تكريم المقاومة بالإساءة إليها !! / سيدي علي بلعمش
الزمان أنفو _
لن أتكلم هنا عن توشيحات 28 نوفمبر المدنية و العسكرية لأنها بلا معنى و لا قيمة، تماما مثل أسبابها الخالية من الموضوعية و من أي درجة من الاستحقاق: لقد رأينا توشيح خونة و لصوص و منافقين، لكنها أخطاء زمننا المحسوبة علينا بما فيها و فينا من علات.
المشكلة اليوم هي سطوُنا على زمن غيرنا لإفساده كما أفسدنا زمننا: من يجود بدمه و ماله قائدا كان أو مجرد جندي عادي في صفوف المقاومة، فقيرا كان أو غنيا أهدى المقاومة ألف جمل أو فرس، أميرا كان أو مولاه، عالما كان أو عاميا، هم في التضحية سواء و سواء في الشرف و الكرامة.
من يتحدثون عن المقاومة الثقافية و المسلحة وغيرها، يفككون مشهدا لا يفهمون أي شيء فيه و لا ينبغي أن يتحدثوا في مواضيع أكبر منهم. و من يريدون احتكار المقاومة لآبائهم، يسيئون إلى آبائهم و إلى المقاومة : إذا كان آباؤهم هكذا كانوا يفكرون فهم ليسوا مقاومة و إذا كانت المقاومة مرتبطة بآبائكم فهي ليست مقاومة.
حين تكون الغاية بنبل المقاومة، تسقط كل هذه الاعتبارات الصغيرة، الأنانية، الذاتية، المسيئة إلى الجميع.
لقد حمى آباؤنا على قلتهم حينها (أقدِّرُ أن يكون عدد سكان البلد حينها لا يصل نصف مليون نسمة بأطفالها و نسائها و عجائزها، فبكم تقدرون عدد رجالها؟) أرضا أكبر مرتين من فرنسا . و لم يخوضوا معارك في مالي و لا الجزائر و لا المغرب و لا السنغال، بما يعني أنهم كانوا يعون بدقة عن ماذا يدافعون و لماذا يفعلونها.
كل من شاركوا في المقاومة أبطال و يستحقون التكريم جميعا و يجب أن يكون تكريمهم جماعيا. و تكريم المقاومة يكون بالأفكار.. يكون بالأمانة في تناول مقامهم و عطائهم .. يكون بردع من يسيء إليهم : كان باستطاعتنا أن نكرم شهداءنا بحل “رابطة تخليد بطولات المقاومة” و استعادة علم البلاد و نشيدها الوطني و إذاعتها الوطنية و تلفزتها الوطنية و بطاقة تعريفها الوطنية.
كل هذه الرموز بالغة الأهمية التي عبث بها ولد عبد العزيز و “رابطة تخليد بطولات المقاومة” كانت نتاجا مباشرا لتضحيات أبطال مقاومتنا الباسلة و كلهم أبطال و كلهم بواسل، رغم أنف رابطة ولد عبد لعزيز.
كل معارك المقاومة هامة و بطولية : بطولية بوسائلها البدائية .. بطولية بإرادة أصحابها .. بطولية بإقدامهم .. بطولية بإيمانهم بقيمة الشهادة و تسابقهم لنيلها (…). و حين تكرر “رابطة تخليد بطولات المقاومة” على مسامعنا عبارة “أهمها معركة أم التونسي”، بما تحمل من شحنة تزلفية و افتراء على التاريخ و المقاومة، و ما تستدعي من ردود فعل ، كان يمكن تجاوزها إكراما لمن قضوا فيها من دون النبش في أسبابهم الرئيسية و الثانوية ، تكون هذه الرابطة ربطها الله في جذع أباطيلها، قد استفزت مجتمعنا و أساءت إلى شهدائنا و شوهت تاريخ بلدنا.
و ليس في المقاومة ما يمكن أن يستفاد منه ليشوب عطاء أصحابها و وفاءهم لدينهم و وطنهم و كرامتهم.
ـ هل تكون أم التونسي أهم من معركة ألاك ( 18 دجنبر 1903 ) و تقدمها الزمني بما يعني من أبعاد ؟
ـ هل تكون أهم من معركة بو كادوم (1 إبريل 1905) التي استشهد فيها الأمير بكار متأبطا بندقيته بعد أن تجاوز المائة؟ و هل كانت غزوة بو كادوم هي الأخرى ملحمة استشهادية على غرار أم التونسي، أم نسينا هرولة فرير جان إلى خيمة الشهيد لمنع قتلته من التمثيل بجثمانه؟
ـ هل تكون أهم من معركة تجكجة (12 مايو 1905) التي قتل فيها المحتل كابولاني (فاتح سوريا و الجزائر)؟
ـ هل تكون أهم من معركة النيملان (25 أكتوبر 1905)، بما قدمت من شهداء لا طعن في أسبابهم؟
ـ هل تكون أهم من معركة لكويشيش (28 نوفمبر 1908) بقيادة أحمد ولد الديد، وهل تقارن خسائر الفرنسيين فيها بخسائرهم في أم التونسي ؟
ـ هل تكون أهم من معركة وديان الخروب (19 مارس 1932) التي استشهد فيها المجاهد سيد أحمد ولد أحمد ولد عبده؟
ليس في هذه المعارك طبعا ما هو أهم من غيره و لا نفضل أيا من شهدائها على غيرهم ، يكفيهم ما وعدهم الله، لكن اختلافها عن غيرها يُستمدُّ من انعكاسها على الطرف المحتل . و ليس العيب هنا في أم التونسي و لا في شهدائها و إنما في هذا الدعاية الكاذبة، لمكذوبة ، المنافقة ، المفترية على التاريخ و المقاومة و لأسباب سخيفة لا تخفى على أحد.
هذه الرابطة ليست مؤتمنة على تاريخ المقاومة و ليست مؤتمنة على شرف المقاومة، كان ينبغي أن نكرم مقاومتنا البطلة بحلها و توبيخها و البراءة مما تسببت فيه من استفزازات متعمَّدة لذاكرتنا الجمعية.