أبو العباس يدون عن الأذان

حاولت أمّ كلثوم تلحين القرآن. وكان محمد عبد الوهّاب يُؤذِن في جامِع الشعراني. والواقِع أنّ فنّ الأذان، كما التلاوة، نشأ بتناغُم مع الألحان. وما زال بعض الأذان في مشارِق الإسلام يُؤدِّى في المقامات ويختلِف لحنه من وقتٍ لآخر. قلتُ: وماذا لو دخَلّ الفنّانون عندَنا في الأذان واستثمروا فيه؟ صحيحٌ أنّ الأذان الموريتاني يُغنّى في “كَرْ”، وهو أقرَب إلى صيحة الحرب منه إلى دعوة للعِبادة. ولكنّه لذات السبب يحتاج ترخيماً.

وعلى أيامِنا في الثانوية كنا نقول إن الذي فتك بالجمهورية هم أبناء المؤذنِّين. وكنّا نعد منهم قائمة ممّن أفسَدت الأخلاق العامّة. فبابا نايك وبوسنينة وتامبَل بدويش وحتّى عمر بزاه كانوا أبناء مؤذِّنين. وقد شهِدتُ مسألة من نوادِر المؤذِّنين وهي أنّ زار كان ابناً لمؤذن وكان أبوه يستخلِفه. ولكن قلبه لم يكن إلى الصلاة. بل أغواه فتيان المحروسة وذهبوا بقلبِه إلى الصهباء والمبروم. وكان يستخدِم مسجِل المسجِد في ندامتِه، مستبدِلاً شريط الحُصَري بشريط ستيف ووندَر. وقد حدَث غير مرّة أنْ أذاع المسجِد موسيقى الغرب بدل القرآن نتيجة “خطأ المؤذِّن”. وتندّرنا حينها أنّ أهل الحي رقصوا تلك الليلة “اسميرف” بدل أن يُصلّوا الفجر.

وكان زار يُؤذِّن أحياناً. وكنت أختلِف إلى حيِّه فتأخُذني فيه مواقيت الصلاة. وقد سألتُه مرّة في رمضان عن سرّ الفرق بين ضعف التكبيرة الأولى مع وضوحِها وقوّة الثانية في أذان الإفطار مع حشرجتِها. فقال إنّه يأكُل التمر فيما بينهما. زار لم يكن صبوراً. أعتقِد أنّه صار لاحِقاً يتقاضى من الدولة على الأذان. ولكنّه كان طيِّباً.