معالي الوزير سيدي محمد الديّين في ذمة الله
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا صدق الله العظيم.
المختار ولد داداه، سيدي المختار انجاي، جاجه صنبه جوم، حمود ولد أحمدو، با صنبولي، شيخنا ولد محمد الأغظف، سليمان ولد الشيخ سيديا، يوسف كويتا عبد العزيز صال.. الخ، كوكبة من رجال هذا الوطن تلاقت فاتحدت ونذرت حياتها في سبيل وحدة وعزة واستقلال موريتانيا، وبناء دولتها الشامخة على أنقاض الاستعمار البغيض العاتي والكيانات القبلية والجهوية المتخلفة المتصارعة.
سيدي محمد الديّين كان في مقدمة ذلك الرعيل الأول الذي قاد معركة الاستقلال، وخاض ملحمة بناء الدولة في “درب التحديات” على أسس ثابتة، رغم الرمال المتحركة، والعواصف الهوج، التي فشلت في كسر تلك الإرادة الصلبة التي لم تتزحزح أو تنثن عن هدفها المنشود، ولم يزغ بصرها أو بصيرتها “شمالا” أو “جنوبا”!
نحن الذين عاصرنا انطلاقة المشروع الوطني، بهرتنا شجاعة وقوة وأصالة ذلك الجيل من الرواد يوم كان يخطو خطواته الأولى الخالدة. وما نزال نتذكر ذلك الفارس الشهم الفارع الودود الذي يرتدي – ببساطة أقرانه- سروال “توبيت” الطويل، وقميص الكاكي ذا الأكمام القصيرة، مشمرا عن ساعد الجد في حقول التعليم والعلاقات الدولية والاقتصاد.
لم يغُلّوا فيجمعوا مالا، ويبنوا قصورا.. لكنهم جمعوا أمة وبنوا دولة ومجدا، وحافظوا على قيم معاهدة الفصل بين السلطة والمال؛ تلك المعاهدة التي جعلوها أساس ملكهم، ودستور عهدهم الوطني البهي البهيج.
أما وقد خذلهم – وخذل الوطن معهم- الخلف الذي خلف من بعدهم، فما الذي استفاده من تجربتهم الرائدة، وسيرتهم الزكية، جيل الإصلاح موالاة ومعارضة: في الوطنية ونكران الذات والورع والاستقامة؟ في الوحدة الوطنية؟ في إرساء وتوطيد المؤسسات الوطنية ودولة القانون؟ وفي مبدأ الفصل بين الأختين: السلطة والمال؟ وما الذي أدى من حقوقهم أحياء وأمواتا؟ بلى! لقد مرت يد الإصلاح من هنا، وما بقي كثير! وأصبح لدينا شارع يحمل اسم الرئيس المختار ولد داداه.. لكن ماذا عن الآخرين؟ وإلى متى تظل موريتانيا تنكر ماضيها المجيد، وتأكل خيرة أبنائها؟
الأستاذ محمدٌ ولد إشدو (الصورة للمرحوم سيدي محمد الديّين)