ما الذي يجعل الناس سعداء؟

في رواية “القنافذ في يوم ساخن” يعترف بطل الرواية أستاذ اللغة الإنجليزية العراقي، القادم من جامعة سرت في ليبيا للعمل في جامعة صور بسلطنة عمان، بأن الشعور بالسعادة يكمن في تمتعه بالخصوصية، وأنه كعراقي قد فقد هذا الحق بالمقدار نفسه الذي فقده قبله الفلسطيني، ثم أصبحت تفتقده شعوب كثيرة أصبحت مادة لنشرات الأخبار ليل نهار. إن معيار الخصوصية ونقيضها المشاعية يتحدد بمقدار وجودك كبلد وكشعب كعنوان رئيسي في نشرة الأخبار، ذلك معيار حداثي جدا بقدر ما هو واقعي وصادم أيضا، ولهذا فقد جاء هذا الأستاذ من ليبيا مستعدا للكثير من الأسئلة والجدالات والقولبة، فالناس تحكم عليك وتكوّن فكرتها عنك – عن آرائك ومواقفك وتوجهاتك – من خلال عناوين نشرة الأخبار التي لطالما انتهكت خصوصيتك.!!

ويعتبر البروفيسور أدريان هوايت من جامعة ليستر أول من وضع خريطة عالمية للسعادة، حدد فيها الأسس التي إن توافرت في أي مجتمع تجعل الفرد يشعر بالسعادة، وهي الرعاية الصحية المتطورة والتعليم المتقدم وارتفاع الدخل، وهي معايير اعتمدت بناء على مسح لآراء عشرات الآلاف من الناس حول العالم، مع ذلك فإن هناك من يعتبر أن الثروة ليست هي ما يجعل الناس سعداء، بل إنّ الحرّية السياسيّة والشبكات الاجتماعية القوية وغياب الفساد، هي أكثر أهمّية وفاعليّة من الدخل المرتفع، وهنا فإن الاختلاف في تقييم مفهوم السعادة أمر وارد بطبيعة الحال بحسب ثقافة وتطور واحتياجات كل مجتمع.

بالإضافة إلى الثروة فإن الاستقرار الوظيفي والأسري ووجود شخص يمكننا الاعتماد عليه يصنفه البعض من ضمن معايير السعادة أيضا، وهي التي جعلت التقرير العالمي للسعادة عام 2012 يضم إلى قوائمه كلاً من الإمارات والسعودية والكويت وقطر وفق نتائج أول مسح دولي شامل عن السعادة، أجرته الأمم المتحدة، والذي تصدرته الدانمارك في المركز الأول عالمياً وبوتان في المركز الأول آسيوياً والثامن عالمياً، وهي دولة معزولة في وسط آسيا ولكنها الدولة الوحيدة التي تقيس معدل سعادة شعبها.

بوتان واحدة من أكثر بلدان العالم عزلة، ورفع الحظر عن الإنترنت والتلفزيون فيها منذ سنوات قليلة، حيث يرى ساستها أن الإغراق في برامج التلفزيون والإنترنت غالبا ما يأتي على حساب هوية الأمة وبيئتها وثقافتها، لذا قامت الدولة بالموازنة بين ثقافتها وتقاليدها القديمة عندما قادت عملية التحديث تحت فلسفة توجيهية من مؤشر السعادة القومية، التي وضعت نصب عينيها أن حماية البيئة في البلاد أولوية قصوى، أما الحفاظ على الثقافة التقليدية للأمة وهويتها وبيئتها فأمر لا تهاون فيه، وهذا ما جعل مجلة بيزنس ويك عام 2006 تصنف بوتان كأسعد بلد في آسيا وثامن أسعد البلدان في العالم وفق المسح العالمي للدكتور هوايت في جامعة ليستر البريطانية، والمعروف بـ “خريطة السعادة في العالم”.

بوتان هي الدولة التي قادت مبادرة الاحتفال باليوم العالمي للسعادة في الأمم المتحدة، حيث تعتبر أن زيادة مستوى السعادة الوطنية متقدم في الأهمية على زيادة مستوى الدخل القومي منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث يعتمد نظامها الاقتصادي شعاراً شهيراً خلاصته “السعادة الوطنية الشاملة أهم ناتج قومي للبلاد.

عائشة سلطان

(نقلًا عن “الاتحاد” –

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى