حول رواية”وادي الحطب”
الزمان انفو ـ ترصد رواية “وادي الحطب” لصديقنا الأديب والشاعر د. الشيخ أحمد البان التاريخ الاجتماعي والسياسي لمنطقة أفلة في فترة مهمة من تاريخ موريتانيا، وتمزج في ثنايا ذلك بين الفن والحرب، بين مآسي العبيد ومكائد المستعمر وقصص الحب..
يصوّر الكاتب تلك المشاهد بلغة مشرقة تلقي نظرة على المشهد من عل “كان الأفق مضرجا بدماء الشمس المذبوحة بسكاكين الليل الذي بدأت دياجيره تلف ذلك السهل من أطرافه، النيران تلتمع بين أخصاص الطلبة منذرة بليلة دهماء حالكة، أسراب الطيور تنفض أجنحتها محلقة إلى أوكارها في انتظام وتناسق عجيبين..”
ثم تغوص في المكان لترسم بدقة جغرافيته ومايكتنفه من مشاهد جميلة أصيلة “تنداح التراتيل المتداخلة صادحة طيلة النهار وآناء من الليل على سفح تلك الهضاب الرّملية المطلة على سهل واسع ينتهي بعد كثير من التمدد في سلسلة جبلية صماء، تتناثر في حضنها بضعة أجبال منقطعة وتختفي أرضية السّهل كلها تحت أشجار كثيرة متساوية الطول، يُخيّل للناظر أنها زرعت كلها في يوم واحد”
ومن تلك المشاهد الكلية تتحفك الرواية أيضا بتصوير تفاصيل الجمال الخاصة:
“تربه فال من ذلك الصّنف من النساء اللواتي وهبهن الله مسحة جمال فردوسي أخاذ، عيناها السوداوان الواسعتان وأنفها الطويل وشفتاها المتردّدتان بين الاكتناز والارتخاء، كل ذلك يمنح وجهها جمالا طبيعيا، لكن جرحا مطبوعا على خدها الأيمن
يعطي ذلك الجمال نكهة خاصة، لا يحتاج حسنها إلى رعاية تجميل، لوجهها نفس السّحر والبهاء، سواء كانت تحت الشمس الحارقة أو في كنف الظلال..”
تعدّ رواية “وادي الحطب” أول رواية موريتانية ترصد التاريخ الاجتماعي والسياسي الحديث في منطقة أفلة، تغوص في خصائص المجتمع، تحلّل نفسيته، تترصد مكامن القوة، تحلل شبكة العلاقات الاجتماعية والعلاقة بالمستعمر الفرنسي، كل ذلك بلغة أنيقة جميلة، دون أن تنسى الرواية بين الفينة والأخرى مشاهد الحياة الحزينة للعبيد ” الوقت عصرا وأصوات الدفوف والنايات ترد إلى امبيريك متقطعة من أقاصي الحي، تتخلل ذلك أصوات الإماء وهن تمطّطن أصواتهن بكلمات الأغنية الأثيرة
التي اعتدن تلحينها في مزارعهن على وقع حركة أيدي الرجال بالمحاريث والمناجيل:
يا احريثت لوديْ يدنّك تنكجاي
ألّ بأواجيل ولّ بأجباي..
وكذا النايات الحزينة التي تفضح مآسي العبودية بلغة ضاجّة بالشجن “الناي هبة القدر لأولئك المطحونين ينفثون فيه الشجن والأسى الذي يسكنهم منذ لحظة الرعب الأولى عندما استوى أحدهم فجأة على ظهر فرس لصّ متوحش وأوغل به شمالا معصوب العينين، تذكر امبيريك لحظته الأولى تلك وابتسم عجبا من تلك اللحظات التي كان يتشبث فيها بثياب مُهرّبه خوف السقوط من على صهوة الفرس التي تسابق الرّيح … هل يصح أن يتحول العدو في لحظات إلى مثابة للأمان؟
لا شك أن رواية “وادي الحطب” ستكون إضافة نوعية للإنتاج الأدبي في هذه الرّبوع ولقراء الأدب والرواية بصفة عامة.
من صفحة حمود الفاضل