ولد محم : من ملامح النبوغ والتواضع / بقلم عبدالفتاح ولد اعبيدن
الزمان انفو –
قبل يومين(1 أغسطس 2017) في وادي “اتويزكَت” 10 كلم شمال مدينة أطار، قرَرت صحبة حرمي وأحد أبناء عمومتي التوجه إلى واحة ترجيت للمقيل هناك، تخفيفا من لفح “إريفي” وحراراة أطار وضواحيه.
وبعد أخذ الزاد، واستراحة قليلةعبر توقف محدود عن مذاكرة بعض ما أحفظ من القرآن، ضغطت على زرَ الراديو، فإذا بصوت الفنان الشهير سدوم ولد أيدَه ينطلق من “المسجيلة” لينقلني محتوى ما يتغنى به بصوت موهوب مثير للشجن إلى فترات سبقت، من مطلع الثمانينات ـ على ما أذكر سنة 1982ـ على نفس الطريق المعبد اليوم، المدعَم فحسب بالأمس، مع صعوبات طرقية، لايمكن إلا أن تؤثر على المسافر و مركبه.
كنت أتنقل وقتها والرفقة آنذك ،في سيارة متواضعة من نوع 404بيجو، مالبثت قبالة وادي “حيمدون” المعقل التقليدي للإمارة الآدرارية ، ماقبل الإستعمار، أن تعطلت السيارة، مـمَا اضطررنا للمسير قرابة 20 كلم إلى أن وصلنا واحة “ترجيت”، البعيدة نسبيا، وكان سائق السيارة رحمه الله أحمد ولد ابيطات، والرفقة من مشاهير الشباب آنذاك، من وسطنا الشريفي الشمسديَ الخاص، عبدالرحيم ولد جيلي ولد انتهاه، محمدعبدالرحمان ولد محمد سيدين ولد عبدالله،سيدمحمد ولد محم.
وكان من عادة الوافدين على واحة ترجيت في أغلب الحالات أن يجلبوا معهم شاة للمشرفين على النزل لتوفير بعض مستلزمات المقيل هناك.
وطيلة المسير كنا نتناوب على اقتياد الشاة وحمل بعض المتاع الخفيف، ورغم الطقس الحار، والمسافة الطويلة نسبيا والتعب من المسيروتعطل السيارة، إلا أنني شخصيا لم أشعر بالملل ولم ألاحظه على رفقتي ضمن هذه الرحلة التاريخية التي لم تخل من الدلالات والمعاني الجمة المعبَرة.
لم ألاحظ على إخوتي الأربعة أي تأفف أوضنى ذي بال أو امتناع على المساعدة والتناوب على ما تستلزمه الطريق، من اقتياد الشاة أو حمل المتاع الخفيف، إلى أن وصلنا واحة “ترجيت”،ومازالوا حفظهم الله على نفس العهد والنهج من الأخلاق وحسن السيرة، أما أحمد ولد ابيطات فقد توفي رحمه الله، قبل سنوات قليلة بعد أن حجَ بيت الله الحرام، وكان خلوقا بشوشا،ذكيا واسع الصدر.
أخونا سيدمحمد ولد محم الوزير السابق ورئيس الحزب الحاكم، ضرب مثلا في البساطة والتعاون والإستعداد لتقاسم تعب الرحلة، ولم يفتني ذلك البتة، إلا أن تيارات الحياة وضغوطها وطموحه ونبوغه، دفعه ذلك كلَه إلى أوقات وساحات صعبة كان ربَانها ذكيا صبورا داهية، وتفاوتت بين المدَ والجز.
وقد بلغني عبر الإعلام أنه في مهرجان في أبي تلميت العريقة مسقط رأسه،”شالو أمرزي”، كما يقال في المثل الحساني بل ذهب بعضهم إلى تكفيره أو قريبا من ذلك، والرَدة شرعا لابد لها من القصد، وتعمدها، وذلك التعمد تحديدا لا وجه له في هذا السياق، لكن ما أقدم عليه كان حرجا جدَا وقمة في المغامرة، وأرجو له من الله دوام الهداية والحذر الكامل مـمَا يجانب من قريب أو بعيد التشبث بالعروة الوثقى، للدين الخاتم الحنيف، الإسلام.
لكنني أحذَر عن وعي التحامل المفتوح على سيدمحمد ولد محم، ولا أدافع عن أخطائه، فمن خبر الرجل في أواخر السبعينات إلى سنة 1983،أيام “بدر” واعني محظرة بدر بلكَصر، قرب جامع الإمام بداه ولد البصري رحمه الله، يستدرك في شأن وشطحات هذا السياسي المثير حاليا.
لقد كان مضرب مثل عندنا في الصفوف الإخوانية الإسلامية، في الصوت الجوهري والخطابة والإلمام بالفكر الإسلامي المعاصر، والقطبي خصوصا، “مؤلفات الشهيد سيد قطب”،وحسن معاشرة الصحبة والكرم، وبعد النظر على رأي البعض.
إنني شخصيا لا أوافق محم في أسلوبه التزلفي الزائد، رغم أنني أعرف الدوافع والخلفية والمقصود.
إنه نابغة داهية محظوظ طيب السريرة ويصعب فهمه لمن يريد ذلك عن طريق تحليل القشور والظواهر من فنون الدعاية والحربائية والتسلل لتحقيق الهدف، ببعض لغة الرياضة وقوانينها، إلا أنه بسبب الحرص الزائد أيضا على تحقيق الهدف، ربما جانب الصواب والحزم في بعض المواطن.
وهم المصفقون تحت سكرات “جذب” الموالاة المطلقة قد تطيش سهام عباراتهم وأساليبهم، عافاهم الله.
اللهم سلَمه وسلمنا،وسلَم سائر المسلمين من فتن الزيغ بعد هدى.
اللهم قد نصحت له وأشفقت عليه، بسبب القرابة والصداقة، فإن المرء يسأل عن صحبة ساعة، أولى عن رحلة ترجيت السابقة المثيرة للشجن، وسنوات الصحوة الإسلامية المباركة، وجزى الله الفنان الشهير سدوم، حفظه الله وهداه وأطال الله عمره، حين ذكَرني بصوته الشجي الجميل ببعض الذكريات الأخوية الرفيعة، من مطالع الثمانينات.
وأقول لمعشر الموالين والمعارضين إنني لا أمانع إن كان عزيز أو غيره من أوساط الموالاة والمعارضة يقبلون ذلك، وتفاديا لفتنة المأمورية الثالثة أن يرشح بعض المحسوبين على النظام الحالي، مثل مولاي أوسيدمحمد ولد محم للرئاسة، بصفة انتقالية، على أن يكون الوزير الأول رجلا معارضا صادقا خلوقا، مثل محمد ولد مولود أو جميل منصور، أو غيرهما، تفاديا للشحناء والصدام العنيف غير المستبعد،ولتكون الحكومة وقتها، بعد رحيل ولد عبدالعزيز، حكومة توافقية يختلط فيها المحسوبون على كافة المشارب السياسية والجهوية والعرقية والشرائحية والنقابية وغيرها.
أجل، كتبت هذا للتقريب من أجواء حوار جاد، بدل عنتريات ولد عبدالعزيز وتنطعه، وتصوره بهيمنته المطلقة على موريتانيا، بما فيها ومن فيها، وكأنها عود من المتاع الزهيد، الذي نهبه ووضعه في الخارج في حساباته المعلومة والمجهولة، لصالحه وزوجته، وأولاده وبعض أقاربه فحسب وليسوا كلَهم،حرصا على الإنصاف.
أما الطيش والتراشق بالتكفير والردة والصدامات الميدانية، المؤشرة لفتنة قوية قاب قوسين أو أدنى،هربا من التعقل والتنازلات المتبادلة للإلتقاء عند ملتقى الطرق، فهو مفض ـ لا قدر الله ـ لواد سحيق، ونفق مظلم، لا ينبغي أن يرضى به أبناء موريتانيا البررة، سواء من صفوف الموالاة أو المعارضة.
إننا بحاجة مستعجلة لصلح حديبية موريتانية، وأرجو أن يكون من شروطه من طرف معشر المعارضين، إلغاء نتائج الإستفتاء المتعسف غير التوافقي وغير الدستوري،في حالة فرض نعم في مثل هذه الأجواء المريبة غير النقية.
هدى الله صهرنا المغرور، فالمؤشرات تدلَ على أنه رجل فتنة، فأزيحوه حزما، قبل أن تتحاوروا، سلميا وقانونيا، وبعيدا عن الإنقلابات، فقد بدأيدعو بشكل صريح لمنحه المأمورية الثالثة، عندما قال شبه كناية،في مهرجان نواذيبو: المأمورية الثالثة بيدكم أنتم الشعب.
ما من صواب فمن الله ومامن خطإ فمني وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.