إمام جامع “قطر” يكشف ظروف تأسيسه للعمل الإسلامي في موريتانيا
تحدث الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن ولد محمد محمود ولد الطالب أحمذو إمام جامع “قطر” بمقاطعة الميناء، أبو الدعوة ومؤسس العمل الإسلامي بجوانبه المحظرية والدعوية والحركية، عن تفاصيل رحلته العلمية وكشف عن ظروف تأسيسه للعمل الإسلامي في موريتانيا، مقدما أول معلومات تنشر في هذا الإطار.
حديث الشيخ كان في مقابلة مع قناة “شنقيط”، في برنامجها “الشاهد”، والذي خصصت منه حلقة للحديث عن رحلة الشيخ العلمية وحلقة لظروف انطلاق العمل الدعوي الإسلامي.
ولد الطالب أحمذو هو أول إمام وخطيب لمسجد “الشرفاء”، قبل أن يؤسس جامع الفاروق عمر في السبخة سنة 1975، حيث وصل إلى نواكشوط في الستينات، بعد رحلة في عدة ولايات لاحظ في العاصمة أن وضعية المحاظر تحتاج الكثير من العناية، فأسس محظرة “العون” سنة 1970التي ظل يعلم فيها نصوص التعليم الأصلي: خليل والأخضري، بن عاشر وألفية بن مالك إلى سنة 1978، حين أراد التفرغ للتعليم النظامي ولمعهد “الفاروق”، فتنازل عنها وعن إمامة المسجد للشيخ محمد الأمين ولد الحسن، الذي مايزال يواصل عطاءه في هذا الإطار.
يقول ولد الطالب أحمذو في حديثه إنهم لاحظوا في السنوات الأولى بداية السبعينات، أن الشباب، الذي يفد من المحاظر في الداخل، كان: “يطمح للشهادات أكثر، من أجل الوصول للتوظيف، وحينها بدأنا نقدم الشهادات لهم في مدرسة “العون”: شهادة الإعدادية في العلوم الشرعية والعربية وشهادة الإبتدائية في العلوم الشرعية والعربية، حيث أتذكر أن أول شهادة منحتها كانت سنة 1974للداه ولد محمد حبيب الله الغلاوي، والذي توجه بها إلى المملكة المغربية، لكن وزارة التعليم الموريتانية أشعرت نظيرتها هناك بضرورة عدم التعامل مع شهادات المحاظر، وهو ما علم به الملك المغربي الراحل الحسن الثاني رحمه الله عن طريق وزيره، فأصدر تعليماته بضرورة استقبال الشهادات المحظرية، قائلا له: “إذا أرسل لك بعد هذا، فقل له أن الأمر فوق مستواكم، لأنه يعني الحسن الثاني والمختار ولد داداه. وإذا أتاك أحد بشهادة محظرية من موريتانيا فخذه وأجعله في الجامعة. فالشعب الشنقيطي شعب يحب اللغة العربية، وإذا دخل في الجامعة الطالب المحظري الشنقيطي، سوف يتفوق في نهاية السنة”.
وقد شهد لذلك احد علماء السودان، حين فسر قوله تعالى: “ثلة من الأولين وثلة من الآخرين”، على أن ثلة من الأولين هم الصحابة والتابعين، و”ثلة من الآخرين” هم “العلماء الشناقطة”.
وأضاف ولد الطالب أحمذو: “أن المرحوم الشيخ محمد الأمين الشيخ صاحب مدارس بنعامر التي اسسها 1963، كان له السبق في الجمع بين اللوح والسبورة، فكان يقدم الشهادات والتي استفاد منها الكثير من الناس، فحصلوا على منح للدراسة خارج الوطن، فكانوا موظفين سامين في الدولة حينها”.
