نهاية رجل بداية امرأة
الزمان أنفو _ كتب محمدالأمين محمودي:
قدر لي يوما أن أقيم غير بعيد من بيت أحد أعيان البلد،الرجل شارك في بناء الدولة وفي هدمها طبعا(مترادفان عندنا في أكثر الأحوال) ،لذا كان حاضرا في جميع الأنظمة،في النهاية تقاعد قبل أن يقعده الكبر في بيته، يواظب على الصلاة في المسجد ويعيش بهدوء على ريع بيوته المؤجرة،حين خرجت صغرى بناته الى بيت الزوجية، وبعد أن دفن زوجته أجاءه الشعور بالوحدة الى الزواج من جديد،فجيء بالعروس وكانت ابنة عم له قدمت في رحلة مباشرة من أحد الأرياف..بدنها يوحي بأنها قوية وتتحرك بسرعة رغم امتلائها،احتكرت التلفاز خلال الأيام الأولى ،تتسمر أمامه وتقيم الشاي في نفس الوقت،أما الرجل فيعد مسبحا ومستغفرا حبات سبحته الطويلة، ويعيش الترحال مابين الماضي والحاضر،أصبحت المرأة الريفية لسبب او لآخرالآمر الناهي،في البدء استعرضت عضلاتها في الحشم وتعلمت عبر تلك الخطوة كيف تبسط نفوذها على أبناء الرجل ثم سرعان ماتحكمت فيه شخصيا،استدرجته الى الشاشة فصار متابعا -لايمل- للمسلسلات التركية والهندية وبات يعرف أسماء الممثلين، يحب بعضهم ويكره البعض الآخر،لاحظ الجميع السلوك الجديد والتغير الجذري في نمط حياة الرجل المنظم،السهر أصبح عادة ملازمة له،حتى انه صار لاينام الا بعد أن يؤدي صلاة الصبح ليجلس ضحى الى زوجته وهي تقيم الشاي على الدخان المتصاعد من الفرن حيث تشوي كبد الابل وتغطيه بالسنام والودك، وعينها -خلال العمل- على أسرة في اسطنبول او بومباي،،بعد أيام باعت البيت الأول وبعد أشهر جاء الدور على الثاني ثم الثالث والرجل يسبح ويصلي ويتابع المسلسلات ويحب،فالبيت الأخير مازال ينضح بالبخور والعطور النسائية والعروس في قمة حيويتها ونشاطها.
أخبرني أحد أفراد أسرته انه وزوجته خرجا من البيت بعد أن باعته وانهما أقاما اولا في شقة مؤجرة بتفرغ زينة قبل أن ينتقلا الى تيارت ثم عين الطلح مع تدهور واضح في صحته وحالته المادية.
كل هذا حدث في عامين،بددت الثروة وضعف جسم الرجل وظهرت فيه جميع الأمراض الانتهازية،لكنه مازال رغم ذلك يحمل سبحته ويذهب للمسجد ليعود منه الى الهند والحب الأخير.
اما البطلة فقيل إنها اشترت بيتين أحدهما في تفرغ زينة والآخر في الريف وصارت تتنمر وتهدد في كل لحظة بأنها ستعود الى بيت والدها في حال لم يغدق الأبناء عليها وعلى والدهم بالمال :”ففي الحقيقة جئت كزوجة لكن اتضح للأسف انني حاضنة اوجليسة شخص يحتضر”..هكذا تردد على مسمعه أما هو فمازال حيا وإن ودع الحب و الشواء والبخور ورائحة العطور ولم يبق له الا الشاشة التي مازالت وفية اذ تقدم له قصص حب جميلة لايتأثر أصحابها بالفقر والكبر،لكن في النهاية لابد من الحلقة الأخيرة.