في ذكرى رحيل العلامة بداه ولد البصيري

altأمنة بنت سيد يعرف/

هو الشيخ العلامة محمدو الملقب بداه ولد محمدو ولد حبيب ولد أحمدو ولد البصيري، المولود سنة  1920م، بعد أربعة أشهر من وفاة والده، تسمى باسمه، وتربّى مع  جده لأمه الشيخ العلامة محمدو ولد حبيب الرحمن، وحفظ القرآن وهو دون التاسعة من عمره، كما أخذ العلوم على عدة علماء، من بينهم الشيخ أحمد ولد أحمذيه، والشيخ محمد سالم ولد ألما، والشيخ محمد عالي ولد عدود، والشيخ سيدي الفالي ولد محمودا.

عُرف عنه الورع والصرامة  في الحق والدفاع عن السنة منذ شبابه  وحرص على نشر الخير والدفاع عن الدعاة إلى الله، ودرس كل فنون المعرفة الشرعية فقهًا وتفسيرًا ولغة ومنطقًا وبلاغة، وكان مدينة علم مسوّرة بالإيمان والإحسان، وأب الدعاة إلى الله ومأواهم وإمامهم، وعُرف عنه صدعه بالحق ودفاعه عن المظلوم فيه، ولا يزال الجميع يتذكر خطبه الصادعة بالحق، ووقوفه الصريح في وجه كثير من المخططات التي تواجه هوية البلد ودينه والعمل الإسلامي بشكل عام. أقام بداه محظرته ومسجده، وانطلق يدرس ويفتي ويصلح ذات البين، وحافظ على دروسه العامة، وخصوصًا درس التفسير الذي بدأه في مساجد البادية، عندما أجازه شيخه العلامة أحمدو ولد أحمذيه في التفسير والقرآن. ولا ينسي احدنا  مواقف بداه الصارمة ضد محاولات الأنظمة السياسية، وبعض النخب الثقافية والسياسية في البلد؛ لتمرير بعض المراسيم والنظم التي رأى فيها خطراً على الهوية الثقافية للبلد. ومن الأمثلة في ذلك وقوفه الصارم ضد دستور 1982 المخالف للشريعة الإسلامية؛ إذ كان العلامة ضمن عدد من الأئمة والعلماء وقادة التيار الإسلامي حينها حجر العثرة الأبرز التي أدت إلى سقوط الدستور المذكور، الذي يوصف بأنه دستور علماني جدا. كان بداه قارئا نهمًا، وتشهد المكتبة الضخمة للشيخ بذلك، وقد قلّ أن يخلو كتاب في المكتبة من حواش وتعليقات للشيخ “بداه”، وقرأ فتاوي ابن تيمية وهي (35) جزءًا، وسجل تعليقاته واستدراكاته على هوامش كل الأجزاء. كما اهتم الشيخ “بداه” بالناتج الفكري الإسلامي المعاصر، وكان يعبر عن إعجابه الشديد بالإمام حسن البنا وفكره الإصلاحي، ويؤكد تلاميذه أن الشيخ قرأ رسالة التعاليم للإمام البنا، وأُعجب بمضامينها، كما كان يطلب من تلاميذه أن يقرؤوا عليه مذكرات الإمام البنا، وكتب الشيخ سعيد حوى، ويعتبرهما من خيرة المؤلفين، وتزخر مكتبة الشيخ “بداه” بعشرات الكتب التي تعالج قضايا الفكر الإسلامي، وكان يقول: “أنا من الدعاة، وأنا أبو الدعاة، وكل العاملين للإسلام أبنائي”. خاض الشيخ “بداه” حربًا شعواء ضد بعض”الفقهاء “، وخصوصًا أولئك الذين انتقدوا عليه إقامة صلاة الجمعة، وكان يرد على الجميع بأدب، مؤكداً أنه إنما يردّ من خلال الوحيين، وعليهما يبني رؤيته وفقهه ومقاصده، وبين تقليد جامد وتجديد يلغي الفقه وتراث العلماء، وقف الشيخ “بداه” مؤسسًا معالم فقه تجديدي يعيد للمدرسة المالكية ألقها ونضارتها وبهاءها. فمؤلفات الشيخ “بداه” المتعددة، تشهد على ذلك الجهد الكبير في مجال التأصيل ورد الفروع إلى الوحيين، كل ذلك في أدب  يحسن الربط بين النص وتفسيره ورأي العلماء فيه. كما خاض الشيخ “بداه” معركة شرسة ضد من أقاموا أسوارًا بين مدراس الفقه الإسلامي، وألّف في ذلك عدة كتب من بينها “تنبيه الخلف الحاضر على أن تفويض السلف لا ينافي الأخذ بالظواهر، وكتابه “القول المفيد في ذم قادح الاتباع ومادح التقليد”، وقد ترك ما يقارب (40) كتابًا بين نثر ونظم، توزعتها قضايا العقيدة والفقه والأصول والسيرة النبوية، إضافة إلى مئات الفتاوى وقد أكد الشيخ “بداه” في حواراته مع الفقهاء المتمذهبين “ثقوا بأنكم ستُسألون في قبوركم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس عن أي أحد آخر”.و حرص بداه رغم ذلك علي ان ظل الشيخ حفظ هيبة ومكانة للعلماء إذ نهى طلابه عن الاستدلال ببعض مقولاته في التشنيع على بعض المقلدين، قائلاً: “تلك مقولات قلتها وأنا في حال جدال وغضب”. وفقدت مورتانيا هذا العلا مة وما يحمله من علم وسماحة  وتواضع وشعور با لمسؤو لية تجاه وطنه ، بداه البصيري في09-05-2009.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى