إدارة التعليم العالي والفساد المستمر
تعتبر إدارة التعليم العالي من أهم إدارات وزارة الدولة للتهذيب الوطني والتعليم العالي والبحث العلمي وأكثرها حيوية وحساسية إذ تتولى هذه الإدارة الإشراف على وضع الخطط والتصورات العامة للتعليمالعالي في بلادنا، بالإضافة إلى إشرافها على متابعة دراسة وتكوين الطلاب الموريتانيين في الخارج وكذا منح التكوين بالنسبة لموظفي ووكلاء الدولة..
وقد مرت هذه الإدارة بعدة تحولات وتغيرات تبعا لتعاقب المسيرين تركت طابعها على بنية الإدارة وكادرها البشري. حيث تأرجحت بين إدارة عامة تتبع لها إدارة البحث العلمي وإدارة العلاقات مع المؤسسات، إلى إدارة فقط ثم عادت إلى وضعها الأول – في عهد الوزيرة نبقوها والتي كانت من أنجح فتراتها بشهادة الجميع- كإدارة عامة لتشهد أسوء انتكاساتها مع تغيير السادس من آغشت وتعيين الوزير الحالي ولد باهية وإقصائه للمدير آنذاك والذي شهد له الكل بالكفاءة والنزاهة.
هو تأرجح أبان عن ارتباك في السياسات التي رسمت لهذا القطاع من أجل انتشاله من حالة المرابحة والاسترزاق والمحسوبية إلى منطق إدراي قابل للبقاء والاستمرارية، غير أنه في كل مرة تأبى حليمة إلا أن تعود لعادتها القديمة مع نصيب من الانتكاسة قل أو كثر نصيبا مفروضا، ولعل أكبر انتكاسة شهدها هذا القطاع وقطاع التعليم بصفة عامة كانت تعيين الوزير الحالي الذي ترقى بقدرة قادر من متسكع في أروقة وأزقة كلية العلوم والتقنيات إلى أعلى هرم في المنظومة التعليمية دون مراعاة لأبسط معايير الخبرة والكفاءة أو أدنى مقومات الإصلاح التعليمي، لتبدأ مسيرة الفساد والفشل والمحسوبية والزبونية أولى مناوراتها مع مشكل أساتذة التعليم الثانوي مرورا بمسرحية الأيام التشاورية وليس انتهاء بنتائج المنح التي خيبت آمالنا وأبانت عن فساد ومحسوبية وسوء إدارة لقطاع كان من المفروض أن يكون عونا لنا في مسيرتنا الدراسية الصعبة في بلاد الغربة والمهجر، لا أن تكون أنيابا تنهش في أجسادنا وتغتال أحلامنا في دهاليز إدارة التعليم العالي المظلمة والظالمة والمتعفنة بروائح الفساد والرشوة والزبونية والصفقات التي تحاك تحت الطاولة وفي الغرف المغلقة وخلف الأبواب الموصدة بعيدا عن الرقيب القانوني أو الوازع الديني والأخلاقي.إن رمت التمثيل لبعض العناصر المفسدة أو بعض الخفافيش التي تعيث فسادا بمقدراتنا فلن تجد كبير عناء في ذلك، فستنبئك سيماهم في وجوهم من أثر الفساد عنهم، وإن أردت التحديد فخذ لك المدير الحالي للتعليم العالي والذي كان تعيينه القشة التي قسمت ظهر بعير منظومتنا التعليمية، أناشدكم بالله كيف تستسيغون تعيين عنصر فاقد لكل المؤهلات العلمية والفنية التي يفترض أن يتمتع بها أي مدير لإدارة بحجم إدارة التعليم العالي، لا مشاحة أن المدير الحالي قد يكون حقق نجاحا نسبيا في ممارسته لمهنة التاكسي بين أحياء العاصمة على الرغم من عدم اليقينية من ذلك، غير أن إدارة التعليم العالي شيئ آخر، يتطلب من بين أمور أخرى الكفاءة العلمية والوظيفية والرؤية الاستشرافية، والكاريزما الشخصية والهدوء ومنطق الإنصاف والعدل ومراعاة الضمير الإنساني والوازع الديني في حقوق أجيال تغربت عن الأهل والوطن وسبيلا في تحقيق مكاسب تعود بالنفع على هذا وطننا الجريح، قد يجد المدير الحالي عناء في استيعاب كلامي وقد يتملكه العجب غير أن العجب حين ترفعك مهنة الأمي وقيادة ماكينة متهالكة إلى قيادة مشروع أمة وأجيال وحق لنا أن ننشد قائلين.
لقد هزلت حتى بانت كلاها وسامــــها كل مــــفــــلس
قد لا تجد كبير عناء في الحكم على المدير الجديد ومستواه وطبيعة تعامله مع مرتادي إدارة التعليم العالي ممن شاءت لهم الأقدار أن يرتبط مستقبلهم الدراسي بهذا الوكر الوصي ــ ظلما وجوراــ على منظومتنا التعليمية الأكاديمية.
وصار أهم قطاع في هذه الإدارة وكرا من أوكار الفساد والمحسوبية ألا وهو قطاع المنح حيث تحكم فيه المدير في عنجهية وغطرسة لا تمتان بصلة بأخلاقيات مجتمعنا ولا ديننا أما أخلاق الإدارة فابحث عنها في سلة المهملات، هو منطق الزبونية والتحكم الاستبدادي الذي أتاح له إعطاء المنح لمن شاء من معارفه ومحسوبيه ومن يقدم أفضل خدمة بينما يتم إقصاء الطلاب المستحقين ومنعهم من حقوقهم الطبيعية في المنحة بحجج واهية لا تصمد أمام أي سؤال أو استفسار، فتارة أن النصوص المنظمة للمنح ليست في صالح تخصصات معينة وتارة في كون الغلاف المالي لايسمح بمنح جميع الطلاب، ليتواصل مسلسل التلاعب بمنح الطلاب ومصائرهم ولي عنق النصوص القانونية المنظمة للمنح لجعلها في صالح البعض دون البعض الأخر.
إن اجتماع لجنة المنح هو موسم للفساد والمحسوبية وزيادة الدخل، حيث يقوم المدير بالانقطاع الكلي عن العالم الخارجي من طلاب ومرتادين للإدارة ليستمر في التبتل في أحد المكاتب المظلمة وينتقي ما يروق له من الملفات وتقصي الأخر حسب الوحي والإلهام والهوى والرغبة الشخصية ذي الطبيعة النفعية، أما من حالفه الحظ ــ على قلتهم ــ وأستطاع أن يفلت من معاييره المجحفة الظالمة فلن يكون أحسن حظا ممن حرموا في الأصل، إذ يتم وضع الكثير من العقبات في سبيل استفادتهم من المنحة، من قبيل إرسال نتائج كل فصل دراسي والتسجيل في كل سنة وإن حدث أي تأخر في ذلك مهما كان السبب ذاتيا كالمرض، أو إداري كإهمال الملحقين في السفارات، أو عدم جاهزية الأوراق من لدن الجامعات أو المؤسسات العلمية التي يتبع لها الطلاب فله الويل والثبور، وإن راجع الإدارة في ذلك سائلا أو مستفسرا هو أو أهله فلن يجدوا من يقضي حاجتهم بل ربما أسمعوا ما لا يعجبهم من سيئ القول والفعل من طرف هذا المدير كل هذا يحدث على مرآى ومسمع من الوزير، بل لن يكون جوابه إذا تم إبلاغه سوى “إذهب إلى المدير وناقش مشكلتك هناك أنا ليس لدي الوقت لمثل هذا النوع من الترهات،” وكأنه عين للجلوس أو للخروج أو كأن المدير هو عمر بن عبد العزيز ورعا وعدلا وإنصافا… سبحان الله
أما الوزير المتباهي بالشفافية والإصلاح وقرب الإدارة من المواطنين فقد فشل فشلا ذريعا في كل الوعود التي طالما تشدق بها عن المستقبل المشرق لمنظومتنا التعليمية، غير أنك بمجرد استماعك لجزء من مداخلاته في بعض المناسبات ستدرك بكل بساطة وبما لا يدع مجالا للشك أنه بعيد عن إدارته وواقعها وعدم اطلاعه على ما يجري في خبايا ودهاليز بناية إدارة التعليم العالي، أو أنه يمارس لعبة رخيصة على عقول المواطنين والأرجح أن كل تلك العوامل مجتمعة مع الإدارة السيئة وانعدام الكفاءة للمدير والتي كانت وراء اختياره من لدن الوزير لمنصب مدير التعليم العالي هي التي تقف وراء الفشل الذريع في تسيير إدارة التعليم العالي
(إن الطيور على أشكالها تقع)
إذ كيف يصح لوزير لا يجلس أبدا في مكتبه ولم يبق مكتب من وزارته إلا وشرب فيه الشاي أو العصير أوهما معا ويعجز عن معرفة حقيقة ما يجري في دهاليز هذه الإدارة المتعفنة التي تفوح منها روائح الفساد والمحسوبية النتنة بشكل يزكم الأنوف ..أم أن السيد الوزير تعطلت حاسة الشم لديه تماما كتعطل ضمير المسؤولية ولم يعد يميز بين الروائح. إن مهزلة لجنة المنح وما آل إليه الغلاف المالي للمنح هو انعكاس جلي وأكبر دليل على عجز هذه الإدارة وفشل المدير في أن يكون مديرا ينفع الناس ويمكث في الأرض بل هو أقرب إلى الزبد الذي يذهب جفاء.
إن أي سياسة إصلاحية لهذه الإدارة يجب أن تمر ضرورة بقطع تلك الرؤوس المفسدة والتي أكلت الأخضر واليابس فوجودها عقبة أمام أي إصلاح حقيقي فقدرة هذا الأخطبوط الحرباوي الفاسد على التعايش والتكيف مع كل نظام والتلون باللون الذي يخدم مصالحه حسب متطلبات كل مرحة من أكبر العوائق التي تقف حاجزا منيعا أمام مستقبل إصلاحي لإدارة التعليم العالي بصفة خاصة ووزارة الدولة للتهذيب الوطني بصفة عامة.
فإلى متى ستبقى منحنا كعكة ومادة دسمة لمرابحة الإنتهازيين؟
يتواصل…
مريم منت البشير
المغرب