كلام… لا شيء سوى الكلام/ امبارك ولد بيروك

نحن، في موريتانيا، نحب كثيرا طرد الآخرين ولعنهم وإقصاءهم. نحب جلد الآخرين بألسنتنا، والزج بهم في جحيم الكلمات. ونستخدم من أجل ذلك أكثر الحجج تضليلا، وأكثر التهم فداحة. وهذا ما جعل أكبر انحرافات العقل أصبحت شائعة لدينا:

العنصرية، العبودية، القبلية، والذاتية الضيقة… فكل واحد منا يمكن أن يوجه للآخر أنواع الاتهامات دون أن يؤدي ذلك إلى شيء كبير؛ لأن الأخير لن يتردد، بدوره، في رد الصاع صاعين عندما تتاح له الفرصة. لذلك تنتابنا فرحة عارمة في زراعة الحدية. ولذلك أيضا فقدت الكلمات لدينا معانيها.

عندما يسمع شخص أجنبي أحاديث سياسيينا أو يقرأ صحافتنا، فإنه سيقف حائرا أمام عنف الكلمات. ويمكن أن يعتقد بسهولة أن العبيد يباعون هنا في شوارع نواكشوط، وأن البيض والسود يستقلون حافلات منفصلة، وأن مخافر الشرطة تنضح بصرخات التعذيب، وأن ليبيا القذافي كانت دولة ديمقراطية نموذجية بالمقارنة بنظامنا السياسي.

وسيندهش صديقنا الأجنبي أكثر عندما يلتقي بسياسيين مقربين من النظام؛ حيث سيبشرونه بموريتانيا مثالية، هي جنة عدن يعيش فيها مواطنون أحرار، هي جنة سلام وازدهار. وربما سيقولون له إنه “تم اتخاذ كل ما ينبغي ليصبح البلد من أفضل العوالم الممكن تصورها”.

وسيهتز صديقنا الأجنبي عندما يسير في الشوارع، بعد سماع كل التجاوزات؛ حيث سيرى سكانا باسمين، بألوان وعينات مختلفة، يلهثون وراء قوتهم اليومي، ولا يلتفتون لإهانة وسب المارة… سيرى أغنياء وفقراء، بملامح سعيدة ووجوه عابسة.. سيرى سيارات رائعة رباعية الدفع إلى جانب عربات تجرها حمير… سيرى مساكن من السقائف ومباني رائعة الجمال.. طرقا واسعة وشوارع ضيقة.. باعة صحف ورواة قصص كاذبة… باختصار سيرى كل ما هو شائع جدا في إفريقيا. وربما يتساءل موجها حديثه للناس: أين السود؟ وأين البيض؟ لأن السود هنا ليسوا سودا تماما، والبيض ليسوا في الحقيقة شديدي البياض. وربما سيعتقد أن سائقي سيارات الأجرة عبيد، وأن المتسولين “ذوي البشرة الفاتحة” استعباديون متخفون.

كثيرا ما أميل إلى الاعتقاد، حينما أستمع إلى خطابات سياسيينا، بأن هؤلاء صاروا جهلاء. إنهم يتحدثون عن أشياء بعيدة لا تهم الناس، ولا يتحدثون عن ما له علاقة بحياتنا اليومية. إنهم لا يقولون لنا أبدا: إليكم، هذا ما سنقوم به بالأرقام. وحتى المشاريع التي تقدمها الحكومة لا تحظى بنقاش حقيقي، وإنما يكتفي الساسة بمجرد الموافقة عليها أو رفضها بكل صخب وضجيج. أما فيما يتعلق بمجال الاقتراح، فلا شيء يصدر عنهم، ولا اقتراحا واحدا.

ويبقى سياسيو الأغلبية، في معظمهم، “مطبلين” يتغنون بكل إنجازات الحكومة، وكأنها جزء من حصيلتهم الخاصة؛ يدّعون، كسابقيهم، كل تقدم، ولا يتصورون ولا يقترحون أي شيء، وإنما ينتظرون ليروا ما يقوله أو يفعله “الزعيم” ليقوموا بالتصفيق له بشدة.

أما المعارضون فإنهم يغمضون أعينهم ولا يرون شيئا مما يحيط بهم. فهم يفضلون الحديث عن “الرحيل” وعن “لجنة تحقيق” لا ندري بشأن أي موضوع، وبعضهم يتحدث عن المقاطعة أو لا أدري عن أي باطل ناشئ عن أحداث التسعينات. وربما يكون “المعارضون” الحقيقيون هم هذه النقابات التي تتحدث، من جانبها، عن مشاكل الناس وتقوم، في بعض الأحيان، بأعمال احتجاج ظلت دائما سلمية، أو هؤلاء “المتظاهرين أمام الرئاسة” بلطف؛ المطالبين بتزويد جكني بالمياه أو تزويد أوجفت بالأدوية. فهؤلاء على الأقل يعرفون ما يريدون. أما كبار الساسة فإنهم لا يتحدثون إلا عن السلطة أو عن الانتخابات التي تقود إلى السلطة؛ ولا يهمهم الباقي.

أعتقد أننا يجب أن نخوض معركة كبرى من أجل استعادة معاني الكلمات وإعادة تأهيل المفاهيم. كما أعتقد، وقد كتبت ذلك عدة مرات، أننا يجب أن نغير الطبقة السياسية. فلْنقاطعهم!

وأقترح عليكم أن تقوموا بما أقوم به عندما أراهم يطلون على شاشات التلفاز: أغمضوا أعينكم وسدوا آذانكم. فهكذا سيدركون أننا نراهم أقل جدية.

 

ترجمه للحرية: المشري ولد الرباني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى