فسطاطان .. خطاب ينبغي تجاوزه / أحمد أبو المعالي
الزمان انفو ـ تشكل الاستحقاقات المقبلة فرصة تاريخية لإعادة النظر في كثير من المسلمات وسانحة مهمة لتجاوز نمط محدد وممل من الخطاب السياسي الذي ألفته العقود المنصرمة وأصبح واقعا لا يتغير ولا يتحول
وأعتقد أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بحاجة ملحة إلى استثمار هذه السانحة بشكل إيجابي لعل ذلك يكون نقطة انطلاق نحو ما ينشده المواطن البسيط مما يحقق له العدالة ودولة القانون التي تسع الجميع عوض خطاب الشد والجذب الذي ينفخ في كيره البعض من مختلف الأطياف حرصا على مكاسب آنية وضيقة جدا.. و لم يجن منه الوطن أي فائدة
أدرك أن هناك من يبذل جهودا مضنية لبقاء الوضع على ماهو عليه من شرخ وتشرذم في المشهد السياسي وما يترتب على ذلك من تباعد بين مختلف القوى السياسية لأن قدر البعض أن يجد ذاته حيث التوتر وحيث الاحتكاك والاحتكار وحيث “حدة الخطاب” وسيعتبر هذه النبرة بمنزلة ” أبيض إصليت” و”صفراء عيطل” وسيقرب ” مربط النعامة” دفاعا عن مواقفه ومواقعه.
وأدرك كذلك أن هناك طيبا صادق النية سيقف شعره استغرابا منها ..ولكن مهلا .. فلا بد من استثمار الوقت والفرص والتجارب للبحث عن الأفضل وتكرار التجارب من دون تحوير أو تطوير أثبت فشله وفشل خطابه.
مما يتطلب الأمر إعادة النظر فيه الإصرار على فسطاطين ثابتين رسوخ الجبال في المشهد السياسي لكل فسطاط ذووه الذين لايبرحونه أبدا.. تعرفهم بسيماهم
فكأنما نتجت قياما تحتهم.. وكأنما ولدوا على صهواتها
وهذا التصور مقلق وعائق أمام أي تنمية أو تقدم ولن يحصد منه الفقير غير الفقر والمعاناة وقد أثبت فشله في رأب الصدع وسد الخلل وإقامة دولة المواطنة وتحويل الوسائل إلى أهداف ليس من شأن العقلاء..
.. أن يكون هناك طيف بصبغة الوطنية والمثالية والكرامة ومكانه الوحيد في زاوية محددة وأي اقتراب من صنع القرار أو دوائره بأي شكل يعتبر خيانة ونذالة ونفاقا وتطبيلا بغض النظر عن أداء صاحبه وإخلاصه لوطنه .. وأي نفور أو انفكاك يعتبر بسالة وشجاعة حتى ولو كان النظام “مضغ ” صاحبه ولاكه حتى إذا انتهت صلاحيته هناك ولى وجهه شطر ” الوطنية” وحط رحاله بين إخوة يستقبلونه استقبال الفاتحين كأنما خرج من الظلمات إلى النور وكأنه الفارس الموعود مكانه الأحضان والقلوب ..فهذا خلل تتطلب المرحلة معالجته.
لايعني هذا أبدا أن يكون ذلك على حساب الحق والعدل.. ولكن للحق والعدل وإقامتها أكثر من شعب. وأي خيانة للعدل والحق حيف وظلم بغض النظر عن الشعار والدثار..
فهذا التمايز قد يكون فرصة لا تعوض لبعض من يتصدرون المشهد للحفاظ على مكتسبات ضيقة لأنه كلما اتسع نطاق التفاهم وكلما حصل الانسجام قلت حظوظ هؤلاء المادية والمعنوية ..ولا يمكن المحافظة عليها إلا بالحفاظ على هذا “التباين” لذلك يحرص هؤلاء على أي اختلاف مهما صغر فينفخون فيه ويحرصون على أي اتفاق مهما كان أو انسجام فيضعون أمامه الف حاجز وحاجز
للنظام ومن يسير في فلكه دور بارز في هذا الشرخ والتمايز الكبير والمؤثر فارتهان الموظفين لاتجاه سياسي محدد حيف لا ينسجم مع فضاء الحرية والديمقراطية .. فلا بد لمن سيستلم مقاليد القرار بعد الاستحقاقات المقبلة أن يمايز بين الوظائف السياسية التي هي من حق أصحاب التوجه الموالي للنظام وبين الوظائف المهنية لكن لابد فيها من الحرص على عدم استغلال الموظف لوظيفته لتقوية أي طرف سياسي وعدم استغلال المؤسسات لموظفيها في المجال السياسي مع أن لهم الحرية في دعم النظام والانخراط في توجهاته إن اقتنعوا بذلك
كما أن اعتبار انتقال ” المغاضب” للنظام بعد أن تنتفخ أوداجه ويتكور بطنه من العكعكة إلى وضعية “المعارض” مثل التوبة تجب ماقبلها أضر كثيرا بالحياة السياسية وأفقدها وهج المصداقية ..كما أن تصور المعارضة أن أي خروج من سياجها انقلاب على الطهر والنقاء والوطنية يعتبر شططا مع تفهم أن هناك أسبابا ومبررات لهذا التصور بفعل اندفاع البعض غير المبرر وتخلي البعض عن قيم كان يسعه أن يحتفظ بها أينما حل وارتحل.. فالانقلاب على المبادئ شيء واستثمار المتاح لتطبيقها على تفاوت شيء آخر.
إن الوقوف يا سادتي الأعزاء إلى جانب ” بائعة الكسكس” و مساندة “المسن الفقير” في الأحياء الهشة ومؤازرة صاحب “العربة” ومن يقفون في الطابور “للتصفية” لا يقتصر على خطاب أو بيان في مهرجان معارض ستنتهي حرارة تفاعله بانتهاء حروفه وقد “تموت” كلماته حين تقال ..فيركب “القيادي المعارض” سيارته الفارهة ثم يعود هؤلاء سيرا على الأقدام إلى سيرتهم الأولى كما هي وسيظلون من سيء إلى أسوأ..
صحيح أن ذلك جزء من المناصرة ولا سيما لمن لا يمتلك غيره وحينها يعتبر فرض عين لكن حصر الوقوف في صف هؤلاء في طيف واحد مسلك لابد من تجاوزه فقد يخدم الموالي حال موالاته هؤلاء أكثر مما يخدمه غيرهم بفعل قربه من صنع القرار –إن أراد ذلك- وبفعل ما يمكن أن يقدم من خدمة مهما كانت وإذا اقتصر دور متعاطي الشأن العام المخلص لوطنه على الابتعاد من دوائر صنع القرار فلن يقدم لهؤلاء ما يستطيع تقديمه لو حافظ على تلك المبادئ واقترب من الدائرة.. نحتاج في المستقبل لمثل هذه المقاربة وحري بمن سيقود البلد أن سيضعها نصب عينيه إن كان فعلا يريد الخير لهذا الوطن
دعونا نتجاوز هذا الخطاب .. فمن قرر أن يخدم هذا الوطن وأن يساعد في إقامة العدل والوقوف مع المظلومين لا يضره أن يكون في هذا التوجه أو ذلك ومن ألف البحث عن المكاسب الشخصية والبعد عن الشأن العام لن يغير من الواقع شيئا لو تصدر المعارضة وحفظ قواميسها الصاخبة.