مؤسس “افلام” افارا عمر با يتحدث
قال افارا عمر با القيادي المؤسس بحركة “قوى تحرير الزنوج الموريتانيين” المعروفة بـ”افلام” إن حركته تم تأسيسها في 16 مارس 1983 حيث انعقد مؤتمرها التأسيسي في منزل أبو بكر خاليدو با في نواكشوط وهو أحد الأطر الزنوج المستعربين يقع بيته في حي “ل” (Ilot L). وقال القيادي بـ”افلام” إن المؤتمر التأسيسي شهد حضور ما يناهز العشرين شخصا من بينهم الأكاديمي الراحل صيدو كان والزعيم الحالي لحزب “AJD-MR” صار إبراهيما مختار والرئيس الحالي لـ”افلام” صمبا اتيام المقيم بالولايات المتحدة وجبريل حمت لي الذي انتخب يومها رئيسا للحركة. وقال با إن تنظيم “افلام” جاء نتيجة اندماج أربع منظمات سياسية سرية تتقاطع جميعا في تبني قضية الزنوج الموريتانيين وتعتبر أنهم ضحية سياسة عنصرية يتبناها النظام، نافيا أن تكون للحركة ثارات على “البيضان كشعب” بل كانت تعارض “نظاما عنصريا”. وتشكلت “افلام”، طبقا لرواية با، نتيجة اندماج أربع حركات تدافع عن قومية الزنوج هي “اتحاد الديمقراطييين الموريتانيين” (UDM) و”الحركة الشعبية الإفريقية لموريتانيا” (MPAM) و”منظمة الدفاع عن مصالح الزنوج الأفارقة في موريتانيا (ODINAM) إضافة إلى “حركة الطلاب والتلاميذ الزنوج” (MEEN).
“برنامج وطني” وحول الأهداف التي رسمتها “افلام” قال إنها تمثلت في الدفاع عن حقوق الزنوج على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. واعتبر أن الحكومة الموريتانية قل أن تضم أكثر من ثلاثة أو أربع وزراء من الزنوج، وهو ما يمثل تهميشا في رأيه. وفال افارا عمر با إن الجانب الاقتصادي كان يشهد تهميشا مماثلا مشيرا إلى أن عددا من التجار الزنوج تم تفليسهم بفعل فاعل حتى اضطروا لمغادرة السوق أمام منافسة العرب المدعومين من الدولة. ومثل با على ذلك برجل الأعمال عمر انجاي الذي استولى أحد البنوك على أمواله بدعم من السلطة وأبو بكر آلفا الذي كان ممثلا لشركة “بيجو” وتم تفليسه بفعل فاعل إضافة إلى آلاسان حمادي با الملقب “بالاس” والذي تعرضت أملاكه للنهب عام 1989. وفي المجال الثقافي رأى با أن قضية الاعتراف باللغات الوطنية كان من أبرز أهداف الحركة مشيرا إلى أن حصة الزنوج في الإذاعة والتلفزيون كانت مقلصة إلى الحد الأدنى وتوافق الساعات الأقل استماعا، وكان من بين أهداف الحركة تغيير هذا الوضع من خلال زيادة ساعات البث وأن تكون في أوقات الاستماع.
بدايات التأسيس وحول ظروف إنشاء الحركة قال إنه تم انتخاب مكتب يناهز عدده عشرة أشخاص، ضم رئيسا هو جبريل حمت لي، وأمينا عاما ومكلفا بالتنظيم ومسؤولا للمالية ومسؤولا سياسيا ومسؤولا للدعاية من بين آخرين. وقد بقي حمت لي رئيسا إلى أن أعيد انتخابه في المؤتمر الثاني عام 1985 قبل أن تبدأ الاعتقالات عام 1986. ووزعت الحركة عملها في نواكشوط إلى أربع مناطق حيث عمل با مسؤولا عن منطقة تفرغ زينه التي تضم “مدينه 3″ و”سوكوجيم بي أس”. وقد كانت تعتمد كما يروي على مساهمات أفرادها من أجل تمويل الأنشطة ولم تكن لها ميزانية محددة، رغم أنها اتهمت بأنها على علاقة بالسنغال “وهو ما لم يكن أبدا وأقسم بالله على ذلك” كما يقول با. وينفي با تأثر حركته بأي نموذج خارجي رغم أن البعض داخل الحركة كانوا يعتقدون أن هناك تشابها بين الحالة الموريتانية والحالة التي كانت سائدة في جنوب إفريقيا، “لكننا كمثقفين ومنظرين لـ”افلام” لم نطرح يوما هذه المقارنة ولم نتخذ نموذجا خارجيا. بعض الشباب المتطرفين يتبنون هذا الطرح حتى اليوم، لكن هذا لا يلزم غيرهم” حسب قوله. ووفق با فقد ركزت الحركة خلال السنوات الأولى على إرساء قواعدها وإصدار وثائقها والتوسع في اكتتاب العناصر وتشكيل الخلايا على مستوى نواكشوط والمدن الداخلية خاصة كيهيدي وبوغي وسيلبابي ونواذيبو وتجكجه. وفي هذه المرحلة تميز اكتتاب العناصر بالحذر الشديد وكان الزنوج هم وحدهم المستهدفين “لأسباب أمنية” رغم أن يقول إنه من حيث المبدإ كانت فكرة اكتساب البيضان لاحقا أمرا مطروحا “لأن حركة ذات طابع عرقي لم تكن لتنجح وسينظر إليها بسلبية”. وبخصوص عدد أفراد الحركة خلال ثلاثة أعوام من العمل قال با إنهم كانوا يقلون عن مائتي عنصر حسب تقديره، بين أطر وطلاب وتلاميذ. وحول العلاقات مع بقية الحركات السياسية قال با إن طبيعة العمل السري كانت تمنع وجود أي اتصال بين “افلام” وحركة اليسار والقوميين فضلا عن كون بعض الحركات لا تزال ناشئة يومها كالإسلاميين، حسب قوله.
“الزنجي المضطهد”… الوثيقة القنبلة وبخصوص أبرز وثائق الحركة في تلك الفترة يشير با إلى إصدار وثيقة “البرنامج” وهي وثيقة داخلية تحدد ملامح المشروع السياسي للحركة وتولى با شخصيا إعداد مسودتها فيما تولت لجنة موسعة تحسينها. ووصف الوثيقة بأنها “برنامج وطني” يتطرق لمشكلة التعايش بين المجموعات القومية في موريتانيا إضافة لمختلف المشاكل الاقتصادية والسياسية والثقافية في البلاد. وفضلا عن هذه الوثيقة صدرت عدة قرارات عن قيادة الحركة منها قرارات تتعلق بالبطالة وأخرى تتعلق بمسألة الرق التي كانت الحركة تنظر إليها بحساسية خاصة، حيث كانت مطبقة في مختلف القوميات وبشكل أكثر قسوة لدى العرب، وفق قوله. وفي عام 1986 وزعت الحركة منشور “إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد” وهو أحد التي كان لها صدى واسع في الساحة السياسية الموريتانية. وكما يروي فقد كانت “افلام” تتوقع الصدى الذي أحدثه المنشور ونتائجه المباشرة التي تمثلت في تسليط الضوء على الحركة وتكثيف الملاحقة الأمنية ضدها واعتقال قادتها. ويروي با كيف أن إعداد المنشور استغرق ستة أشهر وقد كلفت بإعداده لجنة تولت جمع المعلومات فيما تولى تحريره إبراهيما آبو صال، وهو أستاذ جامعي لمادة التاريخ ويعيش حاليا في فرنسا. وبخصوص قرار نشره فقد تقرر توزيعه فور اكتماله في داخل البلاد كما في الخارج حيث وزع في مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية في هراري وعلم به ولد الطايع عن طريق أحد الزعماء الأفارقة وهو ما أثار غضبه بشكل شديد، حيث باشر حملة اعتقالات ضد قادة الحركة. وتولى شخص واحد وهو صحفي عضو في الحركة توزيع المنشور في هراري لكن با يرفض الكشف عن اسمه. كما وزع المنشور داخل البلاد، وقام مواطنون عديدون لا ينتمون إلى “افلام” بتكثيره وتوزيعه بمبادراتهم الفردية، كما يؤكد با. ويتهم با مخابرات ولد الطايع بالإقدام على نشر نسخ مزورة من الوثيقة تحمل دعايات عنصرية من أجل إدانة “افلام” ولا يستبعد تورط الناصريين والبعثيين أيضا في عملية التزوير هذه. كما يقول إن حركته علمت من خلال مصادرها أن القوميين العرب لعبوا دورا بارزا في تحريض ولد الطايع على الزنوج.
فترة الاعتقالات ويقول با إن ولد الطايع أصدر أوامره إلى الكولونيل بابا آمادو لي بالشروع في اعتقالات الزنوج وحين اقترح الضابط الزنجي أن تحل القضية بالحوار بدل القمع أقاله ولد الطايع وكلف جبريل ولد عبد الله بقمع الزنوج ومن ثم بدأت الاعتقالات. ويشرح با كيف استقبلت حركته بالتفاؤل وصول الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع إلى السلطة في انقلاب في 21 ديسمبر 1984، قائلا إنها وثقت فيه لبعض الوقت وعلقت عليه بعض الآمال بسبب كونه “ضابطا محترما مشبعا بالثقافة الغربية، وكنا نعتقد أن لديه أفكارا جيدة وأنه ديمقراطي حقيقي خاصة حين قال في خطابه: لا للجهوية، لا للقبلية، لا للعنصرية”. ويضيف با “بالنسبة لنا فحين يأتي رئيس ويقول لا للعنصرية، فهذا يعني أنه يدرك وجودها في البلاد، لكن علاقتنا به توترت بعد أن وزعنا بيان الزنجي المضطهد وبدأت الأمور في التدهور”.
قصة الجناح العسكري ينفي افارا عمر با أن يكون لتنظيمه جناح عسكري ويؤكد أنه كان تنظيما مدنيا خالصا. لكنه بالمقابل يفسر محاولة انقلاب الضباط الزنوج عام 1987 بأنهم وعوا هم بأنفسهم الوضعية التي تعيشها قوميتهم ومن ثم شرعوا دون أن يكونوا على اتصال بـ”افلام” في التنظيم والتخطيط لقلب النظام. وأضاف “حين اعتقلنا تعرضنا لتعذيب بربري وقاس على يد العسكريين بسبب التعبير عن رأينا وهذا أثار الكثير من الغضب في القومية الإفريقية. هؤلاء الضباط كانوا غاضبين، وكانوا أيضا ضحية للإقصاء داخل الجيش حسب من النادر أن يتجاوز الزنوج رتبة نقيب، وهذا ما دفعهم إلى أن ينظموا أنفسهم من أجل الانقلاب. وقد نشر آلاسان بوي نفسه هذه التفاصيل ولم تعد سرا لأحد” معتبرا أن قصة الجناح العسكري هي من إنشاء النظام ومخابراته. تزامنت الاعتقالات في صفوف “افلام” مع تحضيرها للتأثير على الانتخابات المحلية وقيامها ببعض الاتصالات فضلا عن توزيع منشور “الزنجي المضطهد” وتحريض المثقفين العروبيين ضدها. وفي هذه الفترة كما يروي با ركز النظام جهوده الاستخباراتية على الحركة مما مكن من اختراقها وزرع عملاء في داخلها وتوصل إلى ضرورة وضع حد لنشاطها.
تن يوسف غي عذب وقضى في السجن رغم أنه لم ينتم يوما لـ”افلام”
ويشير با إلى أن عدد المعتقلين بتهمة العلاقة بـ”افلام” ناهز الأربعين يوم كانوا في السجن المدني في نواكشوط فيما كان في حدود الثلاثين بعد أن تم نقلهم إلى ولاته. وقد تواصلت الاعتقالات من 4 سبتمبر 1986 وحتى نهاية نوفمبر من ذات العام. ويشير با إلى اعتقال الكثيرين ممن لا علاقة لهم بـ”افلام” مثل أحد الكهربائيين البسطاء اسمه الحاج با تم نقله إلى ولاته مع زعماء الحركة، ثم الشاعر والمثقف تن يوسف غي الذي عذب وقضى نحبه في السجن بولاته رغم أنه لا علاقة له بالحركة كما يؤكد افارا عمر با. ويصف با تجربته بسجن ولاته بأنها كانت “نزولا حقيقيا في الجحيم” حيث صارحهم الضابط المشرف على السجن محمد ولد بوفالي بأنهم هنا “لكي يموتوا” وكان النزلاء حوالي 30 مدنيا و30 عسكريا. وبالفعل قضى هناك أربعة من السجناء هم آلاسان عمر با (26 أغسطس 1987) ثم تن يوسف غي (2 سبتمبر 1987) ثم المهندس عبد القدوس با الذي تم جلبه من الجزائر ومات والقيد في رجله (13 سبتمبر 1987) ثم مهندس الصحة تفسيرو جيغو (28 سبتمبر 1987) وبعد ذلك حصلت ضغوط دولية وتم نقلتا إلى العيون حيث تم تحسين ظروف الاعتقال. ويضيف “في البداية كنا مقيدين اثنين اثنين وهو ما يقتضي أن نذهب إلى قضاء الحاجة معا، قبل أن يجعلوا لكل واحد منا قيده الخاص. كنا نجلب المياه، وبنينا طريقا خارج ولاته وقمنا بأعمال بناء في السجن” من بين أعمال شاقة أخرى، رغم أنهم غير مدانين بهذه العقوبة. ويردف با “بقينا خمسة أشهر دون أن نتمكن من الاستحمام، وكنا نحصل كل يوم على مقدار علبة كلوريا من الماء من أجل الشرب والنظافة وكل شيء. أما التغذية فكانت مجرد كمية من الأرز المتعفن دون أي لحم أو مرف وأحيانا يدس السجانون فيه كميات من التراب عن قصد” حسب قوله.
“التمييز” داخل السجن ويشير با إلى أنه بعد وصول البعثيين إلى السجن تحسنت الظروف فجأة وتمكن السجناء جميعا من أن يزورهم بعض ذويهم كما تحسنت التغذية لكن الأمور عادت إلى سابق عهدها مع خروج البعثيين، وهو ما يعتبره مظهرا واضحا من مظاهر العنصرية. ويتذكر حصول نقاشات حادة بين الطرفين الذين يمثلان طرفي النقيض في التيارات القومية في موريتانيا لكن العلاقات اتجهت إلى أن تكون أخوية في النهاية بفعل ظروف السجن والتعايش رغم الخلاف الشديد في الرأي. وبعد الخروج من السجن بعفو رئاسي “لم تعد هناك حركة” بالمفهوم التنظيمي في موريتانيا كما يروي با، حيث انتقلت “افلام” إلى السنغال وعقدت مؤتمرا وانتخبت صمبا اتيام رئيسا لها وواصلت العمل من الخارج وخاصة من السنغال وأوروبا والولايات المتحدة. ويتحدث با بحرقة عن كونه ورفاقه الذي خرجوا من السجن تم طردهم جيمعا من وظائفهم ولم يتلقوا أي دعم لإعادة الإدماج، فيما عومل البعثيون الذين كانوا معهم في ذات السجن معاملة حسنة واستعادوا أعمالهم. ويرى با في هذا دليلا آخر على “عنصرية الدولة” التي أسس “افلام” ودخل السجن من أجل محاربتها. وكالة الأخبار