آن لهذه المشاريع المعادية للوطن أن تتوقف / سيدي علي بلعمش
الزمان أنفو _
الدول الإفريقية الفرنكوفونية (المستعمرات الفرنسية السابقة) هي اليوم الأكثر فقرا و تخلفا في القارة، لأن مسطرة التحكم التي تتبعها فرنسا في مواصلة هيمنتها على اقتصادات هذه الدول هي الانقلابات العسكرية و الحروب البينية و تغذية النزاعات الداخلية و الحروب الأهلية في هذه البلدان. و سأعترف هنا عكس ما يتوقعه الجميع ، بأن جميع الأنظمة الموريتانية باستثناء فترة عصابة اعويزيز طبعا، كانت رائعة الأداء على هذا الصعيد ، لأن ما بذلته فرنسا لتفكيك موريتانيا منذ مؤتمر ألاك (الذي لم يفهم ولد الشدو مغزاه حتى اليوم) حتى اليوم، مرورا بمحاولة فرض دستور محاصصة عنصرية و أحداث 66 و حرب الصحراء (و هي أكبر ضربة وجهتها فرنسا لـ”موريتانيا” لأنها جاءت بعد تأميم ميفيرما و الخروج من هيمنتها الاقتصادية بإنشاء العملة الوطنية و الخروج من الفرنك الإفريقي الذي ما زالت ورطته تقصم ظهر بقية المجموعة ) و دعم سلسلة الانقلابات التي عرفتها البلاد بحثا عن من ينفذ لهم مشروع تدمير موريتانيا (و لم يجدوه قبل المشؤوم ولد عبد العزيز ) و دعم الانقلاب العنصري و إدارة ملف أحداث 89 و 91 (من خلف الكواليس) و تبني و توجيه و تأطير “أفلام” و “إيرا” و منظمة “معيلات بنت المخطار”…
من المعروف أن الإسلام في غرب إفريقيا هو الذي هزم ديغول و أرغمه على الخروج من “فرنسا ما بعد البحار” و كتابات الباحثين و الضباط الفرنسيين تغص بطوفان من الاعترافات في هذا الشأن و بدور الموريتانيين في الدعوة للجهاد في هذا الجزء من القارة السمراء..
و من المعروف أكثر أن فرنسا و بريطانيا هي الدول التي تولت مهمة تأسيس دولة صهيون في فلسطين و حملت فرنسا على وجه الخصوص مهمة الدعاية لها و الدفاع عن شرعيتها ، لسببين واضحين : الأول ، العداء الثابت و المقدس للأمة العربية و الإسلامية و الثاني التخلص من ورطة اليهود في أوروبا كشعب لا يؤتمن و مطارد في كل بقاع الأرض.
و في سنة 1971 تم اختيار المرحوم المختار ولد داداه رئيسا للاتحاد الإفريقي ؛ كانت الدول العربية تجد صعوبات جمة في جر الدول الإفريقية للوقوف مع القضية الفلسطينية، فلعب المرحوم ولد داداه هذا الدور بامتياز و ساعدته بقوة قروض الدول الخليجية و مساعداتها السخية لدول القارة ليتم اختياره في السنة الثانية (72) . و خلال العامين قطعت أو جمدت 48 دولة إفريقية (من ضمن 52 دولة ) علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
حينها قالت غولداميير (رئيسة الوزراء الإسرائيلية) : “من بين الدول العربية و الإسلامية الأكثر عداء لإسرائيل ، موريتانيا . و سيأتي يوم ندخلها فيه مشكلة لن تعرف كيف تخرج منها” ..
و منذ ذلك الوقت و حتى اليوم ، لم تجد إسرائيل مشروع عداء لموريتانيا إلا و وقفت معه بكل ثقلها و خبثها و جندت له وسائلها الضخمة ..
كان ولد عبد العزيز بجبنه و جهله و طمعه و استماتته للبقاء في الحكم و خيانته لموريتانيا، يمثل الوصفة الكاملة التي تبحث عنها إسرائيل في موريتانيا . و استطاعت إسرائيل بالفعل خلال عشريته المشؤومة أن تبني كل مشروع تدميرها لموريتانيا من الداخل و الخارج : تدمير الاقتصاد الموريتاني ، تدمير التعليم، تحكم البنك الدولي و صندوق النقد في اقتصاد و سياسة البلد و تفكك اللحمة الاجتماعية و تفشي المخدرات و الخمور و الشذوذ و اجتياح منظمات التبشير و تقوية “افلام” و تلميع “إيرا” (و أعرف أن البعض سيرد علي بسذاجة، بأن عزيز هو من طرد السفارة الإسرائيلية و هو أمر يتحجج به عادة من لا يفهمون و لا يرون غير قشور الحقيقة الخادعة) .
و ما يجعلنا اليوم نخاف على موريتانيا هو أننا ندرك أنها بالفعل وقعت في الفخ الإسرائيلي و أصبحت تحتاج إلى فريق إنقاذ على درجة عالية من المهارات السياسية و الكياسة الدبلوماسية و الوعي بجذور المخاطر و التغابي أحيانا في ما تحتاج أن تكون أكثر حذرا و أقل تسامحا و مسايرة أصحاب النوايا السيئة بما يستحقون من مكر و دهاء ..
و على النظام الموريتاني اليوم أن يضع كل ثقله على لجنة حقوق الإنسان و يزودها بخبرات وطنية راقية في مجالات مهمتها و تخصصها: القانون و علم الاجتماع و التاريخ و الثقافة و يزودها بوسائل ضخمة، لترد على هذا الهجوم الملفق و المنظم الذي يستهدف بلدنا. و تقدم حلولا ناجعة لكل مشاكل البلد ذات الصلة و تقدم هذه المنظمات الأجنبية المحرضة على موريتانيا للقضاء الدولي و تحاسبها على عدائها لبلادنا دون وجه حق ؛ حينها لن يستطيع أمثال بيرام و بنت المخطار و ولد امخيطير و افلام و غيرهم من الانتهازيين الأفاكين أن يتشدقوا بما يعيشون عليه اليوم من أكاذيب تتلقفها المنظمات الصهيونية المعادية للبلد لتصنع من كل حبة فاسدة فيها قبة.
لقد آن لهذه المشاريع المعادية للوطن أن تتوقف و آن للنظام أن يعي ذلك بجد و لن تتوقف من دون مواجهة شرسة و منظمة و مستمرة و مدفوعة الثمن بسخاء.
إن سن أي قوانين في هذا الوقت للحد من هذه الجرائم (و هو ما يجب أن تفعله السلطة)، لن يكون مجديا و قد يكون أكثر مخاطر، قبل معالجة هذه الجريمة من جذورها و الكشف عن ملابسات حقيقتها و أسبابها أمام العالم أجمع و في المحاكم الدولية، حينها ستكون القوانين رادعة و التقوي بمنظمات التلفيق مستحيل.