ايقونة الحب والثقافة والجمال د. سناء الشعلان : المبدع العربيّ أجاد تشكيل السّرد الغرائبيّ والعجائبيّ…؟!
الزمان انفو _
لقاء اجرته وكالة الحدث الاخبارية من بغــداد عبر الأنترنت مع الكاتبة الأردنية ذات الجذور الفلسطينية الدكتورة سناء الشعلان، نعيد نشرها لقراء الزمان الذين يتابعون إنتاج الدكتورة من هذا المنبر..
نص المقابلة:
مرة اخرى نلتقي ايقونة الادب العربي الاديبة والقاصة الرائعه د سناء الشعلان في (الجزء الثاني ) من حوارنا الادبي والثقافي عبر النت وفي استكمال لاسئلة ماتناثرة الاتجاهات لكنها تصب في النهاية في بوتقة الادب العربي وحيثياته وشجونه وتطلعاته وتاثيره في المجتمع الانساني الذي نعيش ونحيا فيه .. الشعلان امراة ناضجة ومفعمة بالحياة وتشكل نموذجا فريدا لمسيرة المرأة بفضل تسلحها بالعلم والمعرفة وسعيها الدؤوب للتميز والريادة والإبداع وتكاد تكون سفيرة فعلية للثقافة وناشطة من بنات الوطن العربي الكبير… وهي أستاذة الأدب الحديث في الجامعة الأردنيّة، ورّوائيّة قاصّة ونّاقدة والممثّلة الحقوقيّة لكثير من الجهات االإنسانيّة ، اعمالها ونتاجها ومشاركاتها هي عنوانها الدائم ، لانها تؤمن بأن المرأة لها دور في زرع بذور الخير ومحركاً فاعلاً في عمليات التنمية والتطوير والحضارة ليأتي الحصاد يانعاً وغنياً بكل شئ..
( الحــدث ): كيف استطعتِ أن تتعاملي مع التّرميز الدّينيّ والفلسفيّ في روايات نجيب محفوظ من كتاباته عبرالمنهج الأسطوريّ في كتابكِ (الأسطورة في روايات نجيب محفوظ ) ؟
ـ نعم.. وفق هذا المنهج استطعتُ أن أفسّر استدعاءات محفوظ في رواياته الجدليّة، لا سيما في الفترة الفلسفيّة من إبداعه، وهو تفسير أخاله يقارب الحقيقة، ويوقف اللّغط والشدّ والجذب في إسقاطات رواياته التي جنح البعض لتكفيره بسببها لما فيها من ترميزات أسطوريّة خاصّة، وهي ترميزات تُفهم من إحالاتها الدّاخليّة لخدمة العمل الإبداعيّ العمل ذاته، وليس هناك ما يعزّز إحالتها إلى مقاصد تكفيريّة مزعومة.
(الحــدث ):وهل كنتِ تدافعين عن محفوظ في كتابك هذا عندما درستِ رواية (أولاد حارتنا) و(رحلة ابن فطّومة) و(الحرافيش) وغيرها من رواياته الكبيره..؟
ــ أبداً لم يكن هدفي الدّفاع عنه، أو تجريمه؛ فهذه ليست وظيفة النّاقد بأيّ حال من الأحوال، وإنّما كنتُ أبذل جهدي صادقاً لقراءة سرديّاته الرّوائيّة عبر استنطاق ما فيها بعيداً عن صيحات الأغبياء والحمقى الذين يقرأون النّصوص بشكل سطحيّ، ولأهداف تجريميّة بحتة.
