ايهما أخطر.. القذافي أم صدام؟ / عبد الباري عطوان
كم يشعر الانسان العربي بالمهانة عندما تبدأ الحقائق تتكشف امامه حول التدخل العسكري الغربي البشع في دولنا لتغيير انظمتها وفق المصالح الغربية، وبما يخدم استمرار الهيمنة الاسرائيلية وتعزيزها.
اكاذيب، فبركات، ممثلون درجة عاشرة، نصابون من مختلف الجنسيات معظمهم من العرب للاسف، وفي النهاية هناك من يصدق كل ذلك من حكامنا العرب، ويقوم بالادوار المطلوبة منه وفقا للتعليمات الامريكية الصريحة.
ويتساوى هنا الحكام الديكتاتوريون المطلوب تغييرهم، مع الآخرين الذين يجري ابتزازهم، ومساومتهم على البقاء مقابل ‘جزية’ الى حين صدور القرار بالتخلي عنهم.
في الذكرى العاشرة لاحتلال العراق كشفوا لنا الدور البارز الذي لعبه رافد الجنابي العراقي الذي فبرك وبتعليمات من المخابرات الامريكية والالمانية، اكذوبة المعامل البيولوجية والكيماوية، والشاحنات المتنقلة، واليوم تكشف لنا شهادة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الاسبق امام لجنة تشيلكوت التي تحقق رسميا في ظروف هذه الحرب، انه ذهب الى مزرعة الرئيس جورج بوش الابن للاعداد لحرب الاطاحة بنظام العقيد القذافي، باعتباره الاخطر من العراقي صدام حسين، بسبب امتلاكه مخزونا كبيرا من اسلحة الدمار الشامل، مقابل كميات محدودة لا تملأ شاحنة صغيرة لدى الثاني، ليفاجأ بالرئيس بوش يطالبه بالاستعداد لحرب للاطاحة بالرئيس صدام حسين ونظامه.
بلير الديمقراطي جدا، مثل الغالبية الساحقة من الحكام الغربيين، عاد الى لندن، حسب شهادته الرسمية الموثقة بالصوت والصورة، ليبدأ في اعداد سلسلة من الاكاذيب، من اجل حشد الرأي العام البريطاني، او جزء منه، خلف حرب ضد بلد محاصر، وشعبه مجوع، منذ 13 عاما، بذريعة امتلاكه اسلحة دمار شامل، يدرك الغرب مسبقا عدم وجودها.
من حقنا نحن الذين رفضــــنا هذه الحرب، وفضحـــنا اكاذيــــب الادارة الامريكية وحلـــفائها العرب، قبل الاجانب، وتعرضنا بسبب ذلك الى سلسلة طويلة من الاتهامات والشتائم بلا نهاية، ان نطالب بتحقيق عربي، مواز للتحقيقات الغربية حول دور زعمائنا العرب في هذه الحرب، التي ادت الى استشهاد مليون عراقي، وتيتيم اربعة ملايين طفل، وتدمير بلد عربي عزيز وقف دائما في خندق الامة وقضاياها المركزية، ولم يبخل بالدم والمال. ‘ ‘ ‘
نريد هذا التحقيق باشراف الجامعة العربية وامينها العام الدكتور نبيل العربي، ولا مانع من الاستعانة بخبرة السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي، خاصة بعدما اصبح بلا وظيفة ولا دور بعد انهيار مهمته الحالية في البحث عن حل سياسي للازمة السورية.
وطالما ان الجامعة نشيطة هذه الايام في تأييد ثورات الربيع العربي، وتصدر صكوك الشرعية لمن تشاء وتسحبها ممن تشاء، فاننا نطالبها ايضا، وامينها العام مرة ثانية، بان يطرد توني بلير هذا الملطخة يداه بدماء العراقيين، من المنطقة بأسرها، ومن وظيفته كمبعوث دولي للسلام في الشرق الاوسط، فهذا الرجل مجرم حرب، وفوق كل هذا وذاك كاذب محترف الكذب والفبركات، وسيدان من لجنة التحقيق البريطانية المكلفة بالتحقيق في دوره في خداع الرأي العام البريطاني، فماذا ننتظر منه، وهو الذي لا يخفي انحيازه الكامل لاسرائيل، ويعمل مستشارا متبرعا لها، يقدم النصائح لبنيامين نتنياهو حول كيفية التصدي للحملات الغربية التي تهدف الى نزع الشرعية الدولية والاخلاقية عن اسرائيل.
نشعر بالاذلال كعرب ومسلمين، ونحن نرى ونسمع ونشاهد كيف يتآمرون علينا، ويخططون لحروب ضدنا، والاستيلاء على ثرواتنا، وكأننا قطيع من النعاج ممنوع علينا ان نصرخ ألما او احتجاجا من سياط مخططاتهم او سكاكينهم التي تقطع اوصال بلداننا.
بلير هذا الذي كان يريد حربا ضد ليبيا لاطاحة نظامها، تحت ذريعة امتلاكها اسلحة دمار شامل، كان صديقا لعائلة القذافي، يتردد على ليبيا باستمرار، ويحتسي القهوة العربية في خيمة العقيد، ويقيم في مضاربها وليس في فنادق العاصمة، مثلما اعترف العبقري سيف الاسلام القذافي المعتقل حاليا لدى كتائب الزنتان في جبل نفوسة الغربي.
الآن، وبعد ان حققوا اهدافهم في غزو العراق واحتلاله، واغتيال جميع علمائه، والاستيلاء على نفطه من خلال عقود تمتد لثلاثين عاما، وتنصيب طاغية اكثر ديكتاتورية على سدة حكمه، ثم بعد ذلك بثماني سنوات انتقموا من النظام الديكتاتوري الحاكم في ليبيا دون ان يذرف صديقه بلير دمعة واحدة ألما واسفا، الآن يفرجون عن الوثائق، ويجرون التحقيقات لكي يثبتوا لنا انهم ديمقراطيون، موضوعيون، حضاريون، امامنا نحن الجهلة المتخلفون الاغبياء. ‘ ‘ ‘
نعرف جيدا اننا نغرد خارج سرب النفاق والتضليل وعمليات غسل الادمغة التي تسير على قدم وساق في منطقتنا العربية، لتمرير مخططات غربية جديدة، باكاذيب جديدة، وممثلين جدد، وشعارات مفبركة تجد من يصدقها، ويكررها مثل الببغاوات دون ادنى تدقيق او تمحيص. يريدوننا ان نذهب الى مسلخ المخطط الجديد ونحن مفتوحو الاعين مخدرون كليا باوهام مزورة، ويجدون من حكامنا، او معظمهم، من يرش على الموت سكرا مثلما يقول المثل الشعبي المصري البسيط.
نطالب بصحوة عربية شعبية ونخبوية معا، للتصدي لهذه المؤامرات التي تحاك لنا، لاغراقنا في حروب طائفية ومذهبية واثنية استكمالا للسيناريو الذي بدأ في العراق ليمتد الى سورية ويتجه بسرعة نحو مصر، للاجهاز على ما تبقى في امتنا من مصادر قوة واستقرار.
نحن هنا لا ندافع عن طغاة، فهؤلاء يتحملون المسؤولية الاكبر،وانما ندافع عن امة، عن عقيدة، عن ثروات تنهب، ودماء زكية تسفك… نحن نرى الصورة محبطة.. مؤلمة.. ولا نرى نهاية قريبة للاسف من هذا الكابوس المزعج. من واجبنا ان نقرع الجرس باعلى صوت.. فالدور قادم على الجميع، مهما قدموا من تنازلات من اجل البقاء، فتدمير القذافي لاسلحته الكيماوية والبيولوجية،
وبرنامجه النووي الوليد لم تطل في عمره الا ثماني سنوات فقط، وها هو بديله، فوضى وتطهير عرقي، وانهيار امني، ودولة فاشلة.
هذه هي كوريا الشمالية الصغيرة تدافع عن كرامتها، وتقول ‘لا’ كبيرة لامريكا ولا تتردد في خوض الحرب دفاعا عن كرامتها وشعبها، تماما مثلما فعلت المقاومة الافغانية وبعدها المقاومة العراقية الباسلة، فهل ينتفض العرب لكرامتهم؟