أعدموا مفتشي الدولة (4) سيدي علي بلعمش

الزمان أنفو _  ما حدث في عشرية الشؤم و البؤس لا يمكن أن يوصف بالفساد ؛ كان تدميرا متعمدا بأعلى درجات الاحتقار لهذا البلد و الاستهتار بنظمه و الازدراء بردود فعل شعبه.. كان استباحة بلا قاع لكل ممتلكات هذا الشعب المقهور ، المغلوب على أمره .. كان حالة ازدراء بكل شيء غير مسبوقة في عالمنا المعاصر ، أعني منذ حوالي خمسمائة سنة على الأقل.

كانت الجهات المسؤولة عن مأساة عشرية الشؤم ، خمسة لا غير :
١ – رئيس عصابة يحتكر كل المسؤوليات ؛ هو المسير لكل القطاعات و الآمر الناهي في كل كبيرة و صغيرة ..
٢- موظفون ينفذون أوامر رئيس العصابة ، لا يعصون له أمرا و لا تعنيهم النظم و القوانين في شيء، يطوعون كل النصوص و الإجراءات الإدارية لرغباته المزاجية ..
٣ – سياسيون (منافقون) يصفون فشله في شتى المجالات بالعبقرية الفذة و يرجمون معارضيه و منتقديه بالخيانة و العمالة و الحقد و الحسد و كل ما يعرفون في أنفسهم من حقارة و نذالة..
٤ – تجار خلقهم عزيز من لا شيء (يعرفهم الجميع)، لنهب المؤسسات و كل خيرات البلد و إخفاء ثروته و مغالطة النظم الإدارية الهشة و عقول البسطاء . يتم توجيه كل مشاريع الدولة لصالحهم و تصدر الأوامر للوزراء و المدراء بالرضوخ لطلباتهم و تصدر للاتحاد من أجل نهب الجمهورية للإشادة بالنهضة التي تعيشها البلاد في زمنهم،تحت القيادة السامية لفخامة اللص المحترف و تصدر لأجهزة الرقابة و المتابعة و المفتشية العامة لولد عبد العزيز و القضاء ب”التطبيع” أي بالعمل على جعل كل إجراءات النهب طبيعية و قانونية :
٥ – قضاء فاسد ، تحول إلى أعوان لأجهزة الأمن المنحرفة ، يدين من تدينه العصابة و يبرئ من تبرئه.
هكذا تم نهب كل خيرات الوطن في عشرية الشؤم و تلك هي أسس الخطة التي وضعها اللص لمغالطة البسطاء ، فمن يستطيع اليوم أن يقول إنه لم يقع في حبائلها، إلا إذا كان لا يتولى أي مسؤولية مثل عقدويينا أو لا تحرجه أخرى مثل عقدتهم.
صحيح أنني كنت و ما زلت و سأظل من ألد أعداء المجرم عزيز حتى يُرمى به في السجن و تصادر كل ممتلكاته المسروقة من ثروتنا. و أدرك جيدا وفاء الكثيرين له ممن حكَّمهم دون أي وجه حق في رقاب الناس و في أرزاقهم .
لست أخاف وكيل جمهورية و لا آكل لحوم أبريائها ، لكنه من المؤسف فقط أن يقوم وكيل جمهورية ، تحت ظل نظام ، كنّا ننتظر أن يكون المُخَلِّصَ لبلدنا من دمار عشرية عزيز المشؤومة والمخجلة ، بتقديم الشاي (باعتبار خاص) لمن يشتكوني (بسبب مقالات لا تعنيهم في شيء )، متعمدا إهانة أصحاب صحف شرفاء ، بالانتظار طويلا خارج مكتبه ، ذنبهم الوحيد أنهم نشروا مقالات لي تنتقد مفتشية لا يمثلونها و لم توكلهم و ليس فيهم من يحتل صفة مفتش كاملة فيها .. ليسوا من تصلهم الأوامر العليا التي تحدثت عنها و ليس من بينهم من يصدر الأوامر لغير معد الشاي فيها .. إذا غابوا لا يسأل عنهم و إذا حضروا لا يستشارون : هل يدافع هؤلاء عن إنجازات العشرية “التي لا تطال” أو عن العمل البطولي لأجهزة المفتشية التي وصفتها تقارير اللجنة البرلمانية ب (la carence) أي أسوأ درجات رداءة الأداء؟
و تكون رداءة الأداء ، إما بسبب الجهل و إما بسبب الخيانة و إما بسببهما معا ، فأي الثلاثة تختارون ؟ و بماذا تفتخرون اليوم أمام الناس ؟
لعل هؤلاء ينسون أو يجهلون (و كلها من علامات “la carence”) ، أنهم لم يكونوا موظفين للدولة بل كانوا مجرد خُدّام في بلاط عزيز برواتب من الدولة تماما مثل سرقته للماء و الكهرباء . و لو أنصف الدهر لأُلزِموا اليوم بإعادة رواتبهم طيلة العشرية .
مثل هذا الكلام ، لا يمكن اليوم – بعد ظهور حقيقة عزيز و نظامه – أن يُغضب وزيرا أو ينكره مدير أو سفير أو وكيل جمهورية ، لكنه من الطبيعي أن يُغضب ثلة متباكية من أوفياء العشرية ، لا تعترف بغير عبقرية عزيز و غباء القانون .
الغريب يبقى استقبال وكيل الجمهورية لهم بمثل هذه الحفاوة و هذا الاعتبار و الأغرب هو قبوله لدعواهم في قضية لا تعنيهم في شيء ، باسم مؤسسة لا يمثلونها إداريا و ليس من بينهم من يحتل منصبا في واجهتها و لا يمثلونها بتميز أدائهم المشفوع باستقالاتهم و لا رفضهم الأوامر غير الشرعية و لا يمثلونها بخبراتهم الفذة و لا بنضالهم المستميت ضد الفساد و الانحراف !!
على “الموظف” الموريتاني أن يفهم أنه ملزم وطنيا و قانونيا برفض الأوامر غير الشرعية و بتقديم الاستقالة ، إن لزم الأمر ، و فضحها أمام الرأي العام لأنه مؤتمن و أي تقصير منه يعتبر خيانة؛ أجمل ما يمكن أن يقوله هؤلاء اليوم هو أنهم كانوا يحافظون على رواتبهم و أجمل طريقة يبررونها بها هي أن يقولوا “مثل الجميع” و هو أسوأ مبرر يقدمه موظف مثلهم في أي بقعة من الكون غيرنا !!!
تُرى، لماذا لا تشتكي خلية المساعدين من تقرير اللجنة البرلمانية التي تصفهم في كل جزء منه بأدنى درجات سوء الأداء (La carence) ؟
لماذا لا تشتكي خلية المساعدين المدافعين عن عشرية الشؤم ، من تقرير محكمة الحسابات؟
لماذا لا تشتكي خلية المساعدين من تقارير لسان حال البلد و المجتمع، المُجمِعُ على نهب عشرية الشؤم و خيانة كل كبار موظفي النظام فيها (أقول موظفي النظام لا موظفي الدولة لأن الجميع كان يعمل في بلاط عزيز لا في بلاط الجمهورية و ينفذ أوامر اللص عزيز لا قوانين الجمهورية المحددة لمسؤوليات الموظفين و صلاحياتهم ..
أنتم حقا لا تخجلون .. أنتم حقا من يستحقون الشفقة بسذاجتكم و سخافة مبرراتكم : كل مسؤولي المفتشية المسؤولين فعلا ، من كبار موظفي الصف الأول ، يخجلون من التعاطي في مثل هذه المواضيع المحرجة، مثل كل الوزراء و المدراء في القطاعات الأخرى . و هذه درجة من الإحساس نقدرها لهم و يحز في نفوسنا أحيانا أن نعيرهم بماضيهم بالأسماء و الصفات بسببها، أما أنتم فليس لديكم ما تخسرونه و ربما كان من “حقكم” أن تقولوا “لا عطر بعد عروس” ، فأنتم أبناء عشريته المدللين ، المحصنين ضد الإحساس و المسؤولية ..
و تحية خاصة جدا (بكل عدالة العشرية و ديمقراطيتها و مساواتها)، إلى السيد وكيل الجمهورية، العادل ، المحترم ، الثائر على الظلم و الانحياز بكل تجرد و أمانة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى