قصاصات بروكسيل/محمد الأمين محمودي
الزمان انفو _ القصاصة الثانية:
حصلت على التأشيرة الأوروبية لكن فعلا لم اقرر السفربعد،فقد زهدت فيه حين اصبح واقعا وحقيقة،وضعت الجواز في جيبي،وصار رفيقي في سفراتي الليلية ومتى نال الكرى مني وضعته تحت مخدتي ليصرف عني الكوابيس،به ومعه اصبحت احلامي وردية،وبدأ اصدقائي يعدونني من المصطفين الأخيار..سألتحق بركب من حققوا نجاحات وإن تظل هذه النجاحات نسبية لدى من هم اعلى منا ،وهم كثر فنحن تقريبا في المستوى صفر،نكتب، نبدع في لعب الكرة( الورق بالنسبة لأصحاب الأبدان الرخوة)،نقرض الشعر او جلنا،من بيننا من يستعدون لنيل شهادة المتريز ومنا من تخرجوا من جامعات عربية واوروبية، لكن في النهاية نحن الحفاة الذاهلون السائرون على اقدامهم،المقبلون على أدبار الآخرين،المتبطلون،المتسكعون،المقتاتون من كلمات نكتبها اومن عرق وشقاء الوالدين،نحن حالات احباط تتلون كل واحدة منها بثقافة وتنشئة صاحبها..لكننا سعداء،وسبب سعادتنا اننا كنا ننزل للقاع لنعثر على من هم تحتنا كي نمارس حقنا في التعالي،فان احبت مسنة او بغي احدنا اتخذنا بيتها او ماخورها مسكنا نوزع فيه العظات ونمارس فيه القليل من التعالي والعيش”الكريم”
اذكر انني كنت اتأبط مائتين اثنتين يوميا واذهب الى محطة اكلينيك،حيث وجبة المصران(المصران جمع مصير) وكأس اللبن الرائب ثم تبدأ الرحلة الى بوحديدة في مقدمة الباص الأخضر،حيث يفرض علي ما اكتب في الصحف ان اخفي بطاقة تخفيض النقل للطلاب خشية الاحراج امام ” المعجبين” مع ان لا احد يعرفني من الركاب فلست شهيرا بالدرجة التي اعتقد.. حياتنا ليست مملة لكننا نحمل هما ونحسه ونعيشه، لذا وجد اغلب اصدقائي في “ضمير ومقاومة”نفسا مختلفا عن ذلك التقليدي.
قررت في قرارة نفسي تأجيل السفر الى اوروبا فالبلد سيشع والنفط سيخرج رقراقا وسأكون محمد الأمين آل محمودي وربما اتقاضى راتبا كبيرا يناسب مواطنتي حتى لو كنت بدينا واقدم النشرة الجوية مع الصبايا،فالمهم هو العقال والاسم..نسيت اننا لانستخدم العقال الا في حالات اخرى..انه وهم النفط الذي عشناه جميعنا خلال الأيام الأولى للألفية الجديدة..قررت ان اظل كحمار المسعدي وان لاتحركني هواتفه..اكرر معه: الأرض هي ذي قد اكتشفتها.
ذات ليلة كنا في القاعدة البحرية في حفل زفاف صديقنا وقريبي الشرطي الشيخ ولد باها(لا أعرف لماذا يقام حفل الزواج ذاك في قاعدة بحرية)،حين اشار علي احدهم بأنه يريد التحدث الي على انفراد،انه احد المدعويين من اصدقاء العريس الذين لا اعرفهم،خرجت معه
– محمد الأمين انت لاتعرفني،لكن الشرطة في طريقها الينا تبحث عنك،وهم يرابطون امام بيتكم في “بي ام دي”
– اذهلني الخبر فلاعلم لي بنشاط للتنظيم،لكنني فكرت بأن الرفاق ينشطون عادة ولايخبرون الا المعنيين،اذكر ان مجموعة دخلت تجكجة ليلا وكتبت على الجدران وكتبت على البيت الذي كان يستعد لاستقبال معاوية،وكنت في وفد الصحافة،حين اعتقلت لاعتقادهم بأن لي علاقة بالأمر وتلك قصة قد اعود اليها بالتفصيل اذ فيها مايستحق الذكر..قلت في نفسي لعلهم فعلوا الليلة مايقتضي القبض على الجميع..
