بيت نسيبة/محمدالأمين محمودي
الزمان أنفو ـ (واقعية):
في بيت نسيبة الذي بالكاد يتراءى في الذاكرة فرعان، فرع للعلاقات الآثمة مدفوعة الثمن،وفرع للميسر وأكل اموال الناس بالباطل،يقضي الجميع ليلهم في حلق،يصر فيها المصباح الزيتي البائس على توفير انارة تتناثر بين غيوم دخان سجائر رديئة تعرف بالشاطئ الذهبي او “كولد كوست”،الأفواه تخرج اعمدة الدخان ولاتدخل اي طعام الا في حالات نادرة.
بعض من اعضاء الشلة يقيمون بصفة دائمة،أقدامهم الفت بلل الزربية،يعرف احدهم بخبرته هل الماء اللزج الذي تحت قدمه شاي ام ماء كان ليكون لولا الخطيئة ماء حياة..من لايدفعون الرسوم ولايشاركون في الحلق ولايعتلون السرير لابد انهم من اصدقاء الشاب القادم بتركة والده من مدينة افريقية، فهذا الشاب هو الرجل ” الشرعي” الوحيد في البيت، إذ كان على علاقة حب دائمة بابنة صاحبة الماخور،وباستثناء بعض “شرفاء الميسر” كان الجميع يشربون ويأكلون على حسابه وفي غيابه او في حال ” قطعه” يأكلون ويشربون من جني شهوات الآخرين .
لم يحس احد افراد الشلة بوخز الضمير او الأذى من الإقامة الدائمة في ماخور من “الدرجة الاقتصادية” وفي آخر نقطة من عرفات.
المتفرجون يشدون ازر المتنافسين من لاعبي “ابليند”، يتابعون ارتفاع الادرينالين في اجسامهم،وترمق عيونهم الجشعة عيون المحاربين الحمراء،تسمع الصراخ والسب وقد تقرر كف ان تنزل فجأة على وجه نفخه الحصاد الوفير، يحتفي المشجعون بلاعبيهم عند الانتصار لكن قل ان يتجرعوا معهم كأس الهزيمة المرة ..بعض ” الشرفاء” تخصصوا في احتضان المنهزمين، ” المقطوعين” يربتون على اكتافهم وهم يقولون: عوضكم الله في جولة اخرى،وبحرام اكثر. في بعض الأحيان تكون الأكتاف التي يربتون عليها عارية،اذ يقتضي الحال ان يجردك المنتصر حتى من ثيابك.
حين يخف الصراخ في الحلق ويعلو صمت “المطاردات” او الصوع كما يسمى في اللهجة المحلية يدخل الجميع في حالة روحانية عجيبة تأخذ عمقها وغموضها ووجوم اهلها من انات وتأوهات مزورة قادمة من فرع العلاقات الآثمة..احيانا تبكي حين تتأكد ان صاحب العمامة ذاك يقاتل الآن والبارحة ليوفر حياة لائقة لأطفاله.لكنك ستغضب حين تلتقيه مساء الغد ولديه مال جلبه للنزال..لماذا لم يذهب به الى بيته؟!!
مازال الماخور يزاول نشاطه في عرفات بكل عفوية وسلمية،ومازال نفس الأشخاص ينعشون تلك الجزيرة الصغيرة بين بحار ” الشرف” و التي تعيش في غيمة دخان وتحت شبه ضوء يصدر من مصباح زيتي ترتسم على زجاجته ثمان مائة سنة من الضياع،عشرون من المقيمين الثابتين، كل واحد منهم في الأربعين من عمره،لو جمعت اعمارهم الضائعة لأدركت حجم مأساتهم المشتركة.نعم مازالوا هناك وبعضهم قرأ هذا النص.