الحقيقة بأعلى درجات المكاشفة / سيدي علي بلعمش
الزمان أنفو _
لقد تعودت في حياتي أن أعبُر دائما إلى ضفة “الممنوع” لا مباليا ، حين يخشى البعض أن يُساء فهمه و هي أصعب اللحظات في حياة الكُتاب.
و ها أنا اليوم أعبُر إلى تلك الضفة بكل أريحية حين أصبح الواجب الوطني يملي عليَّ السباحة عكش التيار لرفع راية الوطن المهانة بعد حمل الجميع لراية الهزيمة.
—————————
ما حدث من لقط و تراجع (…) في الأيام الأخيرة ، لم يكن بريئا . و تؤكد الطريقة التي تم بها و تبادل الاتهامات حول المسؤولية عنه (بين البرلمان و الحزب و الحكومة) أننا نتجه إلى أزمات عميقة (مفتعلة و معدة بإحكام) تدور كلها حول محور اعتقادنا الغبي أن ولد الغزواني يستخدم المفسدين من أصحاب عزيز حتى لا يتضامنوا معه (عزيز) و حتى يأخذ منهم كل المعلومات ليستخدمها ضد عزيز و ضدهم ثم يُلقي بالجميع في السجون.
إذا كنّا تعتقد أن هذه المافيات الضارية ، المهيمنة على السياسة و المال و الوظائف ، غبية إلى هذا الحد ، فنحن أغبى الناس بكل تأكيد. و إذا كنّا نعتقد أنهم يسايرون الرئيس باستسلام و وداعة المغلوب على أمره ، فنحن حتما على موعد مع خيبة أمل تُلقي بالمسؤولية على سوء التقديرات..
الحصول على زبدة اللبن يحتاج خَضَّه بقوة و هذا لم يحصل. و صلاحية اللبن مشروطة بأحندة مواسم ، لم نحترم توقيتها ؛ فلا تنتظروا من هذه الأزمة لبنا و لا زبدة . و لن ينتصر فيها من لا يستطيع العيش من دون “الاثنين”.
كانت لدى ولد عبد العزيز عصابة حرابة تنهب البلد بلا رحمة، لا مكان لا للرأفة في قاموسها، تستغل عصابة فساد ، تتمنى لموريتانيا ما نتمنى لها من خير و تُؤثِر مصالحها الشخصية على مصلحة الوطن. و لو كانوا فعلوها بنية حرمان ولد عبد العزيز منها لكانت أجمل ثورة فساد عرفتها البشرية ..
معركتنا اليوم التي لا نستجدي ولد الغزواني لتبنيها و كل من ليس معنا فيها فهو منهم ، هي معركة محاسبة عصابة الحرابة : كل من يدافع اليوم عن المجرم ولد عبد العزيز خائن للوطن (إذا لم يكن دخيلا مثله) ..
أما معركتنا مع عصابة الفساد ، فتحتاج منطقا آخرا و نفَسا آخرا و ضوابط أخرى و باعا آخرا و أسلوبا آخرا ؛ الفساد في بلدنا مثل جل بلدان العالم ميراث أجيال و قضية ثقافية ، تحتمي في نخبة منحرفة تتمَنَّع في حاضنة اجتماعية أفسدتها المفاهيم الخاطئة للديمقراطية الشكلية (منطق الأغلبية الأعرج) ، فأفسدت كل شيء : من يربط لنا اليوم جرائم ولد عبد العزيز بفساد إدارة هو من أفسدها على المقاس لتمرير مشروع نهبه يستهزئ بعقولنا.
ما نطلبه اليوم من النظام هو القبض على عصابة الحرابة و وضع سياسة جادة لمحاربة عصابة الفساد . و العمل على توضيح الفرق الشاسع بين الحالتين من خلال ؛ القصد و الممارسة و الحدود…
– نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع لكنه لم يكن مجرما مثل ولد عبد العزيز ..
– نعم ، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع لكنه لم يكن خائنا مثل سيدي ولد اتَّاه..
– نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع لكنه لم يكن يعمل على تشويه سمعة موريتانيا مثل بيرام..
– نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع لكنه لم يكن يتبجح بالفساد مثل ولد بايَّ..
– نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع ، لكنه لم يحول مصرف موريتانيا المركزي إلى ورشة سرية لتزوير العملات و العمليات القذرة مثل عزيز ولد الداهي ..
– نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع ، لكنه لم يكن يدافع عن الفساد مثل ولد أجاي..
– نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع ، لكنه لم يرهن مصالح البلد مدة نصف قرن للهنود و الصينيين مثل ولد عبد الفتاح ..
نعم، كان ولد الغزواني فاسدا مثل الجميع، لكنه لم يهد العمود الفقري للاقتصاد الموريتاني “اسنيم” لتكبير و ولد امصبوع و أسماء و أفعال وصفات ولد عبد عزيز مثل ولد أوداعه
على من يحاولون (بالغمز و اللمز و الصريح) أن يخجلونا بفساد ولد الغزواني ، أن يفهموا لماذا نعتبر فساده مفخرة بالنسبة لإجرامهم..
ليس في الأمر ما يخجلنا و لا ما يجعلنا نشك في قدرته على محاسبتهم على ما ارتكبوه من فظائع في حق شعبنا المخجل و بلدنا المنهوب ، لكن جريمة ولد الغزواني ستكون أبشع من الجميع إذا لم يحاسب هذه العصابة الحاقدة ذات الأجندة الشيطانية.
يخطئ من يعتقد أننا لا نعرف ما نريده و لا كيف نصل إليه.
يخطئ من يعتقد أنه يستطيع أن يخجلنا حين “نطلب من مفسد أن يعاقب مفسدين” كما تكررون : شكرًا لغزواني لأنه لو لم يكن مفسدا لما تركوه يصل إلى الرئاسة و شكرًا له إذا أكد لنا من خلال محاسبتهم أن الغاية هي كانت مبرر وسيلته.
و في الأخير ، تأكدوا أن لا الدستور و لا القانون و لا البرلمان و لا الحزب و لا النظام و لا الفوضى يمكن أن يحول دون محاكمة ولد عبد العزيز و مصادرة “ممتلكاتنا” و خلوده في السجن مع بقية عصابة الحرابة : تأكدوا من ذلك و لا تضيعوا وقتكم. تلك هي معركة كرامتنا المقدسة و لن نخسرها بكل تأكيد أمام ثلة من اللصوص الجبناء.