– اتضح ان الأهل اتصلوا بي مرات لكن جلبة الحفل كتمت النداءات،اكد لي الوالد هاتفيا كلام وتحذير الرجل المجهول.
– خرجت من الحفل دون ان اخبر ايا من المحتفلين، لكن فعلا لاحظت ان اعضاء ضمير ومقاومة من المجموعة لم يحضروا ولم يتصلوا معتذرين،تواصلت مع اخي،التقينا في كارفور،ابلغني بأن الوالدة تأمرني بالذهاب حالا الى السنغال ومنه الى فرنسا.
– سأذهب الى السنغال لكن يستحيل ان اخرج منه الى اي بلد،فأنا لا اريد تركهم جدتي امي ابي اخوتي،انهم من جعلوني ابقى في هذا الجحيم حتى اليوم..لولاهم لما بقيت يوما بعد حصولي على الفيزا.
– ودعني واخبرني بأنه سيكون في داكار بعد ايام لنرتب الأمر،اعطاني عمامة ومبلغا ماليا ثم اختفى.
– اعتجرت وركبت تاكسي كجميع المسافرين،وصلت روصو دون متاعب تذكر،اجرت زورقا صغيرا دون ان يعترض سبيلي اي رجل امن ماجعلني اشك في ان الأهل ربما تسرعوا،فربما كان امن الدولة ليستفسرني عن امر ما..حقا لا اعرف.!!.
– في الطريق الى دكار،كان الجو منعشا ليلا، ولاحديث الا عن حرب افغانستان،كنت اغيب عن الركاب ثم اعود فقط بكلمة تذكرهم بأنني موجود،اعرف ان الأزمة لن تدوم يومين وانهم اعتادوا القاء القبض علينا لأنهم يعتقدون بأن جمال ولد اليسع يخبئ لهم مفاجأة قد تكون خارجية لكن ايضا قد تكون داخلية خاصة ان من بين الرفاق من قطعوا اشواطا بعيدة في اقناع التنظيم بحمل السلاح،..كانت الطريقة التي دخل بها سيداحمد ولد اعل خملش وجماعته تجكجة ليلة وصول ولد الطايع عملية اختراق كبيرة،فقد وصلوا البيت المعد لاستقبال الرئيس وحمروا جدرانه بالشعارات الثورية كما وضعوا تحت عجلات جل سيارات الدرك مسامير في قطع خشبية صغيرة تحمل الحرفين “سي ار” ومتى تحركت السيارة انفجرت العجلة..اندرسوا في الطبيعة الجبلية كالأشباح ولم يعثر لهم على سبيل،والغريب انهم طيلة الرحلة من انواكشوط الى تجكجة والعكس كانوا لايستخدمون الطريق المعبد الا لماما..كانت اهانة للقوى الأمنية من شرطة ودرك وحرس رئاسي.فعلا بدأت ضمير ومقاومة تزعج لكن لم يكن لي اي ارتباط بمثل هذه العمليات،فقد كنت عضو الخلية الاعلامية التي اصبحت لاحقا انشط اعضائها لكن حين وصلت بلجيكا وليس قبل ذلك ففي انواكشوط نحن ارقام تتحرك والخلايا بعضها لايعرف البعض الآخر..لابد ان الرفاق فجروا او حملوا السلاح،لابد ان محورخملش وسيدي و”بودزا” قام بمايستحق هذا الاستنفار الأمني..وصلت الأقارب من التجار في “ابكين”،وكنت قد اقمت معهم قبل هذا خلال انتدابي عام 99 لاطلاق بث عربي في اذاعة وليدة اسمها ” والفجر”،ربما اعود لتلك التجربة التي انتهت فجأة بسبب نوبة رعاف..
– بعد يوم وليلة كنت قد ذهبت مع احد الأقارب الى عمارة بداكار لنشرب شايا عند احد اصدقائه وبينما كنا نسير في رواق يربط الشقق اذ خيل الي انني رأيت من احدى النوافذ وجها اعرفه جيدا،عدت خطوات ونظرت فاذا بالرجل الواقف يسلق بيضة ويترنم ببعض الأغاني..انه هو..نعم انه من كنت اعتقد.
– يتواصل