شطحات.. مع أطباء العيون
خلال الأسبوع الماضي اضطر أحد أصدقائي للذهاب بابنته إلى تونس لأن أطباء العيون في موريتانيا أجمعوا على أن ابنته تعاني من ضعف في النظر ما يستلزم نظارات طبية لصغيرة في سنتها الثالثة..
ولأن أطباءنا الأفاضل لم يتفقوا على درجة بعينها يمكن لصاحب النظارات أن يصنع على أساسها الزجاجات.. قرر الصديق التوجه إلى تونس..وفعلا جمع ما تيسر من مال وطار إلى مستشفى الفارابي.. وهناك تأكد من الأطباء التونسيين بأن الصغيرة لا تعاني من نقص في الرؤية وإنما من انحراف “متوازن” لا يحتاج حتى الآن للتقويم.. وفي تونس دائما التقى العشرات من ضحايا من يسمونهم هناك بجزاري موريتانيا.
أكثر ما عاناه الرجل هو الإحراج: عندما يسأله أحد الأصدقاء من التونسيين: أنت هنا فقط من أجل كشف على العيون وليس للسياحة.. أليس في موريتانيا أطباء عيون.. الكشف لا يحتاج للرفع.
في موريتانيا أطباء عيون ولا أشكك في مهارة كل واحد منهم لكنني أيضا لا أنعت أيا منهم بالعبقري العظيم.. ببساطة لأنني لم أر ما يعزز هذه الصفة في أي طبيب موريتاني.
عندما تدخل على الطبيب في عيادته ستدخل طابورا طويلا من المرضى… سيدخل المريض ولن يزيده المشخص على دقائق عدة قبل أن يرسله إلى مختبر أو صيدلية تبيع الدواء المغشوش.. وكأن الطبيب وهو يعاين المرضى يدرك أنهم جميعا سيموتون بعد حين، وعليه أن يأخذ أموال كل مريض منهم قبل أن يذهب بها إلى طبيب آخر..
ألا يخجل هؤلاء.. ماذا لو أن الصغيرة سلمى وضعت زجاجة بصر مضاعفة.. ماذا لو أن ابنة أحد الأطباء عاشت نفس التجربة.. ألن يكون مخجلا له أن يضاعف قوة بصر ابنته فتبصر المأساة مضاعفة فتبصر جشع والدها مضاعفا.. فتراه جزارا وقاتلا مع ضرب الصفتين في درجة الزجاجة.. لو أن أطباء العيون كانوا حاذقين لكتبوا لمرضاهم زجاجات تضعف البصر ولا تقويه.. على الأقل حتى لا يعرف أحد ببصره حقيقة الأطباء.. وحتى تعمى أعيننا عن الحقيقة المرة لمن كان يفترض فيهم الصدق والاقتناع بالكفاف والكفاف فقط.. فالحياة منحتهم فرصة نادرة للعيش الكريم والتعفف عن شرب دماء الفقراء والأغنياء غير أنهم آثروا المال على المآل… الحقيقة المطلقة أن الثورة التي نحتاجها ثورة مرضى على أطبائهم، تنطلق من المستشفيات العامة ولا تتوقف قبل الإطاحة بكل العيادات الخاصة.. يلي ذلك الشروع في محاكمة أركان النظام الطبي البائد.
بقلم: محمد لمين ولد محمودي/خاص أقلام”