سبيل المثال- مقال، بعنوان: “العمل العربي المشترك على المحكّ”، منشور إلكترونيًّا).
لقد تابعتُ باهتمام ما تضمنته كلمات رؤساء الوفود، وقرأت البيان الختامي الصادر عن القمة، ومن أهم ما جاء فيه:
مركزية القضية الفلسطينية، أهمية السلام في الشرق الأوسط والتمسك بمبادرة السلام التي تبنتها قمة بيروت في العام 2002م، عدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بطلان الإعلان الأمريكي الذي صدر بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية، تجديد التضامن مع لبنان في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، الحرص على أمن العراق واستقراره ووحدة أراضيه، دعم المؤسسات الشرعية الليبية، التضامن مع جمهورية السودان، دعم جمهورية الصومال، تكريس الجهود اللازمة للقضاء على الإرهاب وإدانة محاولات الربط بين الإرهاب والإسلام..
مع أنّ هذا البيان لا يختلف كثيرا عن بيانات القمم العربية السابقة، فإن الأمر يتوقف على اتخاذ الإجراءات اللازمة لحلحلة الوضع العربي القائم الذي لا يسر أحدًا.
بصرف النظر عن توقعات المواطن العربي من القمة وما يعلقه من آمال على القرارات الصادرة عنها، فإننا سنتوقف عند الدلالات اللغوية لهذا الشعار بغية الربط بينه وبين انعكاساته على العمل في المستقبل.
العزم: الصبرُ والجِدُّ. و”أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ”: الذين صبروا وجَدُّوا في سبيل دعوتهم.
وفي القرآن الكريم: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
جَدَّ في الأمر: عَجَّلَ وَأَسْرَعَ. والجِدّ: ضِدّ الهَزْل. ويقال: هَزَلَ في الأمر: لم يَجِدَّ.
التضامن (solidarité): التزام القويّ أو الغنيّ معاونة الضعيف أو الفقير.
تضامنوا: التزمَ كل منهم أن يؤدِّيَ عن الآخَر ما يقصر عن أدائه.
نرجو من قادة الدول العربية، أن يصبروا ويَجدّوا ويتضامنوا ويُضاعفوا جهودهم في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الوطن العربي الممزق. ولعلهم يركّزون-قبل كل شيء- على تنقية الأجواء السياسية بين الدول العربية، وُصُولًا إلى مزيد من التنسيق والتعاون والتضامن وتضافر الجهود وتوحيد المواقف.
إنّ قوتنا تكمن في وحدتنا (الاتحاد يصنع القوة)، وضعفنا يكمن في تفرُّقنا، مصداقًا لقوله تعالى:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) 103/ آل عمران.
ويقول الشاعر:
تَأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا * وَإِذْ افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا.
وفي القرآن الكريم:
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازُعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) 46/ الأنفال.
تنازعَ القوم: اختلفوا. وتنازعوا في الأمر: اختلفوا فيه.
ومن معاني الريح: النَّصْرُ وَالدَّوْلَة.
بمعنى أنّ التنازع قد يُفضي إلى الفشل والقضاء على الأمم، المعبَّر عنه في الآية الكريمة ب “.. وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ”.
إننا متفقون جميعا على أنّ ما يجمع العرب أكثر ممّا يفرقهم. من ذلك، وحدة العقيدة، واللغة، والعادات والتقاليد، والماضي المشترك، والمصالح المشتركة، ووحدة المصير.
إنّ الشعوب العربية (بل الشعب العربي، فنحن شعب واحد في دول متعددة) تطمح إلى المزيد من التلاقي، والتنسيق، والتعاون، والتضامن، ورصّ الصفوف، والعمل من أجل غدٍ أفضل.
نرجو من القادة العرب (من المحيط إلى الخليج) أن يشرعوا، مباشرة بعد اختتام “قمة العزم والتضامن”، في اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تجسيد شعار القمة على أرض الواقع، بدءًا بتنقية الأجواء السياسية بين الدول العربية، وُصُولًا إلى:
1-إعادة سوريا إلى مكانها الطبيعي في جامعة الدول العربية، إعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية بين دول الخليج العربي، إعادة الدفء للعلاقات المغاربية بدءًا بفتح الحدود بين المغرب والجزائر.
2-رسم خُطة شاملة، تعمل الدول العربية مجتمعةً- بالتشاور والتنسيق (عند الاقتضاء) مع بعض الأصدقاء المؤتمنين من المجتمع الدولي- على تنفيذها، بغية التصدي للأوضاع المتفجرة في العديد من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.
وبذلك يكون للشعار معنى وللكلام مضمون.
مع التذكير بضرورة الإسراع-قبل فوات الأوان- في معالجة هذه الأوضاع الخطيرة، فالزمن يمر بسرعة والتاريخ لا يرحم.