يوميات “سوق المظالم”

يعرف الاقتصاديون السوق بأنها المكان الذي تلتقي فيه رغبة المشترين معبرا عنها بطلباتهم (الطلب) مع رغبة البائعين معبرا عنها بعروضهم (العرض) على أن توجد آلية توفق بينهما و هي ما نسميه السعر حيث يلعب صعوده و هبوطه دورا بارزا في تحديد اتجاه السوق و ما إذا كانت تتجه نحو الانعقاد من عدمه. و لا تشترط المكانية أو الزمانية في السوق حيث يمكن أن تنعقد في أي مكان و في أي زمان

.

في زمن يحكم فيه حاكم عادل يتقدم الناس بشكاويهم و مظالمهم إلى ذلك الحاكم العادل ليأخذها و يعطي مقابلها حقوقا كان الشخص محروما منها؛ بهذه الطريقة يتم التبادل بين الحاكم العادل و المحكوم المظلوم يأخذ الحاكم المظالم و يعطي مقابلها حقوقا في ما يمكن تسميتها اصطلاحا ب”سوق المظالم” تلعب فيها التعهدات و الالتزامات و المفاوضات بشكل عام دور الموفق بين جهتي العرض و الطلب.

من مميزات سوق المظالم أن صاحب الطلب ممثلا في الحاكم العادل يطلب المظالم جميعها و لا يطلب منها كمية محددة بحسب حاجته كما هو الحال مع السوق الاقتصادية و بالتالي يكون العارضون مقتنعين من أن بضائعهم سوف تصرف عن آخرها و ينقلبون إلى أهليهم مسرورين مما سينعكس إيجابا على اقتناع المواطنين بسلطتهم الحاكمة رغبتها في إنصافهم بقدر ما يؤثر على قطاع العدالة الذي سيتحسن بشكل ملحوظ جراء تدخلات الحاكم المذكور الهادفة إلى تحقيق العدل و المساواة و منع الظلم و الحيف. في نواكشوط و في الحيز الموجود بين البنك المركزي و القصر الرئاسي يفد العديد من الأشخاص طالبين من رئيس الجمهورية التدخل لحل مختلف مشاكلهم فتارة تقرأ شعارات تطالب بتدخل عاجل لحل مشاكل تتعلق بالأحياء العشوائية و تارة تتعلق بالحاجة إلى المياه أو ما يسميه البعض “أزمة العطش” و تارة تطالب بالتدخل لحل مشاكل تتعلق بالعمل (الفصل التعسفي لبعض العمال بحسب بعض اللافتات) و تارة بالتشغيل (حركة أنا علمي)…و تارة أخرى لرافضين للإجراءات التي قامت بها السلطات تجاه إحدى المؤسسات التابعة لأحد رجال الأعمال … والأمثلة كثيرة. من خلال ملاحظات عابرة أقوم بها عند مروري من تلك المنطقة باتجاه عملي أقرأ اللافتات و ألقي نظرة على رواد السوق و المشاكل التي لم تراوح بعد مكانها و المشاكل التي تجد طريقها لأول مرة نحو السوق. مما لفت انتباهي بهذه السوق مبادرة اقتصادية من طرف إحدى مرتادات السوق تمثلت في اقتناء خنشة أرز ابلاستيكية فارغة اتخذتها فراشا و إبريق و فرن بال و كأسين لصنع بعض الشاي، بعد أيام من مباشرة العملية لاحظت أن عدد الكؤوس تضاعف و الفرن البالي تم تصليحه إضافة إلى تجمع عدد لا بأس به من محتسي الشاي و المهتمين به حول السيدة، تمر أيام و تأخذ السيدة مبادرة موازية أو مكملة للمبادرة الأولى من خلال بيع كميات من الفستق و البسكويت المعروف محليا ب “امبسكيت سرغل” بأسعار في متناول الجميع حتى يحفزهم ذلك على الاستمرار في احتساء الشاي. استبشرت خيرا بالأمر لأن سيدة عصامية استطاعت أن تمنع نفسها من أن تتجه نحو التسول و استجداء جيوب الآخرين من خلال فكرة نفذتها واقعا و لم تكلفها الكثير، لكن المؤسف أن السيدة الضعيفة و صاحبة الإمكانيات المتواضعة زوحمت من طرف شخص آخر من خارج السوق بدأ هو الآخر يستفيد من السوق و من مرتاديها و لا هم له إلا الدرهم و الدينار و يتمنى أن لا تغلق السوق كي يستفيد تجاريا. يعيش بعضنا و يقتات على رقاب بعض.

في اليومية القادمة إن شاء الله من يوميات سوق المظالم 

رؤية للسوق و موقف منها

الشعارات المختفية و الشعارات المتكررة

تعامل الأمن مع مرتادي السوق

……………. مع تحياتي

الشيخ محمد المامي اسلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى