إلى الأشقاء في المغرب و الجزائر و المعارضة / سيدي علي بلعمش
عند المعارضة اليوم قراءات غريبة للوضع السياسي، تتفنن في عرضها و تفسيرها، كأنما تحاول أن تقنع نفسها بأن عليها أن تركن إلى الأماني بعدما عجزت عن التمسك بمشروع الرحيل الذي كانت تعتمد فيه على ثورة إسلامية مسلحة، وجدت كل أسبابها الموضوعية و افتقرت إلى الشجاعة والإرادة و العنصر البشري.
مختصر قراءات المعارضة أن فرنسا لم تعد ترغب في ولد عبد العزيز و أنها بدأت بوضوح في عملية التخلص منه، من خلال جملة من المؤشرات الواضحة مثل اتهام النائب مامير له برعاية المخدرات و التسجيلات في قضايا تبييض أموال و تأكيد فرنسا على ضرورة إعداد انتخابات نزيهة و شفافة تحت رقابة أممية كبيرة..
و تنسى معارضتنا (غبية الدهاء) أنها تنسى في كل مرة وعود الطمأنة الفرنسية التي تسبق كل انتخابات سيئة، تنتهي بفرض أمر الواقع كما تريده فرنسا و لصالح أبعد من تتمثل في توجهاته و سلوكه مبادئ الخطاب الفرنسي المخادع الميثالية.
و ترى المعارضة أن “غليان” الوضع الداخلي (بسبب نضالها الباسل)، يجعل فرنسا (الساعية إلى قدر من الاستقرار في موريتانيا كما يقولون) تسعى ـ قبل فوات الأوان ـ إلى استبداله بغيره من أصحاب الولاء الأكثر قدرة على تسيير أمور البلد، ناسين أن فرنسا لا تريد أن يسير موريتانيا غيرها هي نفسها و لا يمكن أن تجد من يمكنها من ذلك مثل ولد عبد العزيز و لا بأقل من شروطه المتلخصة في أن يبقى هو على الكرسي و تفعل هي ما تشاء.
و ترى المعارضة (التي تنسى نتائج كل الانتخابات التي دخلتها من قبل برؤية ذكية يتبين بعد فوات الأوان أنها كانت في قمة الغباء) أن الشعب الموريتاني لم يعد يقبل بولد عبد العزيز و أن أحزاب أغلبيته بدأت تبحث عن مواقع في صفوف المعارضة الواعدة. و أريد أن أفهمهم فقط أن ولد عبد العزيز يجرهم إلى دكار ثانية ستكون مبادرة مسعود هي قاعدتها (المعدة جيدا بين الاثنين) التي تتشكل على أساسها حكومة دكار ثانية . و اللجنة الوطنية للانتخابات الحالية ليست سوى فزاعة مثل انتخابات 6/6 ، سيتم حلها لاحقا و تشكيل لجنة أخرى لجر المعارضة إلى الانتخابات. و الأحزاب التي خرجت من الأغلبية أي مجموعة ولد الوقف و ولد اعبيد الرحمن و التي من المنتظر أن تكبر لاحقا، فهمت أن ولد عبد العزيز سيشكل في النهاية حكومة و لجنة وطنية من كل الطيف السياسي فقاموا بتشكيل جناحهم لأنهم يدركون أن حصولهم على نصيب من الكعكة داخل الأغلبية سيكون ضئيلا ، ليس إلا..
و في هذا الوقت بالذات الذي تعتبر فيه المعارضة أن ولد عبد العزيز فقد كل أمل في الاستمرار في الحكم، يتنفس الجنرال المزور الصعداء من أعماقه لأول مرة بعد حادث 13 أكتوبر .. و يتبين لأول مرة أن لا علاقة لفرنسا البتة بالحملة الإعلامية المسعورة التي ضايقته جدا في الفترة الأخيرة و التي توقفت نهائيا يوم 24 / 04 / 2013 بتوقيع المحضر النهائي للجنة المشتركة (المغربية الموريتانية) التي لم تجتمع منذ 2007 ليتم إيقاظها اليوم لخلق مناسبة لرأب تصدعات علاقة تحولت سريعا من التبعية إلى العداء:
ـ فلا شك أن المغرب لعب دورا هاما و ربما حاسما في إنجاح انقلاب ولد عبد العزيز بل لا شك أن لقاء ولد عبد العزيز بالملك قبل انقلابه بفترة وجيزة هو ما أعطاه تلك الجرأة الزائدة في الإقدام على القيام بانقلاب أحمق في وقت اتفق فيه العالم أجمع على نبذ و رفض أي انقلاب عسكري مهما كانت أسبابه.
و هذا ما جعل موقع “هاسبريس” الالكتروني المغربي يكرر في أكثر من مناسبة أن “الحكومة الموريتانية الجديدة هي حكومة مغربية بأمتياز”. و بدأت لوبيات مغربية انطلاقا من هذه الرؤية الضيقة و الخاطئة في تقديراتها، تدفع باتجاه تصعيد الضغط على نواكشوط للظهور في تلك الصورة المهينة لموريتانيا التي ارتضتها حكومة ولد محمد لغظف و أكدها نفوذ السفير المغربي في نواكشوط الذي كان يدعي انتماءه إلى قبيلة ولد عبد العزيز (و هي لعبة قديمة عند المخابرات المغربية مثل تسمية الجنرال الدليمي).
في المقابل كانت الجزائر رافضة للانقلاب (على طريقتها غير المجدية) و مستاءة إلى أقصى حد من حمل عدة وزراء في حكومة ولد محمد لغظف الجنسية المغربية و إرسال ولد تكدي على رأس البعثة الدبلوماسية في الجزائر (و هو ما اعتبرته وقاحة مقصودة) و ظهور عدة تصريحات مغربية متبجحة و متطاولة أحيانا حد الوقاحة، معتبرة أن تبعية موريتانيا للمغرب كانت معركة ما مضى من الزمن و قد حسمت إلى الأبد .!
و لكن أيضا بدا واضحا من الأشهر الأولى أن المغرب لا تملك وسائل طموحها في موريتانيا و لا رؤية واضحة لشروط استمراره و لا حتى مرونة كافية لتفهم إكراهات واقع البلد الجيوسياسي و اقتصادي؛ فقد وجد ولد عبد العزيز نفسه في أزمة اقتصادية خانقة، تهدد مشروع بقائه و تفاجأ بعد طرق كل الأبواب بأن الخروج منها مشروط بإدارة الظهر للمغرب ( إيران، الجزائر، ليبيا …) و هنا تظهر أخطاء سوء التقديرات و غياب التحاليل و الدراسات و تحكم الارتجالية و المزاجية و يظهر أيضا أن الأحكام في المغرب و الجزائر و إيران و ليبيا (مع أبهتها) لم تكن تختلف في شيء عن النظام الموريتاني: غياب الرؤية، تخبط الحلول، مزاجية المواقف، طفولية ردة الفعل، سطحية الخطاب. و المشكلة الأكبر التي تعاني منها هذه الدول هي كبر الأحلام و صغر العقول. و الأغرب في حالتها هو انتهاجها نفس الأسلوب؛ فكلها تقول شيئا و تفعل شيئا آخر و تفكر في شيء ثالث بنفس الطريقة و حين تكتشف أنها كانت غبية في تعاملها مع الأنظمة الموريتانية التي أثبتت كل الوقائع أنها كانت أذكى منهم جميعا، يعكسون كل شيء على المواطن الموريتاني البريء: تسجيل الطلاب، تأشيرات الزيارة و ترصد الأخطاء، مما يعكس صغر هذه الأنظمة و بلادتها و غباءها : تذكروا يا هؤلاء أن ليس لدينا موريتاني واحد يعمل في بلدانكم و لديكم جاليات كبيرة تعمل في بلدنا و الشهادات التعليمية التي تعطون بالمجان لطلابنا غير مرغوبة في سوق العمل لأن مستويات أصحابها دون مستوى التعليم المحظري عندنا في البوادي .. تذكروا أن كل مسافر موريتاني يقيم أو يمر ببلدانكم يصرف مبالغ هامة و لا يأتينا من بلدانكم بأي شيء .. تذكروا أن علاقاتنا بكم جميعا لا يمكن أن تكون إلا علاقة أخوة أو علاقة ندية و إذا كنتم لا تحتاجون الأولى فإننا لا نتسول الثانية .. تذكروا أن كل شيء في العالم يتغير إلا أنتم .. و على المغرب و الجزائر بصفة خاصة أن تفهما أن تقزيم دور موريتانيا و التعامل معها بمنطق الترغيب و الترهيب و القفز على الفرص كلما حكمها مجنون لاستمالتها إلى جحيم إحداهما، عمل عبثي لا فائدة من ورائه .. و عليهما أن تعلما (و هذا ما يعيه الآن جيدا قادة الجزائر و المغرب و يغيب كليا عن وعي النظام الموريتاني الحالي) أن أي حل لقضية الصحراء لا تكون موريتانيا حجر الزاوية فيه، لن يتم أبدا في أروقة الأمم المتحدة.. و لن يتم في أروقة الأمم المتحدة غير حل من أثنين : أن تصبح الصحراء الغربية دولة مستقلة بين شقيقاتها أو يعود إلى موريتانيا جزؤها الذي نصت عليه اتفاقية مدريد. و الحل الأخير هو ما تعمل عليه الأمم المتحدة الآن في تعديل جزئي لمقترح كوفي آنان و تتولى بريطانيا و قطر مهمة الإعداد له بإشراك قيادات من البوليزاريو ..
* بدأت لوبيات مغربية منذ مجيء ولد عبد العزيز تعزف على وتيرة “رد الجميل” معتبرين ما قام به النظام المغرب من أجل إنجاح انقلابه دينا على موريتانيا، متناسين أن شعبها يعسكر في الشارع منذ مجيئه، مطالبا برحيله. و افترقت الطرق أمام ولد عبد عزيز؛ طريق المغرب و السنغال و أبيهما الذي علمهما السحر (فرنسا) سالك لكنه خاوي الوفاض و طريق الجزائر، طرابلس و طهران شائك لكن كل الحلول (المرحلية على الأقل) تتطلب المغامرة باختياره . و التوفيق بينهما كان يتطلب مهارات ذهنية و حنكة سياسية لا يتمتع بها ولد عبد العزيز و ترفض المغرب تفهمها..
كان لا بد للشرخ أن يكون كبيرا، فأدار ولد عبد العزيز ظهره لها 90 درجة و بدأت المغرب في تضييق الخناخ عليه بعدما اكتشفت أنها وقعت في دهاليز لغز بلا خريطة بسبب قراءاتها الخاطئة للمرة العشرين، لما كان يمكن أن تطلب من أي نظام موريتاني مهما كانت تبعيته؛ ففي مرة وحيدة حاول نائب أكجوجت (ابن عم ولد عبد العزيز) أن يبدي رأيا جريئا في اتجاه تأييد الموقف الغربي من قضية الصحراء، كادت الساحة الإعلامية و السياسية أن تخرج عن السيطرة فتم تدارك الوضع بكل الطرق، تفاديا لكشف ضعف النظام في مثل هكذا مواقف.
ـ قامت المغرب بمزاحمة موريتانيا على مقعد في مجلس الأمن (العضوية غير الدائمة) بعد أن حصلت لأول مرة على دعم عدد كبير من الدول الإفريقية بسبب الضغوط الجزائرية. و قد فازت به المغرب في نهاية المطاف.
ـ لكن الشرارة الفعلية للأزمة و التي يبدو أن المغرب لم تكن بريئة في إثارتها و توقيتها هي كانت “برقية” خاصة تتحدث عن مبالغ مالية كبيرة تم إدخالها إلى المغرب تحت غطاء رسمي عن طريق أحد أبناء عمومة الرئيس الموريتاني. و تضمنت البرقية الخاصة التي تم توزيعها بشكل محدود جدا على رسميين مغاربة (كما قالوا) أن المبالغ التي تم إدخالها للمغرب غير مسبوقة بهذا الحجم. و جاء فيها أن هذه المبالغ استخدمت لشراء عقارات وعمارات في المغرب. قامت السلطات الموريتانية إثرها بطرد مدير مكتب وكالة الأنباء الرسمية المغربية “لاماب” بنواكشوط عبد الحفيظ البقالي، مطالبة إياه بمغادرة التراب الموريتاني في أقل من 24 ساعة و اتهامه بمزاولة أعمال وأنشطة مخلة بطبيعة عمله الصحفي و رفضت وزارة الإعلام اعتماد أي مراسل مغربي لها في العاصمة الموريتانية.
ـ بدأت السلطات الأمنية المغربية تمارس أساليب مهينة (التأشيرات، إجراءات الدخول والخروج و المرور) مع الأسر الموريتانية المسافرة إلى المغرب في العطل الصيفية.
ـ التعاطي السيئ للسفارات المغربية في أوربا مع الموريتانيين الراغبين في العبور برا من الأراضي المغربية..
ـ رفض تسجيل الطلاب الموريتانيين في الجامعات المغربية (أكثر من 800 طالب تم التعاطي معهم بطرق منهكة و متعمدة لتضييع وقتهم و الضغط على نفسياتهم لإظهار مدى حاجة موريتانيا إلى المغرب..!؟) و هي ممارسات صغيرة جدا و مسيئة جدا لن ينساها الشعب الموريتاني مهما ربطته من علاقات مع المغرب.
ـ فسخ المغرب (من طرف واحد) لعقد تجاري يقضي بنقل الحجاج الموريتانيين على الخطوط الملكية، لتتكفل الخطوط الجوية الجزائرية بنقلهم استجابة لطلب من السلطات الموريتانية.
و قد تأكد عمق الأزمة من خلال تأجيل ولد عبد العزيز زيارته للملكة ثلاث مرات متتالية، مرتين بسبب اعتذار من الملك و الثالثة باعتذار من ولد عبد العزيز نفسه.
و قد أتقن ولد عبد العزيز من جانبه ردة فعله من خلال:
ـ إقامة علاقات بدت متطورة و خطيرة مع إيران، عقب طرد المغرب للسفير الإيراني و قطع العلاقات بين البلدين.
ـ امتناع موريتانيا عن الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، في حين كان المغرب من أوائل الداعين له بسبب العداء مع نظام العقيدالليبي الراحل الداعم لجبهة البوليساريو.
ـ و قد انتهزت الجزائر (التي كانت من أشد الرافضين لانقلاب ولد عبد العزيز)، فرصة تدهور العلاقات بين البلدين لتوجيه دعوة لولد عبد العزيز، تمت تلبيتها في 10 دجمبر 2011 و أسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات و المشاريع التنموية كان من أهمها الاتفاق على إنجاز طريق بري يربط بين البلدين. و قد عكست هذه الزيارة بوضوح أهمية استقطاب موريتانيا في الصراع القائم بين الرباط و الجزائر حول قضية الصحراء الغربية، لكن موريتانيا لم تتجار قط بموقفها من هذه القضية إلى هذا الحد المخجل و المكشوف.
و قال عبد الفتاح الفاتحي، الخبير في قضايا الصحراء والشأن المغربي (لا المغاربي كما يدعي) في مقابلة مع موقع هاسبريس “أن الجزائر تحاول اليوم إيجاد بديل في تأييد الموقف الموريتاني لما في ذلك من تأثير قوي على قضية النزاع في الصحراء في محاولة لإضعاف الموقف المغربي، وكذا لكبح أي فرصة لعودة المغرب إلى حظيرة منظمة الاتحاد الإفريقي، حيث تحاول الجزائر أن تدفع باتجاه إعادة المنظمة لضبط قانونها الداخلي، خوفا من ارتفاع التأييد لعودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي”.
و معروف أن توتر العلاقات الموريتانية المغربية يتحول دائما إلى أزمة خطيرة حين يصاحبه تقارب موريتاني جزائري كما كان حاصلا بالضبط.
من هنا يتضح أن مستوى التأزيم الذي وصلته العلاقات الموريتانية المغربية في السنتين الماضيتين كان غير مسبوق و خطير و استعملت فيه كل أسلحة التأثير المباحة و غير المباحة الملموسة و المحسوسة، المنطوقة و المفهومة..
و من خلال كل الاستفزازات التي استعملتها لتحديد نقاط ضعف الرئيس الموريتاني، اكتشفت المغرب أن حساسية ولد عبد العزيز الأهم هي كل ما يرتبط به هو شخصيا لا ما يمس من مصالح موريتانيا و لا ما يمس كرامة و مصالح مواطنيها، فأصبحنا منذ فترة نستيقظ كل يوم على تفاصيل فضيحة عظيمة من تاريخ قائدنا المجيد..
و لم يكن ولد بو عماتو حذرا (وهو ذكي جدا في إدارة مثل هذه الألاعيب و شجاع في اتخاذ مواقفه) لا باعتماده على المعارضة الموريتانية المتسولة داخليا و لا بدخوله هذا الصراع الغامض الأهداف اعتمادا على المواقف المغربية التمثيلية خارجيا؛ فإسقاط ولد عبد العزيز من دون تدخل فرنسا غير ممكن في أذهان المعارضة الموريتانية .. و ما كان يمكن ان يكون إسقاطه سقف مطالب المغرب لأنها تعي أن فرنسا لا تريد بديلا له لكن إزعاجه للتخلص من العلاقة الجزائرية الإيرانية مصلحة مشتركة، مسموح للمغرب باستعمال كل ممنوع لبلوغها تماما كما حدث.
و قد عملت المغرب بالفعل على تحريك محورها (السنغال و فرنسا) ضد ولد عبد العزيز و هي دول تشترك كلها في العداء للجزائر و منزعجة كلها من التقارب الجزائري الموريتاني بسبب مشاكل المنطقة.. و للمغرب دين كبير على هذه الدول في حالات عداء كثيرة لموريتانيا كانت تحتاج مواقف مغربية مؤيدة لبلوغ أهدافها مثل أزمة 1989 و 1991.
و قد صاحب تأجيج مسلسل الفضائح، تغشم مغربي، و تظاهر بنوع من الارتياح كان من الواضح أن ثمة آلية خفية محكمة، كانت ترفض أن يأخذ شكل التشفي لتدارك الموقف لاحقا.
و لم تلاحظ المعارضة الموريتانية المرتاحة بتفسير “أن فرنسا لم تعد ترغب في ولد عبد العزيز و تعمل على إزاحته من كرسي الرئاسة”، أمورا كانت واضحة المعاني وضوح النهار:
ـ منع السفير المغربي في باريس من زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في المستشفى واتهام بعض وسائل الإعلام الموريتانية للمغرب بمحاولة اغتياله. و كان واضحا أن الهدف من هذا الاتهام هو حشر الموقف المغربي في زاوية ضيقة خوفا من تأويلاته لأسباب الحادث أو محاولة أي استغلال “سيء” آخر لما حدث. و قد نجحت المحاولة بالفعل.
ـ رفض الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز استقبال وزير الدولة المغربي عبد الله باها الذي جاء إلى نواكشوط في إطار مهمة حزبية لتمثيل حزب العدالة والتنمية في المؤتمر الثاني للتجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل). و قد انزعج النظام الموريتاني من حضور أهم رموز الحركة الإسلامية في العالم إليه، من أمثال موسى أبو مرزوق القيادي في حركة حماس، وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس، في وقت يغلي فيه الشارع الموريتاني مطالبا برحيله ، تشبثا بثورات “الربيع العربي” التي كان لهذه الشخصيات دور ريادي فيها و كان حضور الوزير المغربي متعمدا و لا يمكن أن يفوت المغرب استفزازه للنظام الموريتاني.
ـ تزامن قضية عبد الله باها، مع استقبال الرئيس الموريتاني وزير خارجية البوليزاريو محمد سالم ولد السالك….
ـ عدم استقبال وزير الخارجية المغربي لنظيره الموريتاني خلال مشاركته الأخيرة في مؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش
و لأن توقيت هذه الحملة الإعلامية المزعجة و المحكمة، كان قاتلا حيث يستعد ولد عبد العزيز لخوض حملات نيابية و بلدية تم تأجيلها أصلا لتحضير مناخ مناسب و حملة رئاسية ستكون حتما مرتبطة بنتائج النيابية و البلدية إلى حد بعيد، كان لا بد من البحث عن ( و لو قشة ) لاستدارة الظهر إلى الجزائر و الارتماء في أحضان المغرب من دون أن تفهم الناس أي شيء مما كان، فتم إيقاظ “اللجنة العليا المشتركة” التي لم تجتمع منذ 2007 و بدأت الوفود الرسمية المغربية تتهاطل على موريتانيا و بدأت الدبلوماسية المغربية تلوك العبارات المعسولة ، مقللة من شأن “ما يشاع ” عن سوء العلاقات بين البلدين الشقيقين، ليقول الوزير الأول المغربي عبد الإله بن كيران ، في تصريح أدلى به يوم الثلاثاء 23 إبريل 2013 ، بعد وصوله إلى العاصمة نواكشوط : “لا مجال للسؤال عن العلاقات المغربية الموريتانية فهي علاقات بين بلدين تجمعهما الأخوة وحسن الجوار والمصالح المشتركة والمودة التاريخية والمستقبلية التي لا نزاع فيها” ، مضيفا أن “اللجنة العليا المشتركة التي ستنعقد اليوم هي فرصة لتأكيد تلك المعاني وتجسيد مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين، وهذه مسارات تحكمها أشياء أكبر من الأشخاص ومن الأحزاب ومن الحكومات وهي مسارات تاريخية غير قابلة للتبدل”
ـ و في لقاء مع الجزيرة، قال وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني بعيد لقائه مع الرئيس الموريتاني في القصر الرئاسي: “لا شيء بإمكانه أن يوتر العلاقات المتميزة القائمة بين المغرب وموريتانيا” . كلام جميل جدا لأنه يترك للسامع البسيط عكس ما أريد به بالضبط و يذكرنا بقول الكاتب الإرلندي الساخر بيرنارد شو “لماذا تحلف إذا كنت صادقا” .
و وقعت موريتانيا والمغرب في ختام أشغال الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة بين البلدين التي انعقدت ما بين 21 و 24 إبريل 2013 ، 17 اتفاقا ومذكرة تفاهم، شملت العديد من المجالات العلمية والصناعية والخدمية.
و تبقى الأسئلة العالقة الآن، ما مصير العلاقات الموريتانية الجزائرية التي قطعت شوطا كبيرا في المرحلة الماضية، بعد هذه النقلة الكبيرة على الجانب الآخر؟
و أيهما يتلاعب بالآخر، النظام المغربي بالموريتاني أو العكس؟
و أين الذكاء الجزائري في إخفاقات نظامه المتواصلة في موريتانيا؟
و أي مشروع ستعمل المغرب اليوم على بناء حلمه اعتمادا على غباء ولد عبد العزيز؟
و متى تفهم الجزائر و المغرب أن التعامل مع موريتانيا من خلال غباء و ارتزاق أنظمتها لن يسيء إلا إليهما و لن تستطيع أي منهما أن تبني عليه غير مشروع هش يتحطم حتما أمام أعينها بعد وقت قليل؟
و لماذا تحيدان الشعب الموريتاني في تعاملهما معنا و تمنان علينا بفائض سخائهما على أنظمة نعسكر في الشوارع للتخلص منها ؟
و إلى متى تتمسك المعارضة الموريتانية الغبية بتفسيراتها الواهية لموقف فرنسا من ولد عبد العزيز ؟
أسئلة لا نبحث عن ردود عليها وسط هذا الغباء الجماعي الذي لا تسلم أي جهة من أهم قدر منه.
إن ثمن الرهان على غباء الأنظمة الموريتانية غالي جدا لأنه يكشف غباءكم، فابحثوا عن طرق تربطكم بالشعب الموريتاني لأنه باقي و الأنظمة زائلة..