بيع الزوجات في بريطانيا
عادة بيع الزوجات في بريطانيا كانت بمثابة المخرج للزواج الفاشل عبر اتفاق متبادل، وقد بدأت هذه العادة بالظهور في نهاية القرن السابع عشر، حيث كان الطلاق شبه مستحيل بالنسبة للجميع ما عدا الميسورين جدا، حيث كان الرجل يسوق زوجته وقد ربطها بحبل شد إلى يدها أو خصرها أو عنقها ، ويقيم مزادا علنيا يبيعها خلاله.
وبغض النظر عن تفشي هذه العادة في ذلك الوقت، إلا أنها لم تكن مشرعنة قانونيا، وفي ولم يكن من الممكن ملاحقة المشاركين بها قانونيا، عدا عن أن تعامل السلطات معها لم يكن بنفس المستوى بين منطقة وأخرى، حيث كانت بعض السلطات تجبر الزوج على القيام بذلك حين يكون عاجزا عن إعالة أسرته، وفي إحدى الرسائل يقول أحد القضاة أنه لا يملك الحق القانوني بمعاقبة من يقومون بهذه العملية.
وقد بقيت هذه العملية بشكل أو بآخر حتى بداية القرن العشرين، وقد كتب المؤرخ ورجل القانون الإنكليزي جيمس برايس في عام 1901، بأنه في هذا الوقت كما في السابق لا تزال الزوجات تبعن أحيانا وخاصة في أوساط الطبقات المسحوقة، وفي إفادة لامرأة في محكمة ليدسا 1913 أكدت أن زوجها باعها لزميل له مقابل جنيه استرليني واحد، وتعتبر هذه الإفادة واحد من أواخر المعلومات التي تشير إلى أن بيع الزوجات عادة ما يزال معول بها.
ومع أن العمل بهذا التقليد بشكل علني لا يعرف له تاريخ دقيق، إلا أن بعض الحوادث المسجلة تشير إلى نهاية القرن السابع عشر، حيث تشير إحدى الوثائق إلى أنه في عام 1692 قام جون ابن نافان ويتهاوس ببيع زوجته في تيبتون للسيد برسيرغيلدرو، وفي 1696 حكم على توماس هيت ماولستير بدفع غرامة مالية بتهمة معاشرته بشكل غير شرعي لامرأة اشتراها من زوجها بمبلع 2 جنيه استرليني، ثم تجذرت هذه العادة تدريجيا حتى أواسط القرن الثامن عشر واستمرت حتى بداية القرن العشرين.
وتشير معظم المعلومات عن هذه العادة بأن البيع كان يتم بعد إعلان مسبق عن موعده ومكانه، وفي الأغلب فإن الإعلان كان ينشر في الصحف المحلية، وكان البيع يتم على شكل مزاد علني يحظى فيه بالزوجة المباعة من يدفع اكثر، وكانت الزوجة تقاد إلى السوق برسن مربوط على العنق أو الخصر أو اليد، وكان في معظم الأحيان يتكون من حبل أو شريط قماشي، وفي معظم الأحيان يكون الاتفاق على الصفقة بين البائع والشاري قد جرى مسبقا، ولكن المزاد كان يجري لأنه كان بمثابة إشهار الطلاق.
وكان الزوج عادة هو المبادر إلى طرح الاقتراح ببيع زوجته، ولكن موافقة الزوجة كانت ضرورية لكي تتم مثل هذه الصفقات، وفي بعض الحوادث فإن الشاري لم يعجب الزوجة فتراجعت عن موافقتها على البيع وأجلت الصفقة بسبب سحب موافقة الزوجة، أما بعد إتمام الصفقة فإن الزوجة التي بيعت كانت عادة ما تعيش مع الشاري الجديد.
ولم يكن الطلاق هو الدافع الوحيد لهذه الصفقات في جميع الأحوال، ففي بعض الحالات كانت عملية البيع تتم لستر الفضيحة، ففي إحدى الحالات يذكر أن شخصا جاء إلى منزله فوجد رجلا غريبا في سرير زوجته، ولكي يتفادى الفضيحة فقد اقترح الرجل الغريب عملية البيع فوافق الزوج وهكذا سترت الفضيحة، وفي بعض الحالات كانت العملية تتم من أجل الحصول على مبلغ من المال، وفي أحيان اخرى كانت تجري تحت تأثير السكر، حيث حدث مرة أن رجلا كان في الحان في حالة من السكر فباع زوجته تحت تأثير الحالة، واستيقظ في الصباح ليكتشف ما حدث فندم وطلب من الزوجة أن تعود إليه ولكنها رفضت، مما دفع به إلى الانتحار، وفي بعض الأحيان كانت الزوجة نفسها تنظم الصفقة وتقدم لدلال المزاد المبلغ المطلوب من أجل شرائها، لكي تتخلص من هذا الزواج، لقد كانت هذه العملية تشبه إلى حد بعيد عتق العبيد في الأزمان الغابرة، فعملية بيع الزوجة كان يتم في معظم الأحوال لعتق الزوجة من مؤسسة الزواج.
سعر الزوجة كان يصل أحيانا إلى أكثر من 100 جنيه ولكنه أحيانا كان ينخفض حتى يصل إلى كأس من البيرة، والثمن لم يكن في جميع الحالات ماليا، وقد عرفت بعض الحالات التي كان فيها الثمن طعاما أو ما شابه، كتلك الحالة التي باع فيها الرجل زوجته لقاء قطعة لحم (كتف خروف) وزجاجة كحول، رغم أن السعر في العملية كان أمرا ثانويا على العموم، فقد كانت عملية البيع العلني على الملأ هي الأهم، لأنها كانت بمثابة إشهار قانوني لعملية الطلاق.
المؤسسة الروحية إما أن الأمر التبس عليها فلم تكن واثقة من شرعية هذا الأمر في القانون أو انها بكل بساطة كانت تغلق عينيها عن الموضوع، أما القضاء فكان في حيرة من أمره، فرغم ان القضاة كانوا في غالبيتهم ينظرون إلى هذه العملية على أنها سلوك مشين، غير أنهم كانوا عاجزين عن فعل شيء حيالها، حيث انه لا يوجد في القانون أي مادة تمنع بيع الزوجة، ولذلك فإن القاضي الذي يريد الحكم على البائع أو على الشاري لم يكن لديه قانون يعتمد عليه، وقد حدث أن بعض القضاة حاولوا منع ذلك ولكنهم فشلوا، وفي إحدى الحوادث أن القاضي ارسل الشرطة لمنع المزاد فقام الحضور برجمهم بالحجارة ولم يفلحوا في منع المزاد، وقد كتب القاضي عن ذلك قائلا: ” رغم أن الهدف النهائي من إرسالي الشرطة إلى هناك كان منع هذا المزاد المعيب، بهدف الحفاظ على النظام العام، فإنني عمليا لا أعتقد بأنني أملك الحق في منعه أو حتى عرقلته بشكل من الأشكال، لأن هذا يعتمد على عادة شعبية، وربما كان من الخطر التدخل بها بشكل ما عبر قانون يخصها” وقد كان للحبل الذي تقاد به الزوجة معنى رمزيا في هذا الطفس، حيث يقوم الزوج بعد أن تتم عملية البيع بتقدم الحبل للرجل الذي اشترى زوجته، كعلامة على إتمام الصفقة.
وفي حالات كثيرة كانت المرأة التي تم بيعها تتزوج من الرجل الذي اشتراها، ورغم أن اختيار السوق الذي يجري فيه المزاد كان الهدف منه تأمين اكبر عدد من الشهود على عملية الطلاق الغريبة هذه، فإن ذلك لم يكن يوثق خطيا، ولهذا فقد حاول البعض فيما بعد أن يسبغ على العملية صفة قانوية عبر تسجيل العقد الذي يتعهد فيه الزوج البائع بالتنازل عن جميع حقوقه في الزوجة التي باعها وعدم المطالبة بإعادتها له فيما بعد، وكذلك بعدم التزامه باية مسؤولية لاحقة تجاهها.
ومن الجدير بالذكر أن هذه العادة لم تكن منتشرة بشكل واسع في المجتمع، وكانت نادرة الحدوث ، فبين عامي 1780 و 1850 سجل حدوث 300 حالة فقط.
في نهاية القرن الثامن عشر بدأت تتكون حالة من النفور من هذه العادة، وخاصة في أوساط النساء، وقد شهدت عدة مزادات من هذا النوع تدخل مجموعات من النساء اللواتي قمن بمنع حدوث الصفقة، حدث ذلك عام 1756 في دبلن حيث قامت مجموعة من النسوة بالتدخل لمنع أقامة المزاد من أجل (انقاذ) الزوجة، ثم تم القبض على الزوج ومحاكمته من قبلهن، حيث تم الحكم عليه بأن يسجن في زريبة الحيوانات حتى صباح اليوم التالي، ورغم أن بعض افراد النخبة الاجتماعية كانوا يريدون الحفاظ على هذا الأمر كعادة شعبية، إلا أن الموقف السلبي تجاهها كان يتسع يوما بعد يوم، مما كان يؤدي إلى تناقص عدد الحالات مع تقدم الوقت، وكان أول قاض قام بتصنيف هذا الأمر كجريمة يعاقب عليها القانون هو اللورد القاضي وليم ميوري الذي صنفها كجريمة ( اتفاق لتسهيل الزنا)، ولكن قلة من هذه الحالات كانت تقدم للمحاكمة،
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر أخذت ظاهرة الإدانة تتسع، وطالبت الجهات القانونية بتصنيف هذه العادة كجريمة منصوص عليها، وبالفعل صدر قانون يمنع ذلك ويعاقب بالسجن لمدة ستة اشهر على كل من يقدم على بيع زوجته، ومع أن المزادات العلنية لبيع الزوجات انخفضت لدرجة كبيرة إلا أنه تم ابتكار طرق أخرى يتم فيها الاحتيال على القانون، واستمرت ظاهرة البيع وإن بوتيرة ابطأ، ومع استمرار التضييق على هذه العادة عبرتجريمها قانونيا، استمر التناقص حتى سجلت آخر حالة في عام 1913 حيث مثلت المرأة التي بيعت أمام القضاء واعترفت أن زوجها باعها لزميل له، وبعد ذلك لم يسمع أحد بأن زوجا انكليزيا اقدم على بيع زوجته، ويمكن القول أنه تم القضاء على هذه العادة.