ملاحظات على هامش التعديل الوزاري الجزئي / محمد الأمين ولد الفاضل
ينشغل الموريتانيون عادة بعد كل تعديل وزاري بالبحث عن الأسباب والدوافع التي كانت وراء ذلك التعديل، لذلك فلا غرابة أن ينشغلوا بالتعديل الوزاري الجزئي الذي تم تسجيله الليلة البارحة، والذي أبدل وزيرا بوزير، ووزيرة بوزيرة.
ورغم أني لست في العادة ممن يُجهد نفسه في البحث عن تفسيرات و تأويلات لمثل تلك التعديلات، وذلك لاعتقادي بأن تلك التعديلات والتعيينات لا يمكن تفسيرها بعيدا عن “المزاج السامي” لسيادته، وعن تقلبات ذلك المزاج، إلا أني ورغم تلك القناعة فسأحاول في هذه المرة، أن أستجيب لبعض القراء، وأن أتهجى التعديل الوزاري الجزئي، وأن أشاركهم بعض الملاحظات التي توصلت إليها بعد عملية التهجي تلك.
الملاحظة الأولى : أرسل هذا التعديل الجزئي رسالة ثالثة عبر البريد المضمون والسريع إلى بريد رجل الأعمال “محمد ولد بوعماتو”. وهذه الرسالة التي جاءت في طيات التعديل الجزئي هي الرسالة الثالثة التي يتم إرسالها خلال هذا الأسبوع إلى ذلك العنوان. كانت الرسالة الأولى تتعلق بإطلاق سراح “الكوري ولد عداد” الذي يترأس مبادرة للدفاع عن ولد بوعماتو، أما الثانية فكانت تتمثل في عدم اتخاذ أي إجراءات تصعيدية ضد البنك العام لموريتانيا وذلك بعد انتهاء المهلة التي أعطاها البنك المركزي لرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو لفتح البنك حتى لا تتخذ ضده إجراءات عقابية جديدة.
لذلك فيمكن القول بأن تعيين وزير للاتصال يحسب على رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو إنما جاء في إطار تهدئة يسعى لها النظام مع رجل الأعمال الغاضب. وهي تهدئة ربما تكون نتيجة لوساطة تجري حاليا، وربما تكون نتيجة لشعور النظام بأن ولد بوعماتو قد يكون هو الذي يقف وراء “تسجيلات أكرا”، أو على الأقل، لخوف النظام من أن يستغل ولد بوعماتو تلك التسريبات ويوظفها توظيفا ذكيا ضد النظام.
الملاحظة الثانية : في هذا التعديل هناك رسالة أخرى قد تكون موجهة إلى الحزب الحاكم، والذي صعد منه قيادي نشط، وقيادية نشطة في هذا التعديل، خاصة وأن الحزب الحاكم ظل في الفترة الأخيرة محروما من التعيينات المهمة لصالح بعض أحزاب الأغلبية وأحزاب المعاهدة (عادل، الوئام).
وربما يكون الدافع لذلك هو أن الرئيس قد بدأ يشعر بأن أولئك الذين كان يعول عليهم، في وقت من الأوقات، كبديل محتمل للاتحاد من الجمهورية، أي الأحزاب الشبابية، خاصة حزب الحراك، هم أكثر عجزا وضعفا وارتباكا من الاتحاد من أجل الجمهورية.
فالحراك الذي توجهت إليه في وقت من الأوقات أنظار الطامعين في “بركات السلطة وخيراتها” لم يعد له من ذكر إلا في تلك الأوقات التي يُعلن فيها عن استقالات جماعية من هذا الحزب الشبابي اسما، والعجائزي من حيث الأفكار والعقليات.
الملاحظة الثالثة : ربما يكون هذا التعديل الجزئي جدا قد جاء ليقدم رسالة فصيحة وصريحة لمن يهمه الأمر سواء كان ذلك الذي يهمه الأمر في المعاهدة أو في المعارضة، ومضمون هذه الرسالة يقول بأن النظام الحاكم لن يقبل إطلاقا بأي حكومة موسعة، والتي تشكل المقترح الأساس في مبادرة الرئيس مسعود.
فالإعلان عن تعديل وزاري جزئي في مثل هذا الوقت بالذات قد يعني بأن الرئيس لا يفكر إطلاقا في أي تعديل موسع في المستقبل المنظور يدخل بموجبه وزراء من المعاهدة أو المنسقية في الحكومة الموسعة، فلو كان الرئيس يفكر في مثل تلك الحكومة الموسعة لأجّل هذا التعديل حتى يقوم بتعديل شامل في إطار حكومة موسعة.
