أعلى درجات المكاشفة، في إيجاز كبير
كتب سيدعلي بلعمش:
الزمان أنفو _
تعيش موريتانيا حزمة من الصراعات العميقة ، المتشابكة : عسكريا و اجتماعيا و سياسيا ..
– على المستوى العسكري يسيطر اليوم الجناح الأقوى في الجيش . و هذا عامل استقرار يحتاج استقرارا اجتماعيا و سياسيا موازيا لم تكتمل بعد أسباب أي منهما..
– على المستوى الاجتماعي ، يسيطر الجناح الأضعف . و هذا عامل عدم استقرار ، أنتجته سياسة “فرق تسد” في الحقب الماضية ، يحتاج عمليات جراحية، لا تملك السلطة القائمة مهارات علاجها و لا تساهم التوجهات الاجتماعية في التخفيف من وطأتها .
– على المستوى السياسي ، تتحكم قوى خارجية (الفوضى) ، مستفيدة (خارجيا) من سيطرة الجيش في دعايتها و من حالة التفكك الاجتماعي (داخليا) لتبرير وجودها ..
إذا كانت الحالة العسكرية (في هذه الحالة على الأقل)، جزء من الحل فإن الحالتين (الاجتماعية و السياسية) جزء من المشكل .
الصراع داخل الجيش عمره 40 عاما ، أي عمر “نادي ضباط الشمال” بالضبط، تمت فيه تصفيات مريرة ، حالت فيها قوة الجناح المسيطر الآن دون وصولها العمق (التفكك).
– حالَ تماسك الجيش (رغم هشاشته) دون التفكك الاجتماعي الذي عاشت على تأجيجه كل الأنظمة المتعاقبة منذ 1978، كانت أسوؤها حقبة عصابة ولد عبد العزيز (الذي عبث بكل شيء) و التي برهنت على أن تماسك الشعب الموريتاني أقوى من أطماع كل الأشرار رغم ما تركوا من جراح ثخينة على أكثر من صعيد ..
– و حالَ تماسك الجيش (رغم ما يعانيه من صراعات داخلية) دون سيطرة المشاريع السياسية الجهوية و القبلية و العنصرية و حتى الانفصالية ، التي كانت تجر البلد نحو الصوملة .
اليوم على ولد الغزواني أن يتمتع بالشجاعة الكافية لمصارحة شعبه.
و إذا لم يكن قادرا على مصارحة الشعب فنحن قادرون و ملزمون (وطنيا) على مصارحته هو:
على ولد الغزواني أن يفهم أن مسرحيات الديمقراطية الكاذبة لن تنسينا أي شيء :
عليه أن يتذكر أنه ضابط ، يحمل رتبة عسكرية لا يستحقها (مثل كل الحنرالات الذين حصلوا عليها بالمحاصصة الجهوية و الفيئوية المنافية لكل القيم و النظم العسكرية)..
عليه أن يتذكر أنه شارك في ثلاث انقلابات عسكرية على الشرعية الدينية و الأخلاقية و الديمقراطية ..
عليه أن يتذكر أنه وصل الرئاسة في انتخابات لا أقول مزورة بل مغتصبة ، بكل عناصر الجريمة.
عليه أن يتذكر أنه ظل لأكثر من عشر سنين ثاني “أهم” شخصية في أسوئ نظام عرفته البشرية ..
و عليه أن يتذكر بمعنى أكثر وضوحا أنه مفسد، من أفسد نظام عرفته البشرية (ليس في هذا ما يمكن إخفاؤه أو يجدي نكرانه) ..
رغم ذلك كله فقد أبدى
الشعب الموريتاني اليوم استعداده لنسيان كل شيء إذا كان النظام الموريتاني القائم مستعد للتوبة و الإصلاح و العمل بشفافية على إخراج البلد من مأزقه الذي ساهم الجميع فيه (سلطة و موالاة و معارضة) . و لا يستطيع الشعب أن يقدم لكم أكثر من هذا العرض و لا يستطيع غيره أن يحميكم من عواقب رفضه.
و إذا لم يكن النظام القائم مستعدا لهذا التوجه و بمثل هذه الشجاعة و الوضوح، عليه أن ينتظر منا ما لم نواجه به ولد عبد العزيز و عصابته ؛ فليفتح سجونه و يدجج جيشه بالسلاح و ليضعه في أعلى درجات التأهب و الاستنفار ، لأننا لن نرضخ له و لن ندخر جهدا في محاربته بكل ما لدينا من وسائل ..
ما يحدث الآن من تخبط و تهيب و غموض يكشف بوضوح عن عجز النظام عن الخروج من مأزقه ، لا من مأزق موريتانيا . و إذا استمر هذا الوضع، سيكون علينا أن نذكر النظام بأن أمامنا ألف و أن وراءه ألف مشكلة .