جمال ولد اليسع يؤبن ولد ابريدالليل
ترجمه من الفرنسية محمدفال سيدي ميله
الزمان أنفو _ في يوم 13 يناير 2021، خُسف إلى الأبد وجه محمد يحظيه ولد ابريد الليل، الأديب لفرانكوفوني، القارئ بشرَهٍ سرمدي. كثافة نثرياته تشهد على فضولٍ وذاكرة لا مثيل لهما ضمن نسيج مواطنيه.
لقد كافحتُ ضد مشروعه السياسي، وعليّ، بالتالي، أن أعترف له بالجدارة. إن التمرن على مثل هذا الاعتراف يظل مستساغا ما دام الفقيد يتسم بالتميز عن معاصريه.
على عاتقه، حمل رجل القناعات، المتعطش للمعارف، ضمانا بالإلتزام، وهو أمر يدخل ضمن التفاصيل النادرة لدى كُتاب النثر والأعمدة الرزينة.
كان نزيلا على السجون لمرات عديدة، عُذب وأهين بسبب أفكاره، رغم ذلك تحدى ورفض إغراءات الانتقام. لقد دفعه رجال الشرطة المتحمسون، مُعَرّى، إلى الخارج في صقيع اجريْدَه بشكل لم يخلُ من الاستهزاء بعلة في عينه وعفة في وجوده.
وبحكم عادات الإفلات من العقوبة في ظل “المداريات الحزينة”، لم تتم مساءلة أي مسؤول عن هذه الفظاعات، لا أمام شرطي ولا أمام قاض.
كان ولد ابريد الليل يرفض إظهار استيائه ومعاناته من كونه عاش مولعا بالجماليات وسط حشود من أصحاب الذوق الخشن، إلا في مناسبات نادرة ومع بعض رفاق الدرب الذين أذكر منهم هنا دفالي ولد الشين: أكثر المخلصين من بين مريديه.
الفكر القومي العربي، كما يفهمه ولد ابريد الليل، تسبب في الكثير من الأذى للموريتانيين، لكنه هو بالذات لم يستفد منه، أو على الأقل لم يحصل منه على استفادة شخصية. فالرجل، الذي التقيته في ثلاث مناسبات، اثنتين منهما بالصدفة، يرفع عدم الاكتراث بالفُتات الفاني إلى مرتبة من الميل إلى الزهد. وعلى اتجاه معاكس، يضحّي بكل شيء تقريبا من أجل هوايته الكامنة في سلطة الدولة دونما تمييز بين غزوها أو التقرب منها. تلك هي السمة التي يجسدها أكثر دون مُقاساة.
وبطريقته، غير المسرفة، كان يمثل فارس المفارقات: فبقدر ما كافح ضد استخدام الفرنسية في موريتانيا، بقدر ما استخدمها بمبالغة وغنج مفعم بالبهجة تارة كلما نبشتْ مقالاتُه في العلوم الإنسانية لكلاسيكية، من التاريخ إلى السوسيولوجيا، مرورا بصخرة تاربايان قرب معبد الكابيتول بروما.
وكمراقب وشاهد على أولى سنوات الاستقلال، ومراقب وشاهد، من ثم، على نزولنا الصاعق إلى جحيم الانقلاب والطغمة -وهي المغامرة التي كان إسهامه فيها حاسما- غادر ولد ابريد الليل الحياة بعد أن نشر القليل. ونتمنى لو أننا اكتشفنا له مؤلفا بعد موته. فلو أن مثل هذه الأوراق تنام حاليا في زاوية ما، لقرأنا فيها بالتأكيد نقدا ذاتيا وقصة صادقة لمصير عوّض فيه الذكاءُ الخطأ دون أن يتمكن من جبره.