موريتانيا تنتظر المصالحة أو الانقلاب
نواكشوط ــ الزمان/تركت الرواية الرسمية الموريتانية حول حادثة إطلاق النار، مساء السبت الماضي، على موكب الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الكثير من الشكوك لدى الشارع الموريتاني ولدى المراقبين السياسيين في الداخل والخارج. وينشغل الموريتانيون حاليا بمعرفة تفاصيل أكثر وطبيعة العملية، حيث ذكرت المصادر الرسمية أن الرئيس تعرّض لإطلاق نار عن طريق الخطأ من وحدة عسكرية لم تتعرّف على الموكب الذي كان يبعد عن العاصمة نواكشوط بحوالي 40 كيلومتر
. وجاء هذا الحادث الذي انتقل على إثره الرئيس إلى العاصمة الفرنسية باريس لتلقي العلاج في ظل عاملين جوهريين، يتعلق أولهما بوجود حالة احتقان سياسي داخلي تشهدها موريتانيا منذ أربعة أعوام، لكنها أخذت مساراً حاداً في الأيام الأخيرة. ويرتبط ثانيهما بخطورة تنظيم القاعدة في المغرب العربي وشمال أفريقيا، علاوة على سيطرة الإسلاميين المتطرفين على مساحات واسعة في شمال مالي المجاورة لدولة موريتانيا. الرواية الحكومية لم يقتنع الكثيرون بالرواية الحكومية، لتبقى التحليلات والتكهنات وحدها ما يشغل المراقبين، فقد ذهب فريق إلى استنتاج مباشر يقول إن هذا الحادث ما هو إلا محاولة انقلاب فاشلة في بلد شهد أربعة انقلابات عسكرية خلال 24 عاماً، ولا يعرف غالبا حكومات منتخبة تدير شؤونه. فيما ذهب فريق آخر إلى أن الحادث يعد من تدبير تنظيم القاعدة أو أي من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تنفّذ العديد من العمليات في منطقة المغرب العربي وجنوب الصحراء. المحلل الموريتاني، محمد المختار الشنقيطي، يرى أن الجهة المنفّذة للعملية تبدو على اطلاع دقيق بتحركات الرئيس، وتعرف أنه ينتقل في هذا الوقت بدون حراسة مكثفة؛ وهو ما يعني أن ثمة من حاول من داخل الجيش أو من قوى المعارضة اغتيال الرئيس. لكن يعارض الكثيرون هذا التحليل لأن موريتانيا وإن شهدت عدة انقلابات عسكرية، فإنها لم تعهد استخدام أسلوب الاغتيالات السياسية. كما أن المنفذين لو كانوا من الداخل لحاولوا فعل عملٍ موازٍ في العاصمة، ولم يكن للرئيس أن ينتقل سريعاً إلى باريس إلا وهو مطمئن لأوضاع القوى الأمنية والعسكرية، بل إن المعارضة أيضاً تعاطفت مع الحادث وعلقت أعمالها لحين من الوقت. أما أصحاب التفسير الثاني فيرون أن الحادث يتجاوز الداخل الموريتاني، فالرئيس ولد عبد العزيز حليف مركزي للغرب في محاربة التنظيمات المتطرفة بالمنطقة، وتتخذ الحكومة الموريتانية موقفاً حاسماً تجاه هذه التنظيمات منذ أعلنت في عام 2008 أن أجزاءً من أراضيها الممتدة في عمق الصحراء هي مناطق عمليات عسكرية تخضع للقوات المسلحة من أجل مقاومة الهجمات الإرهابية . ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن ثمة عدة عوامل تؤكد ضلوع تنظيم القاعدة في هذا الحادث، فموريتانيا دولة تقع على خط المواجهة المباشر مع هذا التنظيم، إضافة إلى الجزائر ومالي ونيجيريا والنيجر. وكان مجلس الأمن أصدر مؤخراً قراراً يؤيّد التدخل في أزواد شمال جمهورية مالي لمنع إقامة دولة إسلامية في تلك المنطقة، وربما أراد التنظيم إرسال رسالة إلى موريتانيا ورئيسها باعتبارها الحلقة الأضعف في هذه الدول، لا سيما وأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أعلن مسؤوليته عن هجوم ضد عناصر من الجيش الموريتاني في شباط من العام الماضي. عمليات عسكرية وذكر الجيش الموريتاني حينذاك أن التنظيم يستهدف الرئيس ولد عبد العزيز بشخصه. ثم قام الجيش الموريتاني في تموز 2011 بعمليات عسكرية استهدفت قواعد التنظيم على خط الحدود مع مالي بمساعدة قوة فرنسية، وهو ما أدى إلى قيام التنظيم بتنفيذ هجوم انتحاري في آب من نفس العام. وترى الكاتبة، فيفيان والت، في تحليل نشرته مجلة التايم البريطانية أول من أمس أن موريتانيا من أكبر المتضررين الإقليميين مما يحدث في مالي، فقد نزح منذ آذار الماضي أكثر من مائة ألف من