بيرام ، ماذا يريد؟
إن مسألة العبودية، في غاية الوضوح، إنها أمر مكروه شرعا وطبعا، وينبغي مكافحتها، بكل الطرق الإسلامية، للقضاء على أصل الظاهرة وآثارها وبقاياها.لكن مسار المسمى بيرام ولد اعبيدي غير مريح إطلاقا، لأن محاولة تمييز (الحراطين) عن البيظان غير بريئة، وغير مجدية إطلاقا، وأما الوصول إلى التصريح باستهداف بعض كتبنا، أي بعض مكونات تراثنا الإسلامي، مهما كان الموقف من بعض الأحكام الفقهية الإجتهادية الواردة فيها..
فهذا شيء في غاية الاستفزاز والعداوة لدين الله، أحرى أن يصل الأمر إلى مرحلة الحرق، ثم التمسك بالموقف من هذه الكتب الإسلامية، المؤلفة بلغتنا والمليئة بأسماء الجلالة، واسم رسولنا الخاتم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وأما القول بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فحسب، فهذا حق لا غبار عليه، لكنه ليس مبررا لحرق الكتب ورفض بعض محتوياتها، بهذا الأسلوب المتحامل الغليظ الخشن.
لا حول ولا قوة إلا بالله، إنه أمر محزن أن يحاول بيرام شق صف المسلمين، ورمي الألغام والمخاطر العنصرية المقرفة في طريقهم، المليء أصلا بالتحديات والمصاعب، الداخلية والخارجية.
إن هذه الفتنة آن لها ان تحارب بحزم وحسم وصرامة، مهما كانت مقاصدها ومخططاتها الداخلية أو الخارجية.
ويبعث في نفسي الاطمئنان، قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، فالإسلام محفوظ المصدر والدستور الشامل الهادي، القرآن العظيم، ولو كان هذا الحفظ لا يمنع المسلمين من التعرض للفتن المتنوعة، المذهبة لريح الأمة وقوتها، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
إننا مدعون لمكافحة العبودية جميعا،أصلا وأثرا، بجميع انتماءاتنا العرقية أو الطبقية، ولا يعني هذا أن تتخذ هذه الدعوى وسيلة للابتزاز ضد “البيظان” أو بعض كتب الفقه الموقرة الغالية، بل جدير بالمطلب المشروع أن يبقى بعيدا عن الأغراض الانتهازية الضيقة المكشوفة.
لقد ضاق صدري من بيرام وجماعته، وما أحسبهم إلا “افلام الحراطين” مهما كانت قوة الشعلة العنصرية، في بدايتها، أو زهوها في بعض مراحلها.
فإنها إلى فشل حتمي تام، وإن شاء الله غير فاتنين ولا مفتونين، ءامين.
ولقد آن للجميع أن يرفض هذا المنحى، لأنه في الحقيقة مغرض ومدمر، على الأقل في بعض جوانبه.
لقد توجهت كوكبة من العلماء ـ في عقد الثمانينات من القرن المنصرم ـ إلى الإفتاء بجزم رافض قاطع ضد العبودية، وما تم من مناهضة آثارها أو بعض حالاتها غير كاف، ولكن اختصاص قصد إبادة هذه الظاهرة المشينة الغير إنسانية الضارة، ليس لأصحاب بيرام وحدهم.
لا وكلا، فهذه مسؤولية كل مسلم واع عامل بقوله تعالى :(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ).
ولو وصل بيرام أوبعض أنصاره إلى البرلمان أو غيره، من المنابر الإعلامية أو الإ نتخابية أو المحافل الحقوقية الدولية، المشبوهة في بعض مخططاتها ، الصهيونية الخلفية والمورد المالي والسياسي، فإن الدعوة في أصلها وفرعها مليئة مفعمة بروح الكراهية و الفرقة والتقسيم العنصري، الفظيع المآل والمصير.,
واقولها صراحة أف لما نشم من رائحة العنصرية في حركة “إيرا” وزعيمها المتجرئ على حرمات التراث الإسلامي المقدس فعلا.
نحن قوم مسلمون موريتانيون، يحب بعضنا بعضا في الله، وإن كان بنا من نقص أو ظلم بعضنا للبعض، فلنسعى لرفع الظلم بأسلوب لا يفرق المجتمع ويمزق لحمته الهشة.
يا بيرام إن كان يستحسن دعوتك بعض العرب السمر، فإن غالبيتهم معتدلون يكرهون العبودية، لكنهم يكرهون أيضا، ما يضر مجتمعنا العربي الإفريقي المسلم المسالم.
و أرجوك أن تعود لرشدك، وتدع دعوتك في حدود النفع، بعيدا عن أغراض اخرى، تضر بدنياك وآخرتك ، قبل أن تنفعك أو تنفع غيرك من باب أولى.
إن المتدبر لتصريحك لوكالة الطوارئ الإخبارية المنشور يوم السبت ،الموافق (23 مارس 2013) ، لن يخطيء بعض المواقف المريبة من الكتب الفقهية، مهما كان رأي البعض في بعض ما ورد فيها، ولمن يقرأ التصريح كاملا رأيه وتعليقه، الذي قد يكون أكثر غضبا مما ذهبت إليه، أوحصل لدى، بناء على تراكمات سابقة، من تصرفات زعيم “إيرا” القولية والفعلية، المثيرة في بعض جوانبها، رغم كفاحها الذي لا يخلو من فوائد، يؤثرعليها سلبا بشكل كبير، ما ينتج عن هذه الضجة غير المتوازنة، من تأثير على سمعة تراثنا ولحمة مجتمعنا المهدد الضعيف.
إخواني في “إيرا” وغيرها من المنابر الحقوقية، مهما كانت نواقصها وشوائبها، نحن جميعا مطالبون بمكافحة العنصرية والعبودية والاستبداد ومختلف صنوف الظلم والحيف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ولا يعني هذا أن نستغل الظلم للظلم، أو الإعتداء على حرمات الدين وصمامات أمان تماسك المجتمع.
فالمسار الذي تصر عليه لا يخلو إطلاقا، من تحدي التراث الإسلامي ،والتحامل على فئة او شريحة من المجتمع بذاتها.
واللعب بالأزمات العالقة وملفات المظالم الإجتماعية المعقدة، قد لا يصل بصاحبه إلى شاطيء الامان والخلاص، ولعل له مرد ومحصله عكسية، لما يرجى له من سعادة المجتمع ومعالجة أدوائه.
وخير لجميع مواطني هذا البلد، تجنب العنف قولا وفعلا، خصوصا ضد المقدسات، أو محاولة ترويج حرب الكراهية والتنافر والتنابز، باسم معاناة البعض.
وليكن لنا عبرة في هذا الدين، عسى إن امتثلناه أن يكون داواء لكل داء.
التراحم والتسامح والتعاضد، والبحث عن المخارج والحلول السلمية، المانحة للحل، المانعة من التفكك والبغضاء والظلم من أي شكل أو صنف، هو الملتحد والملجأ العاصم من هذه الفتنة البيرامية المتصاعدة.
إن تحميل ” البيظان” الحاليين، المسؤولية عن كل أخطاء بعض أسلافهم، هو عين التحامل والبحث عن جو مشحون من الجدل العقيم والصراع الاجتماعي الموغل في التجاذب والخلاف والخصام المزمن الطويل الأمد والمجال، وليس بسبيل حكيم جامع، لتجاوز آثار العبودية او ماتبقى من حالاتها، إن صحت شروط وجودها المقيت.
لقد أصبح الوقت مناسبا محليا ودوليا، لقول لا، نظريا وعمليا لظاهرة عبودية البشر بعضهم للبعض، ولتكن لا الرافضة المجاهدة، ضد العبودية، بحكمة وإخلاص وتجرد، حتى لا تتحول إلى حرب إعلامية مفتوحة ضد البعض، كما هو حال دعوة بيرام.
إن النظام الحالي يتعامل مع الظاهرة بأسلوب توظيفي مريب ،لا يخدم “لحراطين” بنزاهة وجدوائية، ولا ينصف البيظان، أو بعضهم ممن يدفع الثمن أحيانا، دون وجه مقنع، بمجرد تهمة غير مؤكدة، أو كلمة نابية دون قصد عميق.
فلا نحن مع أسلوب النظام، ولا أخطاء العنصريين من كلا الطرفين(البيظان والعرب السمر) .
وإنما أرى مجتمعنا الموريتاني المسلم، تحت تهديد بيرام وانتقائية النظام لما يخدمه، ومجاملة كثير من الاقلام والسياسيين والمثقفين ، لتيار مستغلي ما بقي من ظاهرة العبودية، محل إجماع الرفض النزيه غير المغرض!!!.
المدير الناشر ورئيس تحرير جريدة “الأقصى” عبد الفتاح ولد اعبيدن