ردا على مكفر الرئيس الراحل
الزمان انفو – كتب الشيخ بشير بن حسين:
نحن دعاة ولسنا قضاة :
لقد قرأت ما نشره “وجدي غنيم ” عن رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي رحمه الله، فوجدته قد أقحم نفسه في مآزق خطيرة، تتمثل في الحكم على المُعيّن بالتكفير المخرج عن الملة، والذي ليس من صلوحياته في الأصل ، بل مجال ذلك القضاء ،وليس الدعوة أو الفتوى!!
وليست هذه أول مرة يتجاسر فيه “غنيم” على التعيين بالكفر للأشخاص ، مسقطا في ذلك آيات نزلت في الكفار والمشركين، على من الأصل فيهم الاسلام !!
و لذلك يجب أن يعلم الجميع أن التكفير، لا يكون بحسب الأهواء والآراء، أعني لمن هو مسلم في الأصل ، كما قال بن القيم رحمه الله في الشافية الكافية:
والكفر حكم الله ثم رسوله *** بالنصّ يثبت لا بقول فلان
من كان الله ورسوله قد كفّراه *** فذاك ذو الكفران .
ومن أهم القواعد في هذا الباب :
1-أن من كان على الاسلام فلا يجوز الحكم عليه بضده بمجرد الشك أو الظن ، لأن إسلامه يقين ، واليقين لا يزول بالشك .
2- كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره (ليس كل من اعتقد الكفر أو قال كلمة الكفر أو فعل فعل الكفر يكفر إن كان الأصل فيه الاسلام حتى تقوم عليه الحُجة وتزول عنه الشبهة) كتاب الإيمان. ولهذا أدلة وأمثلة كثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
3- لا يتحقق الكفر في الشخص (المسلم أصلا) حتى تتوفر فيه الشوط وتنتفي عنه الموانع ،
وموانع التكفير هي :
أ- الخطأ .
ب- الإكراه.
ج- التأويل .
د- الجهل .
وهذه الأمور يحققها القضاء، وليس مجرد داعية أو حتى مفتي أو مجتهد !! ويا ليت “غنيم” درس أحكام الردة ، حتى يتورع عن تكفير الناس ، ويكف لسانه عن إخراجهم من الملة ، والعجيب أن من الحمقى والمغفلين، من يستهوي كلامه ويستطيبه، ويروّجه، وآخرون يرون التكفير حكما شرعيا قد ألزمنا الله به !!! مستندين في ذلك إلى قولتهم المشهورة: من لم يكفّر الكافر فهو كافر!! وجهلوا أن هذا في الكافر الأصلي ، وليس فيمن هو على الاسلام من أصله !!
على أن الله وحده هو صاحب هذا الحق، فهو الخالق المحيي المميت ، والذي يحاسب و يعاقب ، لا غيره !!
قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم( وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل ) اي لست انت الذي تحفظ أعمالهم، ولا أنت مسؤول عنهم ، و كثيرا ما نقرأ في كتاب الله تعالى( ما على الرسول الا البلاغ ) وقوله (إنّا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) وقوله ( نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبّار فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد ).
كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكفير المسلم فقال : ( من قال لأخيه يا كافر باء بها أحدهما ) وفي لفظ (فإن كان كما قال وإلا حارت (أي رجعت ) عليه ) رواه البخاري ومسلم.
فلماذا يقحم الإنسان نفسه في هذه المتاهات ؟؟ و يخاطر بدينه ؟؟
وإنني مع هذا كله ، فقد اعترضت على مشروع القانون الذي نادى به الرئيس الراحل فيما يتعلق بالمساواة في الميراث ، ورددت عليه ،بفيديو مصور موجود على اليوتيوب، دون تكفيره، ولا تفسيقه، بل بينت أنه خطأ فادح ، يرفضه القرآن الكريم، و كتبت في هذا مقالات كثيرة ، ارجعوا إليها إن شئتم ، كما أنني أشهد شهادة لله ، وللتاريخ، أنني زاولت الدعوة إلى الله عز وجل، وكان السبسي رحمه الله، الوزير الأول لتونس ، إبان الثورة ، واستمر الامر الى ان تولى الرئاسة، دون أن يضيق علي أحد في نشاطاتي، وما وقع عزلي الا من بعض المسؤولين لا منه شخصيا ، كما أنه كان بإمكانه القبول بالصفقات التي عرضت عليه ، من أجل الزجّ بالإسلاميين في غياهب السجون، وإدخال تونس في مصير مجهول ، و في فترة حكمه ،لم يكن أحد يتورع عن نقده، و القدح في سياساته، بل يصل الأمر إلى السخرية منه ، ولم أسمع أنه سجن أحدا أو قتله بسبب ذلك !!
أيها الاخوة الفضلاء،
إن كل إنسان له حسناته وله سيئاته، وله صوابه وله اخطاؤه، و ربنا تبارك وتعالى، أعلم بالحال والمآل ،
ولسنا نحن الذين نملك مفاتيح الجنة أو النار ، كما لسنا نحن الذين بأيدينا رحمة العباد أو حرمانهم منها ، قال وهو أصدق القائلين( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذن لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا) .
ومن رحمة ارحم الراحمين، انه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، يدخر شفاعات للمؤمن عنده ، تكون سببا في مغفرة ذنوبه والتجاوز عنه ، كالمرض، والهرم، و الضعف ، والحسنة السابقة ،فقد غفر الله لبغيّ (أي زانية محترفة ) سقت كلبا يأكل الثرى من العطش ! وغفر الله لمن قتل مائة نفس بعد ان ذهب إلى الله تائبا ووافته المنية ، وغفر لمن شك في قدرة الله ، والذي قال ( لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذب به أحدا من العالمين ) إلخ….
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينعى النجاشي الذي حكم الحبشة ، والذي مات في العام التاسع من الهجرة ، أي بعد نزول كل القرآن تقريبا ، وصلى عليه صلاة الغائب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان( والنجاشي لم يحكم بما أنزل الله بسبب الجهل بأحكام الشريعة أو بسبب العجز وعدم القدرة على ذلك ….) فهذا الرجل شهد لله بالوحدانية، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وآوى المؤمنين، فاعترف النبي صلى الله عليه وسلم بفضله، وكافأه بالصلاة عليه وهو في المدينة !! (ولست أشبه السبسي بالنجاشي في هذا المقام ولكنه الاعتبار بموقف النبي صلى الله عليه وسلم ).
ومن هذا نتعلم درسا في الأخلاق والإنسانية التي نفتقدها بدعوى الغيرة على الدين !!
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى على من كان منافقا نفاقا أكبر، وأجرى عليهم جميع أحكام الإسلام في الظاهر ، و قصته في الصلاة على رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ثابتة ، بل حتى لما نزل عليه قوله تعالى (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) .هي خاصة برسول الله لأن هذا غيب لا يُطلع الله عليه أحدا من الخلق بعد نبيه !!
وقد صلى الإمام أحمد على من سجنوه وجلدوه و عذبوه من ملوك بني العباس ، وقال كلمته المشهورة (علام يتمنى احدكم العذاب لأخيه المسلم؟؟ ) .
هذه هي اخلاقنا، وهذا هو منهجنا، فنحن دعاة ولسنا قضاة .
اللهم اختم بالصالحات آجالنا.
وعوض تونس بمن يحكمها بالعدل يا أرحم الراحمين.