ومما يدعم هذه الرسالة هو تلك التسريبات الصحفية التي تحدثت عن تحديد اللجنة المستقلة للانتخابات لواحد من أكتوبر كموعد للانتخابات، وعن لقاء اللجنة بولد باهية وببيجل دون علم من أحزاب الأغلبية ولا المعاهدة. فهذه التسريبات مع التعديل الجزئي الأخير تقول بأن النظام يفكر في تنظيم الانتخابات القادمة حتى ولو قاطعتها المنسقية، وحتى ولو أغضبت مسعود الذي ربما يكون قد أصبح مقتنعا بعد تلك التسريبات، وبعد التعديل الوزاري الأخير بأن النظام يرفض مبادرته، وأنه قد يكتفي بالتحالف مع الوئام ومع زعيمه بيجل الذي أصبح في الآونة الأخيرة يطلق تصريحات قد لا تطرب مسعود كثيرا.
الملاحظة الرابعة: تقول القراءة الشكلية لهذا التعديل بأن كل الذي حدث هو أن وزيرا صعد بعد سقوط آخر، وأن وزيرة صعدت على حساب أخرى، أي أن التوازنات حتى في مجال النوع ظلت قائمة.
ولكن لماذا أقيلت تلك الوزيرة بالذات، ولماذا أقيل ذلك الوزير بالذات؟ تقول الإجابة السريعة بأن الوزيرة قد أقيلت لأسباب تتعلق بالتوازنات الجهوية وذلك بعد أن تم تعيين وزير من منطقتها في الحكومة (وزير الصحة). أما إقالة الوزير فقد يكون تفسيرها أكثر تعقيدا وصعوبة، وبالتالي فلا يمكن تفسيرها بإجابات سريعة.
ولأن الأسباب قد تتعدد إلا أني هنا سأتحدث عن جزئية واحدة، تتعلق بغلطة ارتكبها الوزير ومرت دون أن تجد من يفطن لها، أو يتحدث عنها.
خلال تغطية حرب فرنسا في مالي، تم استدعاء مدير وكالة نواكشوط للأنباء من طرف رئيس السلطة العليا للصحافة في إطار تغطية الوكالة لتلك المعارك. وكانت الوكالة قد تعرضت لعملية قرصنة، لم تصدقها الجزائر، تم بموجبها نشر خبر يسيء للجزائر، وبتفاصيل مثيرة من حيث تحديد رتب العسكريين الذين ذُكرت أسماؤهم في ذلك الخبر.
كان الاستدعاء من طرف السلطة العليا عاديا، وكان رد مدير الوكالة مقنعا ومنطقيا، وكان من المفترض أن تنتهي تلك الحادثة عند ذلك الحد. ولكن الوزير الذي يبدو أنه لم يكن راضيا عن رئيس السلطة العليا للصحافة، حاول أن يستغل تلك الحادثة فوقع في هفوة دبلوماسية كبيرة، وذلك عندما أشاد، وبعد تلك الحادثة مباشرة، ومن إذاعة نواكشوط نفسها بالتغطية المتميزة التي قامت بها الوكالة، وهو ما يمكن أن تفسره الجزائر بأن الناطق الرسمي للحكومة الموريتانية (وزير الإعلام) أراد أن يرسل لها رسالة غير ودية بتصريحاته تلك.
لا أعتقد بأن الوزير لديه مشكلة مع الجزائر، ولكن خلافه مع رئيس السلطة العليا للصحافة قد أوقعه في ذلك الخطأ الشنيع، وسيوقعه بعد ذلك في أخطاء أخرى كان من بينها غياب السلطة العليا للصحافة عن ورشة حول مدونة أخلاقيات الصحافة نظمها تجمع الصحافة بدعم من الاتحاد الأوروبي، وقد أرجعت بعض المواقع غياب السلطة لكونها لم تصلها دعوة من طرف الوزارة، وكان ذلك لقصد تغييبها عن الورشة، حتى يتم تفسير ذلك الغياب بشكل غير ايجابي.
الملاحظة الخامسة: أبارك لكل الوزراء الذين نجوا من التعديل الجزئي الأخير، وخاصة وزير الداخلية الذي كان يذكر اسمه في كل الإشاعات التي كانت تتحدث عن أي تعديل وزاري مرتقب، وذلك بسبب وصوله إلى سن التقاعد.
وإلى تعديل وزاري جديد …حفظ الله موريتانيا.