ولد الطالب أحمذو تحدث عن ظروف دراسته في محظرة الشيخ بداه ولد البصيري رحمه الله في لكصر، والتي كانت أول محظرة في العاصمة وبها أول جامع أقيمت فيه صلاة الجمعة، قائلا إنه مكث فيها قليلا عند وصوله إلى العاصمة نهاية الستينات، حيث كان يسكن في بيت سماه الطلبة “بيت تشيت”، نظرا لبعده من الشيخ، ليؤسس هو ثاني محظرة في العاصمة هي “محظرة العون الإسلامية”1970 ، حينها كان إماما لمسجد “الشرفاء” وهو عبارة عن مصلى للصلوات الخمس. وفي 1971تم بناؤه وصار جمعة، ليصبح بذلك ثاني مسجد تصلى فيه الجمعة بالعاصمة، ومن ثم أسس معهد الفاروق 1975في السبخة ومسجده “القدس”، نظرا للحاجة الماسة إلى العمل الإسلامي في تلك المقاطعة الناشئة.
وعن ظروف بداية الدعوة يقول الشيخ ولد الطالب أحمذو: “كنا نقوم بنقل السبورة التي ندرس فيها بمحظرة “العون”، التي جمعنا فيها بين النصوص المحظرية في اللوح والقرآن الكريم والسبورة من أجل خضرمة المحظرة، لأن ذلك كان مبررا لمنح الشهادات، كي يكون للطالب وعي ثقافي إسلامي عصري. وأتذكر في هذا المقام أننا كنا نحمل السبورة إلى شجر قرب سوق العاصمة وتحته أناس مشتغلون دائما بلعب “ظامت”، فنقول لهم اتركوا الحرب بين العود والبعرة حتى ننتهي من هذا الدرس، فنقدم لهم درسا في تفسير بعض الآيات وأحكام الصلاة والطهارة؟. كنت أول من فتح باب المحاضرات الدعوية في مسجد “الشرفاء” سنة 1973، فكنت أحاضر وأدعو بعض الأساتذة الذين يهتمون معي آنذاك بالعمل الإسلامي الدعوي، لإلقاء محاضرات من أمثال: محمد عبد الله ولد الصديق الجكني الملقب “سل عما بدا لك”، المرحوم الخاج محمود با مؤسس مدارس الفلاح الإسلامية، الحسن ولد مولاي اعل، محمد فاضل ولد محمد الأمين، أحمد ولد سيدي محمد البربوش والشيخ كاكيه وغيرهم.
لقد قمت بالعمل المحظري والإسلامي، من أجل المحافظة على هوية البلد، لأن المحافظة على المحظرة الشنقيطية وعلى لغة القرآن هو المحافظة على هوية هذا البلد، لأن المحظرة الشنقيطية تأسست عام 160للهجرة قبل الأزهر الشريف، الذي تأسس350للهجرة، وكان من نتائج المحظرة الشنقيطية أن خريجيها تدرسوا بجامع الأزهر الشريف، فالمحظرة من ذلك التاريخ وهي تحافظ على هوية هذا البلد إلى يومنا هذا، فضعف المحاظر واللغة العربية هو ضعف للإسلام”.
ثم تحدث الشيخ عن رحلة بعض الطلبة والعلماء الموريتانيين في عدة دول عربية وإفريقية. وقال إن: “من أهداف معهد الفاروق، هو السير على نفس الأهداف التي تأسست من أجلها مدرسة العون، بتدريس النصوص الحديثة ومنح الشهادات الثانوية في العلوم الشرعية والعربية و”الليصانص” في العلوم الشرعية، زيادة على التي كنا نمنحها في مدرسة “العون”، والتي تم اعتمادها من طرف دول عربية عديدة، حيث تخرج المئات من الأجانب من معهد الفاروق ودرس الكثير من الشباب الموريتاني في الجامعات بالدول العربية كالمغرب، السعودية، مصر وليبيا، وهم أكثر الأطر الإسلامية الشابة التي تنشط في الساحة اليوم”.
كما أورد الشيخ قصة عشرة من العاجيين، جاءه بهم مدير معهد إسلامي في ساحل العاج سنة 1993في معهد الفاروق في مسجد قطر، فقال له أنه يريد التحاقهم بمعهد الفاروق، ليقرؤوا فيه وليأخذوا الشهادة الثانوية، كي يلجوا بها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي كانت هنا، وكانت تعتمد شهادة معهد الفاروق للدخول في المرحلة الجامعية، والتي قرأ بها الآلاف من طلبة المحاظر الموريتانية في الجامعة السعودية، فأختبرتهم فوجدت مستواهم جيد في اللغة العربية، فقلت له: “لماذا لا يكملون في معاهدكم هناك”،فقال لي: “نحن عندنا مثل”، سألته ماهو؟، رد: “عندنا أن العود إذا سقط في البحر إسود، لكن لا يتحول سمكة، بمعنى أن من صار عالما في بلادنا ولم يسافر إلى بلاد العرب وخصوصا شنقيط ويقرأ فيها، لا نعتد بعلمه ولا نقرأ عليه، لذا جئت بهم هنا، ليكملوا في معهد الفاروق، وليجدوا شهادات يدخلون بها في الجامعة السعودية، فإذا حصلوا على ذلك وعادوا إلى بلادهم، سوف يثق بعلمهم الجميع”، فقبلتهم في معهد “الفاروق” وبعد فترة حصلوا على الشهادة الثانوية في المعهد وشاركوا بها في مسابقة “جامعة محمد بن سعود الإسلامية”، التي كانت هنا ونجحوا”.
وسرد الشيخ مشاهد من العلاقة بين المعهد وبعض طلبته، منبها إلى أن: “التعليم المحظري أهدافه مواكبة العصر، وأن المعهد سمي بمعهد “الفاروق”، نظرا لدلالة الإسم ولمحاربة الجهل ولنكون من فريق التعليم والعلم، ويتعلم الناس ويعلموا أبناءهم ويتمسكوا بنهج أسلافهم ويفترقوا مع الجهل، كما سمي “الفاروق” مفرقا بين الحق والباطل”.
ثم تحدث الشيخ عن ملامح صراع عاشه الجيل الأول من الناشطين في العمل الدعوي الإسلامي مع حركات سياسية أيديولوجية، متهما تلك الحركات بأنها كانت تقوم بمحاولة التأثير على الطلبة واستدراجهم إلى أفكارها بدون مقدمات، قائلا إنه خلال تلك “الفترة كان ربيع الحركات السياسية من تيارات قومية وكادحين، فكانت تتقاسم كل من قدم من المحاظر للإستفادة من علمه واستغلال براءته، فيكتمون عنه الورائيات، وهو ما اكتشفناه، خصوصا عندما حاولوا اصطيادنا، فبدأنا تحصين كل وافد جديد من الطلبة، ومن ثم قررنا أنه من واجبنا الإنتقال إلى الحجرات، ولهذا دخلنا سلك التعليم. فاكتتبنا كمعلمين، ورغم ذلك كانت أمامنا عقبات منها اللغة الفرنسية والحساب خصوصا حساب الجبر، لكننا تمكنا -بفضل الله- من التغلب على الإشكالية، بمجهود الشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين، الذي نظم هذه المواد وبثها في المحاظر، لذلك كانت شهادة الإعدادية آنذاك أغلب الذين ينجحون فيها من أهل المحاظر، فيلتحقوا مباشرة بالتعليم الأساسي، لذلك كانت النقابة بأيدينا، في ظل غياب من يقود حركتنا.
عندما بدأت انتخابات نقابات التعليم، كان الصراع محتدما بيننا معهم، حيث يسعى كل منا للحصول على نصيب الأسد من هذا الشعب البريئ، فكانوا هم يخفون أفكارهم بينما نصرح نحن علنا بذلك. بدأنا عملنا الميداني، فكانوا يطلقون علينا “أهل المساجد” (الإخوان المسلمين)، وجرت الإنتخابات، والتي أشرف على تأمينها الضابط محمد ولد لكحل والمفوض القطب ولد محم بابو، فتمكنا من الفوز في تلك الإنتخابات على جميع المنافسين. وقد دخلنا في نقاشات معمقة مع التيارات السياسية الأخرى، خصوصا بعد أن سيطرنا على نقابة التعليم، والتي إرتأينا انتخاب بوميه ولد ابياه رئيسا لها، فعملنا من خلال ذلك على إعداد برنامج جديد هو “الثانوية الأصلية”، طرح لبنته الأولى محمد فاضل ولد محمد الأمين وبوميه ولد بياه، فأصبح بذلك حظ المحاظر معتبرا، لأن المواد التي تدرس فيها مواد محظرية، ومنذ ذلك التاريخ كانت هذه الثانوية مفتاح خير على المحاظر”.
وقال ولد الطالب أحمذو: “لقد لاقت فكرة المعاهد والمدارس الإسلامية صدى واسعا، فالكل يرسل زملاءه للدراسة في معهد الفاروق، وكان كل شيء يتوفر بصفة مجانية للطالب، وهنا ننبه إلى أن هذا المعهد تلقى الدعم المادي من لجنة المساجد والمحاظر والتي مازالت تقدمه له حتى اليوم وكذلك لجميع المحاظر في العاصمة والداخل والخارج، فجماعة لجنة المساجد والمحاظر هم رجال لهم دور كبير في دعم العمل الإسلامي في بداياته إلى الآن، فقد قالوا بلسان حالهم ومقالهم: “إذا ماتت الناقة والبقرة نريد أن لا تريد المحظرة”.
وعن مؤلفاته، يقول الشيخ محمد عبد الرحمن إن من بينها:
-“رحلة الإسراء والمعراج
-نظم كتاب “التبيان” في ترتيب نزول سور القرآن”
-“فوائد عديدة في فنون مفيدة”، والذي يشتمل على نوازل في الفقه وتاريخ الأئمة ومصطلح الحديث وتفسير القرآن ومشتقات من اللغة العربية ونظم “إشارات مصحف حفص”، والسبب في تأليفه أن رواية حفص أصبحت متغلبة في بلادنا لكثرة طباعة مصاحفها وطلاب المحاظر لا يعرفون عنها أي شيء، فأردت تبيين إشارات مصحف “حفص” في هذا النظم، لكي لا يخطؤوا في قراءة القرآن. وهذا مما يدعونا إلى أن نشكر رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز على طباعة مصحف برواية “ورش عن نافع” التي هي رواية يقرأ بها الشناقطة، لأن المصاحف المطبوعة برواية “ورش” كادت أن تختفي، وهذا هو أفضل إنجاز يخدم المحظرة الشنقيطية والعمل الإسلامي”.
كما أشار إلى أن أغلب الأئمة والخطباء من الموريتانيين في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والعاملين في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية يعمل بالشهادات من معهد “الفاروق”. وفي آخر مقابلته، تحدث الشيخ عن دور العلماء ومكانتهم وما يجب عليهم أن يقوموا به، منبها إلى أن: “العلماء ورثة الأنبياء”، وأن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا علما نافعا، لذلك يكمن دورهم في النصح للجميع: حاكمين ومحكومين، إنطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة، قلنا لمن، قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”، إضافة للآتي:
أولا: تعليم العلم وتبليغه والعمل به
ثانيا: يجب على العالم أن: “يكون حياديا لا ينتمي لحاكم ولا محكوم، فيكون بذلك مستقلا معتمدا على علمه، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هناك خمس مسائل عليها إجماع الرسالات كلها هي: حفظ العقيدة، المال، النسب، العقل والعرض، فالعلماء هم الحكم ويجب أن يكونوا مستقلين لا ينتمون إلى أية حركة ولا حزب وإنما يسعون للعلم وإيضاحه، ودعوة الناس إليه ويمتثلوا ما قاله الله سبحانه وتعالى: “وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا” صدق الله العظيم”.