المآثر الحميدة في مدينة شنقيط المجيدة
الزمان انفو _
بقلم: د. الطيب بن عمر الشيخ سيد الأمين – رئيس منتدى السلم والتنمية
لقد تأسست شنقيط (آبير) 160 هـ، وشنقيط الجديدة 660 هـ، وقامت بهذه المدينة سوق العلم وتفرعت عن محاضرها جميع المحاضر في بلاد المنارة والرباط الشيء الذي جعلها هي العاصمة الثقافية للبلاد، ودأبت على رفع راية العلم والقيم والمثل العليا الرفيعة، وأصبحت نبراسا يهتدى به وكعبة الرواد للعلوم والمعارف الإسلامية، وتألق نجمها حتى سمي بها القطر كله وعلت مكانتها في العالم وأضحت النسبة إليها مدعاة للفخر وسمو المكانة ورفع الرؤوس حتى إن الركب الشنقيطي في رحلاته المشرقية لأداء فريضة الحج أو غيرها من الرحلات إلى المشرق يتعلق به رعايا الأقطار التي يمر بها ممن يتجهون صوب الجهة التي يقصدها الركب الشنقيطي وينتسبون إلى شنقيط حتى يستفيدوا من سمعتها والمكانة والحصانة الممنوحتين لأهلها.
وعندما قدمت إلى بلاد الحرمين الشريفين لطلب العلم سنة 1401 هـ لاحظت أن قدرا كبيرا من هذه المكانة لا يزال موجودا في الحجاز ولعل البعض منه لا يزال موجودا حتى الآن.
والواقع أن أهل مدينة شنقيط منذ نشأتها طبعوا على مكارم الأخلاق وطيب الشمائل وكرم السجايا وتوارثوا المجد والكرم والسؤدد جيلا بعد جيل، وابنا عن أب، وأبا عن جد، وتفردوا بالرئاسة العلمية والدينية.
وقد تخرجت من هذه المدينة العريقة أفواج متلاحقة من الأولياء والصالحين والعلماء الأتقياء الذين يحملون العلم معهم في الحل والترحال، صدورهم خزائن لكل ما طالعوه أو درسوه وما حلوا بقطر من الأقطار الإسلامية إلا وخلفوا فيه ذكرا حسنا واستأثروا بإعجاب أهله، حتى اعتبروا في المشرق الإسلامي هم الممثلون الأوفياء للثقافة العربية والإسلامية في نقائها وأصالتها، وبرز منهم علماء أعلام لا يقلون أهمية – حسبما تذكر المصادر – عن أمثال جمال الدين ومحمد عبده ورشيد رضا وأبي الثناء الألوسي، وشعراء فحول لا يقلون شأنا عن أمثال المتنبي والبحتري وأبي تمام وشوقي والرصافي وأضرابهم، ولا يتسع المجال لذكر هؤلاء العلماء الأعلام الذين تخرجوا من هذه المدينة العريقة وحملوا علمها ولكن نشير إلى نماذج بارزة تصلح شاهدا على ما نحن بصدده، ومن أبرز علماء هذه المدينة الذين اشتهروا وبزوا أقرانهم وتفردوا بالرئاسة العلمية ابن رازقة ت: 1143 هـ، دفين مدينة شنقيط وهو عبد الله بن محمد بن الفقيه القاضي عبد الله العلوي، يعتبر من أبرز علماء وشعراء القرن الثاني عشر الهجري، قال عنه البرتلي: (وحيد دهره وفريد عصره عارفا بعلم أصول الدين ماهرا في المنطق أخذ عقائد أهل السنة وعلم المعاني والبيان والمنطق عن عدة من الأشياخ الجلة الذين أدركهم في المغرب الأقصى والسوس الأدنى).
وأمثال بن رازقة من أبناء هذه المدينة كثيرون وبارزون، وحيث إن هذا الموضوع سينشر في كتاب يستقصي مآثر هذه المدينة الحميدة فإنني سأقتصر في هذه العجالة على عدد من أسمائهم تمهيدا للتوسع في ذلك فيما بعد ومن هؤلاء العلماء الأجلاء الأفذاذ: العلامة الجليل محمد المختار ولد بلعمش العلوي، العلامة محمد الحافظ بن محمد المختار بن حبيب العلوي، العلامة التجاني بن باب بن أحمد بيب العلوي، العلامة القاضي الشيخ سيد أحمد بن إبراهيم بن حامني القلاوي، وابنه العلامة القاضي محمد عبد الله، وحفيده العلامة القاضي مني ولد محمد عبد الله، والعلامة القاضي محمد محمود ولد عبد الحميد العلوي، والعلامة أحمد ولد اخليفة العلوي، والعلامة المقرء القاضي محمد أحمد ولد البخاري ولد أحمد محمود القلاوي، العلامة القاضي محمد المختار ولد الديد العلوي، العلامة القاضي محمد المصطفى ولد اعلي البخاري العلوي، العلامة القاضي البشير ولد أحمد محمود القلاوي، وابنه العلامة القاضي محمد ولد البشير، وحفيده العلامة القاضي أحمد ولد محمد، والعلامة الطالب جدو ولد الشيخ العلوي.
وقد رحل هؤلاء العلماء رحمهم الله عن ثروة علمية رائعة وآثار فكرية ودينية تشهد على رسوخ أقدامهم بالعلم والمعرفة والتربية الدينية والروحية وهو ما تدل عليه أمهات الكتب النفيسة وذخائر التراث العربي والإسلامي الذي تحتضنه المكتبات الشنقيطية.
ولقد قدر لي أن راجعت بعض هذه المخطوطات واطلعت على محتوياتها فأعجبت بتعدد المعارف في هذه المخطوطات التي جمعت بين المؤلفات القديمة والحديثة ومؤلفات المشارقة والمغاربة والأعاجم والعرب بل إن فيها بعض المخطوطات المكتوبة بلغات أجنبية عديدة، وعزيمتي أن أحاول تكوين بعثة علمية لاستقصاء هذه المخطوطات ونفض الغبار عنها وتحقيقها ونشرها حسب المستطاع، وكأني أسمع صوتها تنادي أنقذوني من الضياع وأخرجوني من الظلمات إلى النور .
نسأل الله تعالى أن ييسر ذلك وأن يعين عليه وأن يجعله وسيلة إلى مرضاته جل شأنه إنه ولي ذلك والقادر عليه.