إلى نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي المغربي الموحد
وافقكِ القول في أن من فرّط في موريتانيا سيفرط حتما في الصحراء الغربية، إذا كنتِ تعنين غيرَ المَلِك كمواطنيّ مثلا؛ لأنه لا يمكنك أن تكوني ملكية أكثر من الملك، ولأنكِ لا يمكنكِ أن تجهلي تاريخ بلادكِ يومَ فرّط الملكُ في إقليم توات في معاهدة مغنية سنة 1945م، وفرّط فيه أيضا قبل ذلك بأكثر من قرن حين رفع يده عنه ببساطة طواعية دون إكراه.
فإذا جهلتِ هذا، فلا غرابة أن تستكثري تفريطا مزعوما لا سند له إلا جنون العظمة وأوهام المتاجرين بالقضية الأمازيغية. وإذا جهلتِ هذا من تاريخ العرش فلا ينبغي أن تكوني مسؤولة عن حزب يستظل بظل العرش، بل لا ينبغي أن تتزلّفي إلى الملِك بأن تكوني أكثر ملكية منه؛ فهو لا يحب ذلك.
وإذا ما كنت تستندين إلى أن حجاجنا كانوا يفدون على المملكة في طريقهم إلى الحج فيكرم الملك وفادتهم لأنهم علماء وشعراء آمّون البيت الحرام، فأحرى ببلدة أقبلي في جنوبي الجزائر أن تدّعيَ ما ادّعيتِه؛ لأن أمير ركب الحج فيها كان يكرم وفادة حجاج شنقيط هو الآخر.
ولكن لا أظنك إلا خلوا من التاريخ جديرة بالتوبيخ على مذهب الإمام السخاوي رحمه الله.
ولو طبّقنا مبدأ الإفراط والتفريط لوجدنا أن موريتانيا فرّطت في مراكش يوم افتتحها أبو بكر بن عمر اللمتوني الموريتاني وتركها ليوسف بن تاشفين الموريتاني ليفرط فيها حفيده يوم ثار عليه عبد المؤمن الكومي الوهراني الجزائري الذي فرّط أحفاده فيها أيضا يوم ثار عليهم بنو مرين الزناتيون الزابيون الجزائريون، ولاحقا فرّط فيها ابن ماء العينين الشنقيطي في بداية القرن العشرين بعد أن حكمها فترة كلها عدل ورخاء…
وإذا كان السعديون قد غزوا تنبكتو بشذّاذ الآفاق، فإن ما يشاع عن وصول محلة السلطان العلوي إلى شنقيط لا أساس له من الصحة؛ إذ لم يتجاوز بلدة زاقورة في أقصى شرقي المملكة المغربية. ولتراجعي إذا شئتِ حوليات التاريخ!
أما المتاجرون بالقضية الأمازيغية، فالأمازيغ منهم براء. ومتى كان أمازيغ التل المنصفون يعتبرون أن صحراء صنهاجة اللثام حديقة خلفية لهم؟!
لقد كان صنهاجة اللثام( لمتونة ومسوفة وجدالة) أحرارا في موطنهم الممتد من المحيط إلى المجابات الكبرى ومن نهر صنهاجة إلى منطقة الساحل، لا يخضعون لملك ولا لسلطان ولا يعطون الغفر لأي كان.
وكذلك كان بنو حسان من بعدهم حين ضاقت بهم مجالاتهم الممتدة من الساقية الحمراء إلى ما بين وجدة ووهران، في القرن الرابع عشر الميلادي، اقرئي إن شئت ابن خلدون! وحين هاجروا إلى أرض شنقيط لم يعرف منهم تابع لملك ولا سلطان، بل كانوا يأنفون من التبعية.
تُرى متى تتحاشى النخبة في مزايداتها المقدَّس والثوابت التاريخية والجغرافية، وتتزلّف بغيرها إلى الحكّام؟