( الحــدث ) وهل كنت تعتقدين بان محفوظ كان غارقاً في الحارة المصريّة؟ وقد يكون مبتعداً عن الهمّ الوطنيّ والعربيّ والقوميّ والإنسانيّ كما يزعم البعض؟
ــ هذه الفرضيّة فيها مغالطة كبيرة؛ فمن يقرأ روايات محفوظ، ويجيد فهم إسقاطاتها يدرك تماماً أنّه كان يرى العالم من داخل حارته وشخوصها، ويسقط أحداثها على الوطن والإنسانيّة كاملة؛ فرواياته ليستْ مجرّد حكاية مصريّة في الحواري الشّعبيّة، بل هي رؤية إنسانيّة شاملة ذات لبوس مصريّ…
( الحـــدث ) : أين تصنّفين كتابكِ هذا في جملة ما كتب غيركِ عن التّجربة الإبداعيّة لنجيب محفوظ؟
ــ بصراحة لايمكن ولا أستطيع أن أضع تصنيفاً دقيقاً لذلك! لأنّ شهادتي في نفسي مجروحة، ولكنّني فخورة به، وأعتقد أنّه بصمة نقديّة مهمّة في دراسة روايات محفوظ من منطلق المنهج الأسطوريّ، وهي دراسة قدّمتْ بجرأة وحياديّة رؤية لهذا الإبداع ورموزه وإحالاته وإسقاطاته في ضوء هذا المنهج.
( الحــدث ): في ضوء كتابكِ النّقديّ( السّرد الغرائبيّ والعجائبيّ في الرّواية والقصّة في الأردن) هل السّاحة العربيّة ساحة خصبة لتوظيف ذلك السّرد ..؟ وما الدّافع إلى هذه الطّرائق في التّشكيل؟
ــ المبدع العربيّ أجاد تشكيل السّرد الغرائبيّ والعجائبيّ بشكل يثير الكثير من الفرضيّات حول سعيه خلف البحث عن الأقنعة التي تحميه من السّلطة الفاتكة والقوى الضّاغطة عليه، كما هي تستطيع أن تقدّم له أدوات تسمح له بأن يقدّم فكره ورؤيته وأدبه بشكل مختلف..
( الحـــدث ):هل معركة الأدب الآن هي في الشّكل أم في المضمون؟
ــ بصراحة ..المضمون هو تحصيل حاصل، إنّما الإبداع يكمن في ابتداع الشّكل المناسب لتقديمه، واستقطاب الجمهور له. وهذا أمر ليس بالهيّن أبداً، ورهانات النّجاح كلّها مرتبطة به.
( الحــدث ): مجموعتكِ (أكاذيب النّساء) هي تجربة جريئة في الحديث عن الكذب في مستوياته وفلسفاته المختلفة. كيفَ أقدمتِ على هذه التّجربة؟
ــ نعم وبلا شك انا قصدتُ أن (ألمز) الكذب والكذّابين!! وأن أهاجمهما في عقر دارهما، وأن أعرّيهما إلى حدّ إظهار عورتهما الكريهة الفاحشة.
( الحــدث ) : هل يعني ان مجموعتكِ القصصيّة (أكاذيب النّساء ) هي تجريم للمرأة؟! ام ماذا !؟
ــ بالتّأكيد لا، بل هي تجريم للمجتمع السّاقط المتهاوي الذي يتكالب على الأضعف دائماً لتحميله أوزار تهافته؛ ولذلك أكاذيب النّساء هي في حقيقة الأمر هي أكاذيب المجتمع.,وافرازاته ..
( الحــدث) : وماذا عن أكاذيب الوسط( في مجموعتكِ القصصيّة أكاذيب النّساء) هي إدانة لوسط ما بعينه؟ مثل الوسط الثّقافيّ الأردنيّ أو العربيّ؟ او ماذا ؟
ــ بصراحة انها شمولية وهي إدانة لكلّ من يتورّط في الكذب والزّور والبهتان؛ ولذلك أدين كلّ من يقدّم نفسه كاذباً أيّاً كان وسطه ومكانه وانتماءاته…
( الحــدث ) : لغتكِ في بعديها الفلسفيّ واللغّويّ يجعلها مغلقة على العوام؟ فهل تكتبين للنّخبة أم للجماهير؟ وهل هي متعالية لا تبالي بتفاوت مستويات المتلقّين؟
ــ لااعتقد ذلك.. أنا أكتب لمن يستطيع أن يتلقّى خطابي بكلّ ما فيه من فصاحة وترميز، وأرفض أن أهبط بمستواي اللّغويّ لأجل من يرغب في ذلك بحجّة الاقتراب أكثر من نصوصي.
( الحــدث ): وماذا عن (أدركها النّسيان ) آخر رواياتكِ وهي تعرض قصّة حبّ ملحميّة وسط عالم خرائبيّ ساحق للجميع ،هل تقبلين بأن تُصنّف على أنّها أدب نسويّ من حيث الموضوع والثّيمات؟
ــ هذه هي رواية الأوطان، ورواية الأفكار، ورواية الإنسان أكان ذكراً أم امرأة في عالم متصارع متطاحن متوحّش لا مكان فيه للحبّ والخير والجمال.
( الحــدث ): هل تعتقدينِ أنّكِ جريئة في هذه الرّواية؟وهل العالم هابط إلى هذا الحد ؟
ــ أبداً.. كلّ ما في الأمر أنّني لا أتوانى عن رسم القبح والشّر بكلّ وحشيّتهما.. وبكلّ تأكيد. وللمتلقّي أن يحاكم هذه الرّواية وفق رؤيته للعالم.
( الحــدث ): من هي (بهاء).. ومن هو(الضّحّاك) أبطال الرّواية؟وهل انت وعوالمك موجودة فيه ؟!
ــ لا أعرف على وجه التّحديد من يكونان خارج روايتي، ولكنّني أتوقّع من المتلقّي أن يحدّد من يكونان من شخصيّات عوالمه وحيواته وأفكاره.. وكلّ إنسان يمكن أن يزعم أنّه موجود في نصّ أو نسق أو سياق ما؛ الأمر عائد لرؤيته وفهمه وإسقاطاته وانفعالاته الشّخصيّة.
( الحــدث ) :هل الحلّ للجميع أن ينقذهم النّسيان من التّذكر؟والى اي حد كانت سناء موجوعه عند كتابة الرواية؟
ــ المتلقّي فقط هو من له الحقّ في أن يجيب عن هذا السّؤال.!وسناء تصل الى حدّ نزيف الرّوح وصولاً إلى التّلاشي.
( الحــدث ): وماذا عن اصدارمجموعة (سيلفي مع البحر) ومسرحياتها التي تنتمي إلى المدرسة البريخيتّة؟
ــ لا شكّ أنّ الكتابة المسرحيّة عندي هي استجابة كاملة لنزعاتي وأفكاري، وهي استجابة لحاجة ملحّة قاهرة، وليست مجرّد ترف إبداعيّ.
( الحــدث ):لماذا تغلبُ السّوداوية على أعمالكِ المسرحيّة.. واين فسحة الأمل التي تتركيها للمشاهد؟
ــ بصراحة ..ليس عندي أمل إلاّ بالثّورة والتّمرّد والعصيان، والتّصميم على الحياة والخير والكرامة.!
( الحــدث ): صدرتْ لكِ مجموعتان قصصيتان (تقاسيم الفلسطيني و حدث ذات جدار) عام 2015تناولت قضايا الإنسان الفلسطينيّ في الأرض المحتلة وفي المنافي والسّجون والمعتقلات. هل تعدّين نفسكِ من كتّاب أدب المقاومة الفلسطينيّة ؟
ــ نعم ..أسعى إلى ذلك، وأتشرّف به..
( الحــدث ) : ماذا تفضّلين أن تكوني أديبة عالميّة ..أم أديبة مقاومة ولو من الصّفّ العشرين؟ وهل تعتقدين ان اصدارك للمجموعتين كان محركا (لدارResling)الصهيونية للنشرلسرقة بعض قصصك وترجمتها بكتاب ( حرية )!؟
ــ لا أقبل إلاّ أن أكون كاتبة أدب مقاومة من الصّفّ الأوّل..وبكلّ تأكيد؛ لأنّ هذه السّرقة لم تكن بريئة واعتباطيّة، بل بغت أن تسرق احترام الشّارع العربيّ لي، وأن تشوّه ثقته بي. لكن النّتيجة كانتْ عكسيّة، والحمد لله تعالى..
( الحــدث ) : هناك حضور طاغٍ للحبّ في مجموعاتكِ القصصيّة (قافلة العطش والهروب إلى آخر الدّنيا وتراتيل الماء وناسك الصّومعة) وما هومفهوم الحبّ فيها؟ وهل الحبّ مشكلة كبرى في المشهد العربيّ الغارق في أزمات مدمّرة؟
ــ نعم .. الحبّ عندي هو طلب الكرامة والعدالة والمساواة والخير والجمال؛ وهو أكبر من مشاعر بين رجل وامرأة، إنّه بحث عن إنسانيّة حقيقيّة ضائعة في عالم متوحّش مستلب متورّط في القبح بكلّ أشكاله ، والإنسان الهامشيّ هو محور أدبي القصصيّ ،ولأنّه محور الحياة في مقاطع الكبرى المشكّلة للوجود الإنسانيّ في الكون، والمراة كذلك هي قضية تبرز في مشاهد الحياة كلها دون استثناء..!
( الحـــدث ) : رواية (اطفال ديما ) نالت جائزة كتارا للرّواية العربيّة للفتيان عام 2018..هل واجهت تحدي في كتابتها؟
ـ بلا شك.. ان أصعب ما وجهني عند كتابة هذه الرّواية هو محاولتي الجّادة والمخلصة كي أتقمّص شخصيّات الأطفال أصحاب الإعاقات العقليّة والجسديّة لأعرف كيف يفكّرون، وكيف يشعرون. وهم أمر صعب جدّاً؛ إذ لا أحد يعرف كيف يفكّرون، أو يشعرون؛ ولذلك قمتُ بقراءة بحثيّة طويلة في المواد العلميّة المتوفّرة حول هذه الفئة من الأطفال؛ لأكتب في أقرب صورة مفترضة عنهم.. واكثر مايزعجني الكتابات العربية الساذجة للاطفال وتنم عن انحطاط لغتها !!
( الحــدث ) : هل الإبداع باب للإثراء للأديب أو المبدع العربيّ؟وهل تعتزين باكاديميتك او ابداعك؟
ــ في الغالب لا.. لا سيما إن كان عفيفاً نظيفاً نزيهاً متعالياً على السّقوط والذّل والانحطاط.،وأفتخر دائماً وأبداً بإنسانيتي ومبادئي ونزاهتي على المستويات كلّها.
( الحــدث ): كيف تنظرين إلى ظاهرة الأدب الفيسبوكيّ؟ وماذا قدّم للمشهد الإبداعيّ العربيّ؟وهل انت بعيدة عن الناس ام قريبة؟
الفيسبوك .. أنظر إليه على أنّه تهريج وتخريب في معظم الأوقات. ولم يقدّم للأدب سوى الكثير من الثّرثرات المجنونة والأوهام المتمادية خلا القليل من الأعمال الإبداعيّة المقبولة..وانا قريبة جدا من الناس ولكن بطريقتي وشروطي.
( الحــدث ) : هناك من يرى أنّكِ مدرسة يقلدها الكثيرون؟ لا سيما النّساء اللّواتي يقلدنكِ حتى في أزيائكِ وكتاباتكِ؟ فما تعليقكِ على ذلك؟وهل تهتمين بالاناقة والجمال ؟وماالسبب؟
ــ بصراحة يروق لي أن أكون مثالاً جماليّاً وإنسانيّاً وإبداعيّاً يُحتذى به… واهتم بالاناقة لأنّني مصّممة على أن يكون خارجي جميلاً مثل أعماقي وفكري وروحي وقلبي ولغتي.. والانسان الحقيقي في ادبي هو الاكثر قدرة على الحب والعطاء..!