بمناسبة الفاتح من مايو: الكرامة أولا و أخيرا ..
2 ـ «الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» (الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم) يجب أن لا تمر ذكرى الفاتح من مايو دون أن نقف وقفة تأمل لنسائل أنفسنا: ما حال العمال في هذه البلاد؟ هل يجدون ذواتهم في العمل الذي يقدمون؟ هل يعملون مختارين: ليبدعوا وينتجوا بأقصى طاقة، أم هم مرغمون (مكرهون لا أبطالا!)؟
هل يشعر العمال بالاحترام والتقدير (ماديا ومعنويا) ؟ هل يشعرون بالرضى ؟ هل يشعرون بالانتماء للدولة؟ لا أعتقد..
فمن خلال تتبع وضعيات العمال في كافة القطاعات: عمومية أم خصوصية نجد أوضاعا مزرية تعصف بإيمان ويقين هؤلاء العمال بكل شيئ!! سأحاول من خلال عدة حلقات تناول مأساة العمال في بلادي، وفي هذه المرة سأتناول موضوعا “ذا شجون” هو: احترام القانون.
منذ أول يوم له في العمل، لا ينتظر العامل الموريتاني أي معاملة له بالقانون، وحتى قبل التحاقه بالعمل، ففي الغالب يتم تشغيل العمال عبر طرق بعيدة عن أي مسطرة قانونية عبر “الواسطة” أو “المعرفة”.. إلخ من التقنيات الموريتانية الملتفة والضبابية، وهذا الوضع يجعل مطالبة العامل بحقوقه أمرا غير “مسموح به” لأن طريقه لم تكن مستقيمة في الأصل: عند الاكتتاب.
وبطبيعة الحال تظل هناك استثناءات حيث يوجد “مساكين” عبروا متسللين حواجز “الوساطة والتبتيب” لا أمل لهم أيضا في احترام القانون.
ويعتبر “الجرنالية” في القطاع الخاص وشبه العمومي أبرز مثال على العمال الذين لا حظ لهم في هذا المجال، إذ يعاملون بطريقة لا تمت لأي قانون بشري يقدر كرامة الإنسان ويحافظ على أبسط حقوقه (لا يزال العمال من هذا النوع يعملون فوق طاقات البشر حيث يعملون فوق ساعات العمل المحددة دون أي تعويض خاص كما تنص القوانين منذ القرن قبل الماضي، ولا زلت أتذكر بوضوح كيف كانت إحدى شركات الحراسة الأمنية تجعل عمالها يعملون لاثني عشرة ساعة.
من منا لا يعرف المعاملة القاسية التي يتعرض لها الجرنالية في ازويرات حيث لا يعترف لهم بحق، وحيث يساقون في سوق نخاسة كبير من طرف سماسرة (تاشرونا) ويعملون بشرط أن لا يمرضوا، وأن لا يتأخروا مقابل أجور زهيدة ودون أي اعتبار أو احترام.
من منا لا يتألم لسماع الأوضاع التي يعمل فيها مئات العمال في أكجوجت وتازيازت حيث يتعرضون لأمراض غامضة، ويتنكر لهم التاشرونا ويرفضون حتى المساهمة في علاجهم.
من منا لا يسمع قصصا عن البحارة في نواذيبو الذين يتلكأ “سادتهم” من رجال الأعمال في دفع مستحقاتهم، ويبدعون في التفنن في مماطلتهم كلما استحقوا عليهم مستحقات مالية.
يتملص “التاشروه” من أغلب مسئولياته ولا يهتم بتقديم الضمان الصحي أو الاجتماعي للعمالة الموريتانية التي يتاجر بمجهودها وعرقها، ويتربح الملايين من معاناتها وألمها.
أتذكر قصة المدون الموريتاني التي أوردها عن شاب خريج من جامعة عالمية كافح من أجل الحصول على عمل في أحد البنوك وبعد فترة من التدرب حصل على الوظيفة، وفي أحد الأيام تفاجأ بأن مديرته لم تعد تأتي للعمل فسأل عنها ـ وليته لم يفعل ـ فقد كانت الإجابة بأنها تشارك في امتحانات الباكلوريا!
من منا لا يعرف عاملا كان بالأمس يعمل، وفي لحظة انفعال أو مزاج متعكر للسيد “البطرون” فقد عمله! أنا الآن حزين جدا لأن المنزل الذي أكتب فيه هذه السطور يحاول ربه حرمان العامل المنزلي الأجير فيه من أخذ عطلته الأسبوعية “ديماس”!!
قبل فترة أراد بعض من أرباب العمل في ميناء نواكشوط الاستغناء عن 5 آلاف عامل لأنهم طالبوا برفع تعويض أجرة الحمل أواق معدودة، واستبدالهم بأجراء آخرين، وكأن ليس هناك قوانين تحمي هؤلاء العمال؟!! (بالطبع ليست هناك، لأن لا أحد يهتم لأمرهم).
وعندما تدخلت الدولة كانت الفاجعة أدهى وأمر، حيث لم تتدخل لإجراء تفاوض يضمن حماية حقوق الطرفين، بل انحازت، ولكن إلى الطرف الأقوى “أرباب العمل” وأرادت بالقوة والقمع أن تفرض على الحمالين شروطهم في الوقت الذي من المنتظر أن تنحاز الدولة وتفرض ما يمليه المنطق والحق والعدل، لكنها شنشنة نعرفها من أخزم.. فما دامت الدولة مختطفة بين أيدي ثلة أوليغارسية وطغمة عسكرية لا تفقه من احترام القانون إلا مصالحها سيظل العمال مهمشين ومستضعفين لا يحكمهم أي قانون.
لا نريد سوى احترام القانون، لا نريد سوى سد الفراغات التي تحتاج إلى قانون ينظم العلاقات الاجتماعية وفي طليعتها العمل.
الحال ليس بأحسن في القطاع العمومي، حيث يتفوق التملق على الكفاءة، والنميمة على الإخلاص للعمل، والتقرب من رئيس العمل على الفعالية.
الوظائف السياسية تختلط بالفنية، فيعين المهندس الكفء في إدارة منزوية عن التنفيذ الميداني، ويعين المراوغ المخاتل في الوظائف الميدانية التنفيذية!!
لا يحترم عمال الإدارة المحلية القانون في سلوكها وتصرفها تجاه المواطنين، ويعاملونهم بكل ازردراء دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الرجوع للنصوص (عشت موقفا من هذا القبيل عندما أصر مساعد أحد الحكام على ضرورة أن أطلب منهم الترخيص لنشاط تخليدي لفاتح مايو، فأخبرته أنني لن أفعل، ولكنني سأقوم بإيداع إشعار. المفارقة هنا: أنه لا يميز بين طلب الترخيص والإشعار!!)
هناك عشرات آلاف العمال في القطاع العمومي اندمجوا في العمل بعد التحولات الاقتصادية (العمال غير الدائمين) متناثرين في كل القطاعات، لم يحصلوا سوى على عقود غير دائمة وأغلبهم لم يستفد من امتيازات الموظفين العموميين، وبعضهم أمضى عمرا في خدمة الدولة دون أي أمل بالاكتتاب.
وينتظر هؤلاء العمال من الدرجة الثانية أن يحصلوا على فرصة للاكتتاب ـ رغم أنهم يقومون بعمل مهم للدولة ـ عل وعسى أن يحظوا بحقوق الموظفين “بين قوسين”
في النهاية أود أن أذكر بأن هناك شيئا يقال له الكرامة لا بد أن تحفظ للإنسان، حتى لا يمتهن ويستغل فقط لأن هناك من لا يعرف كيف يجب أن تدار الأمور!
المجد لشهداء القضية العمالية!
يحيا النضال العمالي. (يتواصل) سيد ولد محمد الامين 9 مايو 2013