ظاهرة الرسوب الجماعي في موريتانيا تستحق التأمل والتمعن والتفكير / الاستاذ فريد حسن
للزمان انفو –
فريد حسن / فنان سوري باحث في التربية وعلم النفس الاجتماعي
أقول ظاهرة فقد كنت مدرسا لعشرات السنوات – في بعضها القليل كنت معلما في المرحلة الابتدائية ومديرا لمدارس ابتدائية – وبعد تخرجي من الجامعة دراسة حره اصبحت مدرسا لسنوات طويلة ومديرا لثانويات – شاركت فيها بالتصحيح للشهادتين الاعدادية والثانوية – كما شاركت بوضع اسئلة الامتحانات العامة لمدارسي التي كنت مدرسا فيها أو على مستوى القطر – كما انني ناقشت وشاركت في وضع السلالم لأكثر من مادة في العاصمة أي لكل المحافظات : عذرا للإطالة في المقدمة لكنها ضرورية حتى يتعرف القارئ الكريم علي في هذا المجال لان ما سأقوله واناقشه امر جلل :
فانا لم اسمع بنسبة نجاح واحد في المائة في أي مكان على وجه المعمورة ( طبعا ضمن ما اطلعت عليه ) إن كان بشكل مباشر أو في وسائل الاعلام أو في ما كتب عن الامتحانات ؟
انا انتظر من وزارة التربية في موريتانيا ومن المسئولين في التخطيط فيها ان يقفوا وقفة مطولة عند الامر ويحددوا المسئولية ليقوموا بعدها بعلاج هذه الظاهرة الخطيرة ؟
فكل الذين كتبوا الى الآن عن الموضوع في الفيسبوك القوا باللائمة على الطلاب ونظام التعليم الذي لا ينصف المعلم وانا معهم في هذا وقد قلته في موريتانيا وسورية فدخل المعلم أقل من اي صانع أو زارع أو بائع أو متعاط لفن من الفنون ؟
ان ظاهرة كهذه تحتاج بحثا متعمقا من مختصين في الامر :
إن العملية الامتحانية تتكون من مجموعة من المكونات الآتية :
1- الطالب 2- المعلم 3- النظام التعليمي 4- المدرسة وما فيها من مكونات 5- مستوى الاسئلة وتناسبه مع الطلاب 6- انتهاء تدريس المناهج في المدارس 7- سلالم التصحيح وملاءمتها 8- المصححون والمدققون وناقلوا النتائج : ولنبدأ بتفصيلها
1- أولها الطلاب الذين هم ناتج مناهج وكتب ونظام تعليمي ومدرسين ومتابعين للعملية التعليمية من موجهين اختصاصيين ومدراء مدارس ودوائر مختصة في الوزارة – ويجب ان لا ننسي ان الطالب ايضا ناتج ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية واعلامية عالمية ( واركز على هذه النقطة حيث أن هناك تأثيرا كبيرا لما يشاهده او يتابعه أو يتفاعل معه على اليوتوب والفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل )
لان لها دورا في شد الطالب اليها والتقصير في دراسته أو الانحراف أخلاقيا ( إدمان – جنس – تدخين – هروب من المدرسة – الالتحاق بعصابات السرقة او العصابات الارهابية .( حديثي هو عن الطالب في كل الوطن العربي ) ….الخ ) هذا بعض ما يمكن ان يجعل نتائج الامتحان سيئة ؟
2- المعلم وهو عامل مهم جدا في النتائج الجيدة في الامتحانات وتبدأ عملية تكوين المعلم بدءا من انتقاء المعلمين او المدرسين ومرورا بالتأهيل في معاهد المعلمين أو التاهيل التربوي في الجامعة للمدرسين – ثم دورات التدريب التربوي لمتابعة كل جديد في مجال علم التربية وعلم النفس التربوي – الوضع المادي للمعلم وعدم انشغاله في عمل آخر يملأ حيزا كبيرا من وقته وراحته فينعكس سلبا على عطائه ؟
3- النظام التعليمي : ويشمل الانظمة والقوانين التي تنظم العملية التعليمية في البلد والقائمين على سيرها بشكل سوي وصحيح ؟
4- المدرسة بما فيها من إدارة ناجحة صارمة تطبق تعليمات الجهات الاعلى وعدم السماح بالفوضى والتسرب والغياب المبكر – ومقتنيات المدرسة من وسائل معينة كافية ومستلزمات تربوية من مكتبة ومخابر ومسرح ومعدات حديثة وحواسيب واجهزة اسقاط …. وباحة مريحة واشجار وحديقة ؟
5- مستوى الاسئلة ووضوح صياغتها : حيث يمكن لواضع الاسئلة ان يكون غامضا بحيث يضيع الطالب ولا يدرك بدقة المقصود بالسؤال
6- أو يكون السؤال اعلى مستوى الطلاب أو غير موجودا في المنهاج أو غير معطى في عدد كبير من المدارس حيث يكون من آخر الكتاب والذي لم تنهه كثير من المدارس ؟
7- سلالم التصحيح : فبعد انتهاء الامتحانات وذهاب أوراق الاجابة الى المركز يذهب خيرة المدرسين كل مادة على حدة فيأخذون عشرات النماذج من محافظات متعددة وعلى ضوء ما وجدوه يضعون سلالم العلامات موفقين بين الكتاب المدرسي والمنهاج المعتمد والافكار التي وردت في كتابة الطلاب في الامتحان والتي غابت ولم ترد فتعطى العلامات على هذه العملية الاجمالية المقارنة فتكتب ارشادات توجيهية للمصححين حتى يكون التصحيح موحدا في كل البلاد ؟
8- أخيرا يأتي دور المصححين والمدققين ومشرفي المادة ويكون هذا الدور فضفاضا خاصة في المواد الادبية فقد مارست التصحيح والتدقيق والاشراف على المادة ووجدت احيانا ان سؤالا حصل فيه الطالب على 4 درجات من عشرين عند المصحح رفعه المدقق الى 12 درجة وقد يختلفان فتذهب الورقة الى المشرف فقد يرفعها الى 14 درجة أو يخفضها الى 6 درجات – خاصة في مواضيع الفلسفة أو الادب العربي بينما الاختلاف في الاراء يكون محدودا جدا في المواد العلمية – كما يتأثر كثير من المصححين برداءة الخط او جودته فتزيد العلامة أو تنقص ؟
وبالعودة الى النتائج السيئة التي رأيناها في امتحانات القسم الادبي في موريتانيا ورغم كبر العينة التي زادت عن عشرة آلاف فالنتائج بعيدة عن الصدفة أو الاحتمال وهي نتائج حتمية – لكن السبب يحتاج الى تحقيق وزاري لمعرفة ما جرى في وضع الاسئلة هل كانت في المستوى ومناسبة – وهل كان تصحيحها عاديا – فعندما يكون الامر عاديا في هاتين القضيتين – نرجع الى الطالب والمعلم فالطالب واحد من شباب موريتانيا في أواخر العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين المتميز بالانترنت والتواصل والفضائيات التي انقضت على اطفال ومراهقين حديثي العهد بالانتقال من البداوة الى بهارج وبريق ما يسمى الحضارة الغربية المرسلة عبر الفضائيات ووسائل التواصل ؟
أما المعلم هذا الانسان الذي يبني الانسان الجديد في موريتانيا ومثله مثل كل المعلمين في الوطن العربي حيث لا يكفيه راتبه اياما معدودة من الشهر فيعيش على التقنين والإستدانة أو العمل في اي عمل وخاصة في الدروس الخصوصية أو الدورات من اجل لقمة العيش وحتما سيكون المردود منخفضا في حالة كهذه ؟
واعتذر عن الاسهاب علما اني اختصرت الموضوع قدر المكان وقد يكون الاختصار قد غيب بعض الافكار الجزئية أو الهامة ؟
وتقبلوا تحيات الفنان الباحث في التربية وعلم النفس الاجتماعي