الماليين إلى موريتانيا ؛ ولذا يتعمد تنظيم القاعدة إحداث اضطرابات كبرى داخل موريتانيا. اختلاف التفسيرات لا يمنع من أن الرئيس ولد عبد العزيز استطاع النجاة من موت محقق، وهو المعروف بأنه صاحب الأعداء الكثر ، كما يصفه المحلل جريج نيكولاس في صحيفة الجارديان البريطانية، إذ لديه في داخل موريتانيا وخارجها من لديهم مصلحة أكيدة في التخلص منه؛ وهو الأمر الذي يثير علامات استفهام حول تداعيات هذا الحادث على الداخل الموريتاني وعلى المستوى الإقليمي، لأنه من غير المعروف قطعاً حتى الآن ما إذا كان استهداف ولد عبد العزيز هدفاً للجماعات المدنية الداخلية أم هدفاً للجماعات الإرهابية المسلحة. انقلاب عسكري على المستوى الداخلي، تتهم المعارضة والناشطون الحقوقيون الرئيس ولد عبد العزيز بأنه طاغية وصل للحكم في 6 آب 2008 عبر انقلاب عسكري ضد الرئيس محمد ولد الشيخ، ثم قام بتنفيذ ما تطلق عليه المعارضة انقلاب انتخابي في العام التالي ليتولى رئاسة موريتانيا عبر انتخابات لم توافق المعارضة على نتائجها حينذاك؛ لتشهد العلاقات بين التحالف الحاكم وقوى المعارضة توترات متتالية. ولم تسفر عدة جلسات للحوار الوطني على توافق الطرفين، سواء على تشكيل حكومة تنضم إليها المعارضة أو على إجراء انتخابات برلمانية وبلدية جديدة تفرز حجم القوى السياسية الحقيقي في البلاد. وتصاعدت حدة التوتر بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، حيث طالبت المعارضة الرئيس بالتخلي عن الحكم، ووضع بعض قادتها الشروط اللازمة لقيام ثورة شعبية للإطاحة بالرئيس الذي لم يستوعب من وجهة نظرهم دروس دول الربيع العربي، ولم يقدم سوى وعود وصفتها بالكاذبة حول الإصلاح. وقابل ولد عبد العزيز هذه المطالب بالتأكيد على أنه رئيس منتخب ولن يترك منصبه إلا في عام 2014 بعد اكتمال ولايته الرئاسية، مؤكدا على أننا نحيا في بلد ديمقراطي وأن صندوق الاقتراع هو الذي يحدث التغيير . وتتضح حدة الصراع في توصّل تنسيقية المعارضة التي ينضوي تحتها 11 حزباً إلى ميثاق شرف يوم 4 آب الماضي، يؤكد على استخدام كافة وسائل النضال بهدف إسقاط نظام الرئيس ولد عبد العزيز، ورفض المشاركة في أي انتخابات لا تتوافر فيها شروط الحيادية والنزاهة. ثم قررت المعارضة في 11 تشرين الأول الجاري العودة للشارع لإسقاط الرئيس عبر تظاهرات كبرى تعم مختلف مقاطعات البلاد في 14 تشرين الثاني المقبل، وهو الأمر الذي قابله تحالف الأغلبية الحاكمة بزعامة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بالإعلان بعد يوم واحد من الاعتداء على الرئيس عن الانتهاء من الترتيبات الخاصة بإجراء الانتخابات العامة، أملاً في تثبيت شرعية الرئيس وحكومته. ووفقاً لذلك ثمة احتمالان أساسيان لتعامل الرئيس بعد محاولة اغتياله مع قوى المعارضة، أولهما أن يقوم بخطوات فاعلة تجاه عملية التحول الديمقراطي، لا سيما وأن المعارضة أعلنت تعاطفها مع الحادث، وهو ما يعني العمل على إجراء انتخابات برلمانية وبلدية نزيهة وعودة الحوار من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم التحالف الحاكم وأحزاب المعارضة. أما الاحتمال الثاني فهو أن يقود هذا الحادث لنتائج عكسية بحيث يزيد الرئيس من قوة القبضة الأمنية واللجوء للمزيد من تدخل الجيش في السياسة؛ وهو ما يعني احتمال أن تشهد موريتانيا انقلاباً جديداً في وقت قريب. وعلى المستوى الإقليمي، يبدو أنه إذا كان منفذو عملية إطلاق النار من تنظيم القاعدة، فإن هذا دليل على قوتهم في جمع المعلومات حول مؤسسة الرئاسة، وربما سوف يلجأ الرئيس ولد عبد العزيز إلى الطلب من القوى الغربية زيادة الدعم والمعونة العسكرية من أجل محاولة السيطرة على الحدود مع مالي ومنع المتطرفين من تنفيذ عمليات داخل الأراضي الموريتانية. وسوف تؤدي قوة تنظيم القاعدة إلى تنسيق المواقف بين قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا أفريكوم وفرنسا والجزائر وموريتانيا وحكومة مالي والنيجر.