من دار خرج معوجا / محمد نعمه عمر
من عادتي أن لا أعلق على حوارات وردود الساسة، لأنهم كثيرا ما يطلقون الكلام على عواهنه، أو كما يقول منظر الخارجية الأمريكية “هنري كسنجر” (السياسي هو من يعد ببناء جسور حيث لا توجد أنهر).
لكن اللقاء التلفزيوني (حوار) مساء أمس شدني في فقرات منه ولم أتابعه كاملا.. حيث كان رئيس حزب “تواصل” محمد جميل ولد منصور، سياسيا محنكا من الطراز الأول، لم يتمكن زملائي من إفحامه ليس لأن سياسات تواصل وسلوكيات أفراد هذا الحزب وقادته لا تكفي مشجبا لتعليق غسيلهم ككل السياسيين في لهذا البلد؛ بل لأن الحوار أخذ، ومنذ اللحظة الأولى مسارا أشبه ما يكون بحوار الطرشان،
الوحيد الذي كان يستمع بتؤدة هو المشاهد، لقد كان أمله أن يطرح الصحفيون أسئلة نابعة عن قوالب ذهنية واحترافية، ليست تلك الصدامية التي قرئ منها أنها تطرح نيابة عن شخوص وأجهزة كانت هي أيضا غائبة حاضرة، من قبيل إدارة الضرائب عند الحديث عن مصادر التمويل ولعبة الأرقام، وأخرى عادة ما تطبخ في فناءات “الكستابو”.
لم استشعر المهنية التي كنت أنتظرها من علامات سامقة، ولا أعني هنا كل الزملاء لقد حاول البعض منهم تميثل الطرف الغائب، الجمهور أوالمشاهد، المهم هو أن التحضير للبرنامج كما بدا لم يكن على المستوى المطلوب ولم يسأل ولد منصور عن جملة من العلاقات المتعدية التي هي في القاموس الإيديولوجي لا تقبل القسمة على إثنين هي هي، سواء في موريتانيا أو مصر، أو السودان أو تونس.. إلخ.. كل ذلك خلق لدى “القوي الأمين” فسحة في النفس، فقلل من أهمية المنسحبين من حزبه، وبشر بنتائج باهرة في حالة ما أجريت انتخابات نزيهة، وكأني به استيقظ فجأة على بوادر الرحيل، رغم أن الربيع العربي استراح أمام صخرة الجزائر التي اكتفت معارضتها الناطحة، بكراسي مهترئة في برلمان عربي. عودة إلى روح البرنامج تعطي الانطباع بأن تواصل لا يعاني من داء الأحزاب السياسية الأخرى، الأمر الذي كاد أن يلامسه أحد الزملاء لكن بأسلوب آخر، يؤكد أن الحزب الإسلامي لا يعاني من أزمة قيادة بقدر ما يعاني من أزمة سلوك، يشيطن أعضاؤه الجميع ويسقطون الاتهامات على الجميع، والبركة في من أسماهم الرئيس بالمتميزين، الذين يواجهون المنافسة الشريفة بأساليب أبعد ما تكون عن روح الإسلام والديمقراطية التعددية،
وليس المكان جادة ليقع فيه الحافر على الحافر. المهم أن البعض لاحظ أيضا أن نائب رئيس الحزب البرلماني “السالك ولد سيدي محمود” كان حادا في رده واتهاماته للصحفيين، فلكل أسلوبه في الحديث وفي القدرة على ملامسة الواقع، وربما غلبت طبائع الأمكنة على النفوس، المهم أن “الرئيس” كان قادرا على توظيف فكرته وإخراجها بالشكل الذي يرتاح له أهل “إكيدي”،
بينما كان نائبه خارج الحيز الجغرافي لأكلة “العيش” لكنه لم يجانب “الصواب” ولا أعني هنا الحزب، بل قناعته هو ونهجه البرلماني ومن شب على شيء شاب عليه. عموما كان برنامج “حوار” مساء أمس خرجة تواصلية، أراد البعض حسب “ولد سيدي محمود” أن يشبه “لقاء الشعب” في انتقائيته، لكنهم أرادوا عمرا فأراد الله خارجة، التوفيق حالف “تواصل” بنسبة 70% ليس لأنه كان مقنعا في كل شيء بل لأن من دار خرج معوجا.